ذكرنا سابقاً أن التّسامح يكون قولاً وفعلاً، وهو عبارة عن تحقيق التّعايش المطلوب نتيجة اختلاف الثّقافات والمفاهيم بين النّاس، وهناك أربع خطوات جوهريّة للتّسامح السّوي بين النّاس وهي:
- التّقبّل: ويعني إيجاد مكانة داخل الإنسان لتقبّل اختلاف الآخر، ففي العمل يتمّ تقبّل الآخرين على اختلاف ألوانهم وأعراقهم؛ لضرورة استمرار ومتابعة أمور النّاس، فما فائدة الإيجابية والسّعادة والرّضى والتّسامح التي نتحدّث عنها إن لم تترسّخ في النّفوس، ويتم تطبيقها على أرض الواقع.
- التفهّم: بعد تقبّل الشخص لا بدّ من تفهّمه، فالفهم يختلف عن التفهّم إذ إنّ التّاء في التّفهّم تعمل على إدخال العاطفة والحب والرّحمة والرّوح، فنستوعب الشّخص ونتفهّمه ونتفهّم طريقة تصرفاته وأسلوبه المختلف.
- العفو(الرّحمة): ليس المقصود بالعفو أن يعفو الشّخص عن الآخرين لاختلاف ألوانهم ودياناتهم، إنّما المقصود بالعفو هو الرّحمة، فالرّحمة أسمى من العفو، وأوّل آية في القرآن الكريم هي: (بسم الله الرّحمن الرّحيم)، فالله تعالى قَبْلَ أن يكون شديد العقاب هو رحيم، وهذا ما يجعلنا نطبّق الرّحمة في علاقاتنا.
- الاتحاد: يدُ الله مع الجماعة، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع العيش منعزلاً عن أبناء جنسه، ويحتاج للتّعايش مع الآخرين، هذا ما دفع الشيخ زايد رحمه الله لجمعِ دول الإمارات كلّها على كلمةٍ واحدة، لها طابَعها الخاصّ، والشيخ محمد بن زايد حفظه الله قال: (الإماراتي أينما يذهب يقولون إنّه إماراتيّ، سواء فعل خيراً أو شرّاً ففي كلّ حالاته يقولون عنه إماراتيّ)، أي له بصمة فريدة تميّزه عن غيره.
أيضاً السفر خارج البلاد بدواعي الدّراسة أو العمل أو السياحة سيكون عاملاً لتعلّم ثقافات جديد، خاصة إن كانت مدّة السّفر طويلة، لكنّ هذا ليس مبرّراً لأن يتخلّى الشخص عن عادات بلده التي تربى عليها، ويتقمّص تلك العادات الجديدة، ذلك أنها قد لا تكون مناسبة لطبيعة الحياة في الوطن الأمّ، وهنا وجب التّنويه إلى أهمّيّة ترسيخ المبادئ والقيم في الأسرة نواة الوطن، والخلية الأساسية فيه وعدم التخلّي عنها.
لا يُمنع من التّعرّف إلى ثقافات الشّعوب، شريطةَ ألّا تكون هذه الثّقافات تتنافى مع ثقافة البلد الأم، فحرّيّتي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، ما يدلّ على أصالة القيم والمبادئ التي تربّينا عليها، وهذا ما يدعم قول الشّيخ محمد بن زايد: الإماراتيّ أينما ذهب يُقال عنه إماراتي، وكفاه ذلك فخراً.
هنا يتجلى دور المواطنين العائدين إلى وطنهم بعد أن اغترفوا من العلوم ما يفيد بلدهم، ويرفع شأنه عالياً، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان، فالولاء لا يُشترى بالمال، والشّخص يسافر عدة سنوات للدّراسة ولكن يعود ليفني عمره في خدمة بلده بفكرةٍ أو عملٍ، فحبّ الوطن يسير في العروق الحيّة، ما يدلّ على حجم المسؤوليّة في نفوس أبنائنا، فهي غالية ولا تُقدّر بثمن.