عرض بالأمس في قسم "سينما العالم" بمهرجان دبي السينمائي العاشر، فيلم المخرج الإيطالي "باولو سورينتينو" (The Great Beauty) أو (الجمال العظيم)، والذي حصد منذ أيام جائزة السينما الأوروبية لهذا العام، خلال الدورة 26 لمهرجان الفيلم الأوروبي، وحصل على الجائزة الكبرى بالإضافة إلى ثلاث جوائز أخرى منها واحدة للإخراج والأخرى للمونتاج والثالثة لأفضل ممثل التي تحصل عليها بطل الفيلم "توني سيفيل"، كما أنه المنافس الإيطالي بعد أن عرض في مهرجان "كان" 2013 للحصول على جائزة أوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية من "أكاديمي أوارد" لعام 2014، وهو يعد محاولة تقليد أسلوب سينمائي فريد للمخرج فيديريكو فيلليني صاحب الأفلام المتحررة من التقليدية، وخصوصاً إبداعه الرائع "دولتشي فيتا".
ويقدم فيلم "الجمال العظيم" لوحات بصرية متوهجة لمدينة روما المعاصرة، من خلال قصة الصحافي جب غامباردلا (جسد شخصيته النجم الإيطالي توني سيرفيلو) الذي نتعمق معه في رحلة تأملية أشبه بالخيال، وهو يستمتع بالحياة الاجتماعية للمدينة، متنقلاً من حفلة فاخرة إلى أخرى، والجميع يحتفي ويرحب به. لقد تعب من أسلوب الحياة تلك، وتنتابه أحياناً رغبة معاودة الكتابة، وهو مسكون بألق شبابه المتقد الذي لا يفارقه، فهل يستطيع الفكاك من حياته هذه؟.
وتركز أحداث الفيلم مع تعمقها على "جب غامباردلا" الرجل الذي يحب اللهو والمرح، ويكرس أوقاته في الحضور إلى الحفلات الصاخبة و المآدب الفاخرة، لكن بعد عيد ميلاده الخامس وستين، نراه فجأة اصبح إنساناً ناضجاً تنتابه هواجس حول نمط حياته، وتتشكل لديه في تلك الساعة لحظة الاستبصار التي تجعله شارد الذهن وسط حشود الاحتفال، يفكر في حياته الماضية والحنين إلى روما، تلك المدينة الأبدية التي صورها فيلليني بجمودها التاريخي ولحظات انبعاث روعتها من اللاشيء، ويحملنا "سورنتينو" إلى أوديسة سينمائية جديدة لن يهدأ لنا بال من أجلها، نتعرف من خلالها إلى هذا الصحافي، الذي بنى مجده على كتاب واحد صدر قبل أكثر من أربعين عاماً، ثم توقف عن الكتابة ليصبح أحد أبرز وجوه الحياة الليلية الصاخبة في العاصمة الإيطالية، وأصحابه من ذوي المقامات الرفيعة في عالم السياسة والفن والأعمال، ومن خلاله، نكتشف بيئة متعالية، تعتز بنفسها وبأفكارها ولا ترى إلا الجمال والروعة عندما تنظر إلى نفسها في المرآة، وتأتي أهمية الفيلم ليست فقط في كيف يصور "سورنتينو" مدينته روما، بل في العظمة التي يمنحها لشخصية "جب"، خصوصا احتقاره للنساء، لكونه ارتبط في التاسعة عشرة من عمره بتجربة حب ومن وقتها لم يجد امرأة توازي من أحبها.
"الجمال العظيم" فيلم إيطالي ساحر، تسلمك لقطاته ومشاهده إلى الأخرى بسلاسة وانسيابية، لتجعلك في حالة من الانتشاء السينمائي، التي ترفض بعدها مشاهدة أي عمل آخر.