في كلِّ موسمٍ رمضاني، تُطرَح عشراتُ الأعمالِ التي تتراوحُ بين الخيالِ الكامل، والاستنادِ الجزئي إلى أحداثٍ واقعيَّةٍ، لكنْ رمضان 2025 بدا مختلفاً حيث تلاشت المسافةُ بين الواقعِ والدراما، وقدَّمت مسلسلاتٌ عدة تجاربَ حقيقيَّةً صادمةً، استُعرِضَ بعضها بشكلٍ وثائقي، وبعضها الآخرُ بجرعةٍ دراميَّةٍ عاليةٍ نابعةٍ من قصصٍ إنسانيَّةٍ مؤثِّرةٍ.
مسلسل «ولاد الشمس»
فيلم وثائقي صدم الإنترنت

في الحلقةِ الأخيرةِ من مسلسلِ «ولاد الشمس»، المبني تماماً على خيالِ المؤلِّف، قرَّر صُنَّاعُ العملِ معادلةَ النهايةِ الحزينةِ للمسلسل، حيث يموتُ فيها أحدُ أبطاله الأساسيين الذي أدَّى دورَه الممثِّلُ الشابُّ طه دسوقي، عبر تقديمِ فيلمٍ تسجيلي أبطالُه أيتامٌ حقيقيون، خرجوا من دورِ رعايةٍ بعد إتمامهم السنَّ القانونيَّة. الفيلمُ، تتبَّع ملامحَ حياتهم بعد الخروجِ من الدار، واطَّلعنا عبره على واقعهم للمرَّةِ الأولى.
الدراما العربيَّة لطالما رصدت معاناةَ اليتيم، ولعلَّ هذا جزءٌ من المشكلةِ التي واجهنا بها الفيلمُ الوثائقي! فبينما تُركِّز هذه الدراما على تشرُّدِ الأيتام، وصعوبةِ حياتهم في دورِ الرعاية، وما ينقصُهم من عطفٍ وتعليمٍ، وما يدفعهم لحياةِ الإجرامِ في كثيرٍ من قصصِ الخيال، لا تُسلِّط ما يكفي من الضوءِ على النماذجِ الناجحةِ المستقرَّة منهم الذين أسَّسوا لنفسهم حياةً جديدةً، تخلو من هذا المصير.
الصحفي مصطفى حمدي، القائمُ بإعدادِ الفيلمِ التسجيلي، حدَّثنا عن كواليسِ تصويره بالتوازي مع تصويرِ المسلسلِ نفسه، موضحاً أنه تمَّ في الفيلا ذاتها بالمنيل حيث كان فريقُ الفيلمِ، يأخذُ أي غرفةٍ خاليةٍ يجدها، ويستغلُّها في تصويرِ لقاءٍ مع أحدِ الأبطال، لافتاً إلى أن يوماً واحداً فقط، بدأ من السابعةِ صباحاً، وانتهى بعد منتصفِ الليل، كان كفيلاً بتصدُّرِ الحلقةِ الأخيرةِ محرِّكات البحث لصدقِ ما قدَّمه الفيلمُ عن حياةِ الأيتامِ الذين تمَّ ترشيحُهم بمعرفةٍ من وزارةِ التضامن الاجتماعي، إذ يشغلون وظائفَ مرموقةً، ويعيشون حياةً أسريَّةً سعيدةً. في اللقاءاتِ، تحدَّثوا كيف يتوقَّع منهم المجتمعُ الفشلَ في كلِّ شيءٍ، وكيف لا تعكسُ هذه التوقُّعاتِ حقيقتهم.
مسلسل «80 باكو»
تطعيم الخيال بمواقف واقعية
في مسلسلِ «80 باكو»، تابعنا عديداً من القضايا الإنسانيَّة، لا سيما النسائيَّة، وقد جرى مناقشتها في إطارٍ كوميدي، وضمن مغامراتِ «بوسي» الكوافيرة، وصديقاتها، بطلاتِ العمل. هذه القضايا، شملت العنفَ الأسري، وأزمةَ الغارمات، والتعايشَ مع فترةِ العلاجِ الكيميائي، ولم يكن ديكورُ العمل، وقربُه من الشكلِ الحقيقي لمحلِّ «الكوافير» العنصرَ الصادقَ الوحيد فيه، حسبَ مؤلِّفته غادة عبدالعال، التي أوضحت لنا، أن كلَّ بطلةٍ من بطلاته، أضافت موقفاً حقيقياً من حياتها للأحداث، ومن أبرزها قِصَّةٌ حقيقيَّةٌ، حدثت مع المؤلِّفة نفسها في أوَّلِ شقَّةٍ استأجرتها بمفردها، إذ أمضت أشهراً دون إضاءةٍ في حمَّامِ منزلها خوفاً من كلامِ الناس في حالِ استعانت بكهربائي لإصلاحِ الإضاءةِ المحترقة، وهو واحدٌ من المواقفِ التي روتها على لسانِ إحدى بطلاتِ العمل.
أمَّا القصَّةُ الحقيقيَّةُ التي قلبت الإنترنت، فكانت في الحلقةِ السابعةِ من المسلسل، وشاهدنا من خلالها عالمَ «الكوافير»، أو مصفِّف الشعر، من زاويةٍ أخرى تماماً. هذه القِصَّةُ كانت في خيالِ الكاتبةِ منذ البداية، وممثِّلتها المؤثِّرةُ «مي»، لم تكن تؤدي مجرَّد دورٍ في عملٍ، وإنما تُلخِّص تجربتها الشخصيَّة مع سرطانِ الثدي، وتعايشها مع فترةِ الصلعِ المُصاحبة للعلاجِ الكيميائي حيث اختارت المخرجةُ كوثر يونس، أن تكون بطلةُ حلقةِ التعايشِ مع السرطان من الناجياتِ فعلاً، وتواصلت مع مي ووالدتها «ماما وفاء»، التي اشتُهِرَت أخيراً بالتعايشِ مع الصلعِ المصاحبِ للعلاجِ الكيميائي، ونشرِ الطاقةِ الإيجابيَّة على الرغمِ من المعاناةِ التي كانت تمرُّ بها، ما أعطى مصداقيةً مضاعفةً للعمل.
يمكنك أيضًا الاطلاع على المرأة في عيون صناع الدراما والنقاد: تحليل فني خاص لكاميرا سيدتي
مسلسل «منتهي الصلاحية»
حين تكون الحقيقة أحياناً أكثر كآبةً من الخيال الدرامي

«محرِّكُنا الأساسُ في الاهتمامِ بهذا المشروع، كان سلسلةً من الجرائمِ التي تابعناها في الأخبار، وتعلَّقت كلّها بالمراهنات». هذا أوَّلُ ما قاله لنا محمد هشام عُبية، مؤلِّفُ مسلسلِ «منتهي الصلاحية»، الذي اتَّخذ بعدها قراراً واضحاً وحاسماً منذ الأيَّامِ الأولى بالبحثِ وراءَ قِصَّة مسلسله الجديد. أضاف: «لم أبنِ هذا العملَ على قِصَّةٍ حقيقيَّةٍ، هذا ليس مسلسلاً وثائقياً.
أغلبُ الجرائمِ التي تابعتها، كانت جرائمَ قتلٍ، وراح ضحيَّتها أفرادٌ مقرَّبون للاعبين».
حدَّثنا عُبية عن الواقعِ الذي غرقَ في تفاصيله لأشهرٍ طويلةٍ، ثم قرَّر أن يأخذَ منه ملامحَ بعض القصص، حدثٌ هنا وآخرُ هناك، دون أن يربطَ أياً من الشخصيَّاتِ بحادثةٍ حقيقيةٍ من الحوادثِ البشعة التي قرأ عنها، «فعلاقةُ العملِ بالواقع، كانت قويَّةً كفاية دون أن يتبنَّى أحدٌ تلك الجرائمَ في قِصَّته».
ولفت عُبية إلى أنه تواصلَ مع عديدٍ ممَّن أطلقَ عليهم «سماسرة المراهنات»، ليحصلَ منهم على تفاصيلِ هذا العالمِ، واللعبةِ، والمراهنةِ، وقواعدها التقنيَّة، واستغرق ثمانيةَ أشهرٍ من البحثِ، والمقابلاتِ، والكتابة، مع ذلك يرى، أن عملاً مثل هذا، كان يحتاجُ لوقتٍ أطولَ في الكتابةِ والبحث، لكنْ ارتباطُ عرضه بموسمِ رمضان 2025 وقف عائقاً أم ذلك.
وعن العاملِ المشتركِ بين كلِّ هؤلاء اللاعبين الذين قابلهم، قال لنا عُبية: إنه «الإدمان. حالةُ إدمانِ اللعبةِ نفسها، والمراهنة بعيداً عن النتائجِ والعواقبِ التي تؤدي إلى نهاياتٍ مؤسفةٍ كما تابعناها».
مسلسل «لام شمسية»
توافد الشهادات الحقيقية بعد الحلقة الأولى
«بعد عرضِ الحلقاتِ الأولى من مسلسلِ لام شمسيَّة، وصلتنا رسائلُ عدة، تحكي عن حوادثِ تحرُّشٍ، تعرَّضوا لها في الطفولة، وآثروا الكتمان حتى أيقظَ فيهم العملُ الصدمةَ من جديدٍ». هذا ما قالته لنا ياسمين العبد، الممثِّلةُ الصاعدةُ وإحدى بطلاتِ العملِ الصادم الذي أسرَ اهتمامَ الجماهير في النصفِ الثاني من شهر رمضان.
تشعرُ ياسمين بأن هذا دورها في المجتمعِ، ليس فقط أن تقفَ أمام الكاميرا في كاملِ زينتها، وتُقدِّم أعمالاً فكاهيَّةً ومرحةً، بل وأن تشارك أيضاً الأضواءَ المُسلَّطةَ عليها مع قضايا، تستحقُّ الاهتمام، وأشخاصٍ من أصحابِ المعاناةِ الحقيقيَّة، وهو ما تراه جزءاً من رسالتها بوصفها فنَّانةً، ودوراً، تعتزُّ به.
وقبل «لام شمسيَّة»، قدَّمت ياسمين حلقةً في مسلسلِ «ساعته وتاريخه» المبني بالكاملِ على جرائمَ حقيقيَّةٍ، وناقشت حلقتُها الابتزازَ الإلكتروني. وذكرت الفنَّانةُ، أنها تلقَّت عشراتِ الشهاداتِ والحكاياتِ من فتياتٍ من أعمارٍ قريبةٍ لعمرها، يشكرنها على هذا العملِ، ويشاركنها تجاربهن الشخصيَّة، كاشفةً عن تعرُّضها لتهديدٍ مشابهٍ في وقتٍ سابقٍ، ما جعلها تُدرِك أهميَّةَ الدورِ الذي يقومُ به الفنُّ في دعمِ ضحايا هذه الأنواعِ من الجرائم.
اقرإي محمد هشام عبية.. الواقعية الحديثة في الدراما التلفزيونية
العلم يتفق: الدراما قد تسهم في علاج الصدمات النفسية
في ورقةٍ بحثيَّةٍ، نشرتها «Psychology Today»، أشارت الصحيفةُ العلميَّةُ للدورِ الخفي الذي تلعبه الدراما في علاجِ بعض الصدماتِ النفسيَّة دون أن نشعر، إذ أكَّدت الطبيبةُ جيني واي تشانج، المتخصِّصةُ في الصدماتِ، أن الدراما، التي تُقدِّم الصدماتِ النفسيَّة بشكلٍ صحيحٍ قد تساعدُ المتابعين في التواصلِ مع جراحهم القديمة، وعبر علاجها ضمن الأحداثِ بشكلٍ صحيحٍ ومتوازنٍ قد تسهمُ في إخراجِ مشاعرَ مكبوتةٍ لدى المتعرِّضين للصدمة نفسها من المشاهدين حيث يشعرُ المتابعُ بالتماهي مع بطلِ القِصَّة المشابهة، ويرى أن مشاعره قد تمَّ تقديرُها، والتعاطفُ معها، والتأكيدُ على استحقاقه لها، ما يُشكِّل خطواتٍ كبيرةً في طريق علاجه من الصدمة.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط