بأداءٍ صادقٍ ومؤثِّرٍ، عادت الفنَّانةُ المصريَّةُ يسرا اللوزي إلى الشاشةِ الصغيرةِ عبر دورٍ، يمكن وصفه بالاستثنائي في مسلسلِ "لام شمسيَّة"، إذ قدَّمت شخصيَّةَ "رباب" الصامتة التي حملت في صمتِها صرخاتِ آلافِ النساء. في هذا اللقاءِ الحصري مع "سيدتي"، تتحدَّثُ يسرا، نجمةُ غلافِ عددِ شهرِ إبريل، بصراحةٍ وعمقٍ عن خبايا الدورِ، وما غيَّره فيها بوصفها فنَّانةً وأماً، كما تفتحُ قلبها للحديثِ عن قضايا التحرُّشِ، والعنفِ الأسري، والضغوطِ النفسيَّةِ، وتكشفُ عن شغفها بتقديمِ أدوارٍ أكثر إنسانيَّةً في المستقبل.
حوار | معتز الشافعي Moetaz Elshafey
مديرة إبداعية ومنسّقة الأزياء | جايد شيلتون Jade Chilton
تصوير | دانيال أساتر Daniel Asater
مكياج وشعر | إيفان كوز Ivan Kuz
مساعد إضاءة | آجاي فالساراج Ajay Valsaraj، لدى Enso Studio
مساعدة منسّقة الأزياء | تريكسي هينا أباندو Trixie Hena Abando
إنتاج | إتشو دوكاو Icho Ducao
موقع التصوير | دبي SO/ Uptown Dubai Hotel
تصفحوا النسخة الرقمية لـ عدد أبريل 2025 من مجلة سيدتي
البداية مع "رباب".. والرهبة من الصمت

ما الذي جذبكِ لـ "رباب" لتُجسِّدي هذه الشخصيَّةَ المركَّبةَ والصعبة؟
بصراحةٍ، ما إن تواصلَ معي المخرجُ كريم الشناوي حتى شعرتُ بالحماسِ. كريم، تربطني به علاقةُ صداقةٍ منذ أعوامٍ، لكنَّنا لم نعمل معاً من قبل، وكم كنت أتمنَّى أن يجمعنا مسلسلٌ. وجودُ اسمه إلى جانبِ "ورشةِ سردٍ" بقيادةِ الكاتبةِ مريم نعوم، منتج بحجم "سعدي"، كلُّها عناصرُ تبعثُ على الاطمئنانِ بأن المشروعَ جادٌ ومحترفٌ.
في البدايةِ، لم أكن مُدركةً تماماً حجمَ الصمتِ، والعمقِ في شخصيَّةِ "رباب"، لكنْ ما ساعدني كثيراً، هو ملفُّ الشخصيَّةِ الذي أرسلته إليَّ الورشةُ. الملفُّ، احتوى على خلفيَّتها النفسيَّةِ والتاريخيَّةِ بالتفصيل، وعلى الرغمِ من أن هذه التفاصيل، لا تظهرُ على الشاشةِ إلا أنها كانت ضروريَّةً لي بوصفي ممثِّلةً لفهمِ دوافعها وأفعالها. حينها، شعرتُ بأنني أمامَ شخصيَّةٍ مملوءةٍ بالصراعاتِ الداخليَّة، وأن تقديمها يتطلَّبُ مني حساسيَّةً شديدةً، وعمقاً حقيقياً.
هل شعرتِ بالخوفِ من أداءِ شخصيَّةٍ صامتةٍ؟
نعم. الصمتُ في التمثيلِ قد يكون أكثر تعقيداً من الحوار. المُشاهِد هنا لا يسمعُ صوتك، بل ينتظرُ أن يقرأ ملامحَك، وأن يشعرَ بما لا يُقال. لم أدرك أثناء التصويرِ كم كان صمتُ "رباب" لافتاً حتى شاهدتُ الحلقاتِ بعد عرضها، وتفاجأتُ حينما أخبرني بعضهم أنهم تمنُّوا لو أنني تكلَّمتُ. مع هذا، أؤمنُ بأن الصمتَ، كان لغتَها الوحيدةَ، لذا كان لا بدَّ أن نحترمَ ذلك.
هل بنيتِ الشخصيَّةَ على نموذجٍ واقعي؟
لم أستند إلى امرأةٍ واحدةٍ بعينها، لكنَّني كوَّنتها من شذراتِ تجاربِ نساءٍ كثيراتٍ، قرأتُ عنهن، وسمعتُ حكاياتهن، أو حتى رأيتهن في محيطي. "رباب"، تُمثِّل عدداً كبيراً من النساءِ اللاتي تزوَّجن في سنٍّ صغيرةٍ، أو دخلن في علاقاتٍ سامَّةٍ، ولم يمتلكن الخبرةَ، أو القوَّةَ الكافيةَ للمواجهة. هي ضحيَّةُ تركيبةٍ معقَّدةٍ من الظروفِ الاجتماعيَّةِ والنفسيَّة.
ماذا تقولين لمَن انتقدوا مشاركةَ طفلٍ في قضيَّةٍ حسَّاسةٍ، تُعرَضُ ربما للمرَّةِ الأولى على الشاشةِ العربيَّة؟
أحترمُ تخوُّفَ الناسِ، لكنْ القِصَّةُ، لم تكن لتصلَ إلى المُشاهدين دون وجودِ الطفلِ. كيف سنتعاطفُ مع الضحيَّةِ إن لم نرها؟ هذا الطفلُ، حصلَ على دعمٍ نفسي كاملٍ قبل التصويرِ، وأثناءَه، وبعدَه من مختصِّين، ومن أسرته الواعيةِ تماماً لما يحدث. نحن لم نختر طريقَ الصدمةِ، بل طريقَ التوعيةِ. تجاهلُ مثل هذه القضايا، لا يُلغي وجودها، بل يُؤجِّل مواجهتها، ونحن في العملِ، اخترنا المواجهة.
في لقاء مع شقيقها وابنته وابن شقيقتها عائلة فاتن حمامة تتحدّث عن إنسانيتها للمرة الأولى
"لم أستند إلى امرأة واحدة.. بل شكّلت شخصية "رباب" من تجارب نساء كثيرات مررن بعلاقات سامة"
أنا أم قبل كل شيء

مجوهرات من ريبوسي Repossi
بوصفكِ أماً، إلى أي مدى أثَّر هذا العملُ فيكِ؟
أثَّر بشكلٍ كبيرٍ. لم أكن أعلمُ أن أكثر من 93% من حالاتِ التحرُّشِ، تأتي من أشخاصٍ في الدائرةِ القريبةِ للطفلِ مثل الأسرةِ، والأصدقاءِ، والمعارف! هذا الرقمُ صادمٌ، وجعلني أعيدُ التفكيرَ في طريقةِ تواصلي مع أطفالي. أنا لا أقولُ لهم بشكلٍ مباشرٍ: "أخبروني إذا حدثَ كذا". بل أحرصُ على زرعِ الثقةِ في نفسهم، والإحساسِ بالأمانِ في كلِّ تفصيلةٍ يوميَّةٍ، ليشعروا بأنهم يستطيعون الرجوعَ إليَّ في أي وقتٍ، وحول أي موضوعٍ.
ما أكثرُ مشهدٍ أثارَ مشاعركِ أثناء التصويرِ؟
مشهدُ المواجهةِ مع "وسام" قبل محاولةِ الانتحار. كان مشحوناً جداً. في إحدى اللقطاتِ، لم أكن أتعمَّدُ البكاءَ، لكنْ جسدي تفاعلَ تلقائياً، وبدأت شفتاي ترتجفانِ، ودموعي تتحجَّر! لم أكن أمثِّلُ حينها، بل كنت أعيشُ اللحظةَ بالكامل. هذه المَشاهِد لا تتكرَّرُ كثيراً، وتبقى محفورةً في الذاكرة.
كوميديا في الطريق؟
سمعنا عن عملٍ سينمائي قريبٍ لكِ مع محمد عادل إمام وشيكو، هل هو تحوُّلٌ مقصودٌ نحو الكوميديا؟
نعم. بعد فترةٍ طويلةٍ من الأدوارِ "الثقيلة" نفسياً، شعرتُ بأنني في حاجةٍ إلى "استراحةٍ" فنيَّةٍ من هذه الشخصيَّاتِ المُرهقة. الفيلمُ الجديدُ، يحملُ طابعاً خفيفاً ومملوءاً بالمواقفِ المضحكةِ الذكيَّة بعيداً عن الابتذال. أحبُّ هذا النوعَ من الكوميديا، وأتشوَّقُ للعملِ مع محمد إمام الذي تربطني به صداقةٌ منذ أيَّامِ الجامعة. الحالُ كذلك مع شيكو الذي أحببتُ العملَ معه في "بنات العم".
"نحن الجيل الأخير الذي تعب ليثبت نفسه.. أما اليوم فالشهرة تأتي بهاتف وكاميرا فقط"
قضايا المرأة

مجوهرات من ريبوسي Repossi
كيف ترين وضعَ المرأةِ العربيَّةِ اليوم، وما الذي يُقلِقُكِ؟
ما يُقلقني فعلاً، هو ازديادُ حالاتِ العنفِ ضد النساء! هذا العنفُ قد يصلُ إلى القتلِ في بعض الأحيانِ بسببِ رفضها الزواجَ، أو نتيجةَ خلافٍ عادي! هذه الجرائمُ، لا يجبُ أن تمرَّ مرورَ الكرام. لا نريدُ فقط عقوباتٍ صارمةً بعد وقوعِ الجريمة، بل نريدُ أن نمنعها من الأساسِ، وأن نُغيِّر ثقافةً، تعدُّ المرأةَ ملكاً للرجل.
هل هناك قضيَّةٌ معيَّنةٌ، تتمنِّين تقديمَها على الشاشةِ؟
أحلمُ بتجسيدِ شخصيَّةِ أمٍّ لطفلٍ، يواجه صعوباتٍ تعليميَّةً، أو ذهنيَّةً. هذه النماذجُ مهمَّشةٌ على الرغمِ من أن معاناتهم اليوميَّة مضاعفةٌ! كذلك، أريدُ تسليطَ الضوءِ على شعورِ الأمَّهاتِ الدائمِ بالذنبِ، سواء كن يعملن، أو لا. هذه المشاعرُ، يجب أن تُروى درامياً، لكنْ بطريقةٍ ذكيَّةٍ، وإنسانيَّةٍ، لا تلقينيَّةٍ.
تعيش مع ذكريات أخيها الأكبر منيرة أباظة: رشدي كان يحب المرأة الناضجة والحكيمة
جيل قبل السوشال ميديا

من وجهةِ نظركِ، هل تغيَّرت النجوميَّةُ في عصرِ "السوشال ميديا"؟
تماماً. نحن آخرُ جيلٍ تعبَ حتى يُثبِت نفسه. اليوم، يمكن لأي شخصٍ أن يصنعَ شهرتَه بهاتفه المتنقِّلِ فقط! أرى أن السرعةَ هذه قد تضرُّ النفسيَّةَ، خاصَّةً لدى الشبابِ، لأنها تبني هوساً بالمظاهرِ و"اللايكات". الشهرةُ السريعةُ، لا تضمنُ الاستمراريَّة، ولا تعني النجاحَ الحقيقي.
هل ترين أن معاييرَ الجمالِ، أصبحت مختلفةً وقاسيةً بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي؟
بكلِّ تأكيدٍ. هناك هوسٌ مرعبٌ بالنحافةِ، والفلاترُ جعلت كلَّ شيءٍ يبدو مزيفاً! الفتياتُ الصغيراتُ، يعانين من اضطراباتِ الأكلِ بسببِ هذه الصورِ غير الواقعيَّة! "السوشال ميديا"، جعلت بعض الناسِ غير راضين عن أنفسهم، لأنهم يقارنون حياتهم بمحتوى مصطنعٍ! الناسُ لم تعد تستمتعُ بالحياة! هذا أكثرُ ما يخيفني على أطفالي، لذا أمنعُ ابنتي ذات الـ 11 عاماً من امتلاكِ حساباتٍ في مواقعِ التواصلِ الاجتماعي.
"بعد أدوار أرهقتني نفسياً شعرت بالحاجة إلى استراحة بالكوميديا مع محمد إمام وشيكو"
بعيداً عن أجواء التمثيل

مجوهرات من ريبوسي Repossi
ما الذي يمنحكِ الطاقةَ بعيداً عن العملِ؟
اليوغا. النومُ إلى جانبِ أولادي. قيادةُ السيارةِ صباحاً وأنا أُغنِّي لوحدي. هي لحظاتٌ صغيرةٌ، لكنَّها كفيلةٌ بتجديدِ روحي.
كيف تحمين نفسكِ من ضغوطِ المهنةِ والأمومةِ؟
أحتاج دائماً إلى أخذِ فتراتِ راحةٍ. بعد كلِّ موسمِ تصويرٍ، أحاولُ قضاءَ شهرٍ، أو شهرَين مع أولادي، لتعويضهم عن الوقتِ الذي انشغلت فيه عنهم. أؤمنُ بأن التوازنَ بين المهنةِ والعائلة، لا يحدثُ إلا بالوعي والتخطيط.
كيف اخترتِ اسمَي ابنتَيكِ، وهل لهما دلالةٌ خاصَّةٌ؟
أنا وزوجي، اتَّفقنا منذ البدايةِ على ألَّا نختارَ أسماءً من العائلة كيلا تحدثَ خلافاتٌ، أو حساسيَّاتٌ. كنت أحبُّ اسمَ ليلى منذ زمنٍ طويلٍ، لكنْ خلال فترةِ حملي، اكتشفتُ أن عديداً من صديقاتي، اخترن الاسمَ نفسه، فقرَّرنا تغييره. وجدنا اسمَ دليلة في كتابٍ عن الأسماءِ العربيَّة، ومعناه «المرشدةُ البيضاء والواثقةُ من نفسها». المفارقةُ أن دليلة بالفعل، أصبحت مرشدةً لنا في حياتنا، خاصَّةً بعد أن اكتشفنا أنها تُعاني من ضعفٍ في السمع. أمَّا نادية، فهو اسمٌ، أحببته منذ صغري، وكان دائماً خياراً ثانياً لي، واخترته لأنه يُنطَقُ بسهولةٍ بجميع اللغات.
يسرا اللوزي
ما الذي ترينه من شخصيَّتكِ في كلِّ واحدةٍ من بناتكِ؟
دليلة، ورثت مني حبَّ الفنِّ. لديها حسٌّ فنِّي قوي، وحضورٌ واضحٌ، وهي تُذكِّرني بنفسي حين كنت صغيرةً. أما نادية، فهي حنونةٌ وطيبةٌ جداً، وهما صفتان، أراهما في نفسي كذلك. كلُّ واحدةٍ، أخذت شيئاً جميلاً، وهذا يُسعدني كثيراً.
كيف تصفين علاقتكِ بالمطبخِ السوري، وهل تُحبين الطهي؟
نشأتُ في بيتٍ سوري من جهةِ والدتي، وزوجي سوري أيضاً. المطبخُ السوري له مكانةٌ خاصَّةٌ في قلبي. أطباقٌ مثل الشيش برك، والفتة، والكبيبة، هي أطباقٌ، نشأتُ عليها. مع الأسفِ، لم أتعلَّم كلَّ الوصفاتِ من جدَّتي قبل أن ترحل، لكنني أحاولُ أن أتعلَّم الآن من «حماتي»، وهي طبَّاخةٌ ماهرةٌ جداً، المشكلةُ فقط أنها من النوعِ الذي يطبخُ بـ «الحسِّ» دون مقاديرَ دقيقةٍ!
ما نوعُ الموسيقى التي تُحبِّينها؟
ترعرعتُ في بيتٍ يعشقُ الموسيقى. والدي، كان يستمعُ للموسيقى طوالَ اليوم، من فيروز ومارسيل خليفة إلى الموسيقى الكلاسيكيَّة. بدوري، أحببتُ البيانو، والرقص، وعشقتُ موزارت وفيفالدي وبوتشيني، والبيتلز والروك آند رول. الموسيقى القديمةُ، تمسُّ قلبي أكثر، ربما لأنها تُذكِّرني بطفولتي، وببيتِ العائلة.
يمكنك أيضًا الاطلاع على لقاء سابق مع ياسمينا العبد:أتمنى وقوف المجتمع بشكل حازم في وجه جرائم التحرش والابتزاز
"اخترنا لابنتنا الكبرى اسم دليلة دون أن نعلم أنها ستكون فعلاً مرشدةً لحياتنا"
الأناقة والجمال

حذاء من مالون سولييه Malone Souliers
مجوهرات من ريبوسي Repossi
كيف تختارين إطلالاتكِ، وهل تحرصين على انتقاءِ ما يُناسبكِ فقط، أم تُجرِّبين قطعاً، لستِ متأكدةً من أنها تلائمكِ؟
أصبحتُ أكثر جرأةً في التجربةِ مع الوقت. في بداياتي، كنت أميلُ إلى الكلاسيكيَّةِ، وأتردَّدُ كثيراً في تجربةِ أي شيءٍ جديدٍ، لكنَّني تعلَّمتُ أن بعض القطعِ التي قد تبدو بسيطةً وعاديةً على "الشمَّاعة"، قد لا تُناسبني على الإطلاق، والعكسُ صحيحٌ. أحياناً أتفاجأ بأن قطعةً، لم أتخيَّل أبداً أنها ستليقُ بي، تبدو رائعةً عند ارتدائها! لذا أصبحتُ أجرِّبُ كلَّ شيءٍ، لكنْ بشرطِ أن أشعرَ بالراحةِ النفسيَّةِ والجسديَّة وأنا أرتدي القطعة. لا أتبعُ الموضةَ لمجرَّدِ أنها رائجةٌ. إن لم أقتنع بها، أو إذا لم تُعجبني، فلن أرتديها حتى لو كانت "ترنداً".

مجوهرات من ريبوسي Repossi
ما لونُكِ المفضَّلُ؟
أحبُّ اللونَ الزيتي، لأنه يُظهِرُ لونَ عينَي.
مَن أيقونةُ الموضةِ بالنسبةِ لكِ؟
زندايا. تُعجبني طريقتُها المتجدِّدةُ والواثقة.
