mena-gmtdmp

مصممة المجوهرات اللبنانية كاتيا أبو سمرا: دروس والدي حجر الزاوية في إبداعي وقيادتي

كاتيا ابو سمرا برفقة والدها سليم أبو سمره
كاتيا ابو سمرا برفقة والدها سليم أبو سمره

في عالمٍ، تلمعُ فيه الأحجارُ الكريمةُ بوهجها الخاصِّ، تبرزُ قصصٌ، لم تروَ عن الأيادي التي تصوغها. من بين هذه القصصِ حكايةُ مصمِّمةِ مجوهراتٍ، وجدت شغفها مبكِّراً، برفقةِ والدها، في معارضِ الأحجارِ الكريمة، لتتحوَّلَ العلاقةُ بينهما من رابطةِ دمٍ إلى شراكةٍ فنيَّةٍ متكاملةٍ. في لقاءٍ خاصٍّ مع «سيدتي»، تكشفُ المصمِّمةُ كاتيا أبو سمرا عن رحلتها الشخصيَّةِ والمهنيَّة، وتتحدَّثُ عن التأثيرِ العميقِ الذي تركه والدها في كلِّ تفصيلةٍ من تفاصيلِ إبداعها. هذا الإرثُ من الألماسِ، كيف صنعت فيه علاقةُ أبٍ وابنته مجوهراتٍ، تتجاوزُ الزمن.

حوار: عفت شهاب الدين

شغف المجوهرات في الطفولة

كاتيا ابو سمرا

 


تتذكَّرُ المصمِّمةُ كاتيا أبو سمرا لحظاتها الأولى مع والدها في معارضِ الأحجارِ الكريمة. كانت تراقبه، وهو يختارُ بدقَّةٍ ياقوتاً أزرقَ، وزمرُّداً، لا بحجمها بل بـ «روحها». هذه اللحظةُ، علَّمتها أن الجمالَ الحقيقي، يكمنُ في التفاصيلِ لا في البهرجة، وكان ذلك أوَّلَ درسٍ لها في «الانتقاءِ»، وفي «الحبِّ».

تقولُ كاتيا: «كلُّ نوعٍ من هذه الأحجارِ الكريمة، يُرفَعُ أمامَ الضوء، ويُدرَّس كأنَّه سرٌّ. كانت هناك شاعريَّةٌ هادئةٌ في طريقةِ اختياره لها، وقد ترك ذلك انطباعاً عميقاً في نفسي. يكمنُ الجمالُ الحقيقي في الفروقِ الدقيقةِ لا في جمالها. كان هذا أوَّلَ درسٍ لي في تنسيقِ المجوهرات، وفي الحبِّ».

وحول تأثيرِ والدها في قرارها باختيارِ تصميمِ المجوهراتِ مهنةً، تجيبُ المصمِّمة: «هذا التأثيرُ كان غير مباشرٍ، لكنَّه كان عميقاً. والدي، لم يطلب مني أبداً أن أسلك طريقه، بل اكتفيتُ بالتأثُّرِ بأسلوبه الدقيق، وحرصه على الكمال. كان ينقلُ المشاعرَ إلى الشكل، فأدركتُ أن المجوهراتِ، ليست زينةً فحسب. إنها أيضاً إرثٌ عاطفي خالدٌ».

وتضيفُ: «لم يطلب مني أبداً أن أسيرَ على خطاه. والدي كان ببساطةٍ قدوةً في العنايةِ، والدقَّةِ، والشغفِ بالكمال. كان الأمرُ مُعدياً بشكلٍ لا يُوصف. مشاهدته، وهو يُترجِمُ المشاعرَ إلى شكلٍ، جعلني أؤمنُ بأن المجوهراتِ إرثٌ أصيلٌ قبل أن تكون قطعةً للزينة».

هل أنت مهتمة بمتابعة لقاءات مع مصممين المجوهرات ..تابعي اللقاء مع المصممتان بتول ومرح كردي

 

 


دروس العمر

 

 

تصميم كاتيا أبو سمرا

 

 


تعلَّمت كاتيا من والدها دروساً فنيَّةً، وشخصيَّةً، أثَّرت عميقاً في مسيرتها الإبداعيَّةِ. تذكرُ لنا المصمِّمة بعضها بالقولِ: «تعلَّمتُ منه أن الفخامةَ الحقيقيَّةَ لا تكمنُ في الكثرة، وإنما في الدقَّة، وأن الاسمَ لا يُبنى إلا بالنزاهة. هذه القيمُ وغيرها، أصبحت جوهرَ رؤيتي الفنيَّةِ والإداريَّة. لقد علَّمني والدي أن الرفاهيةَ لا تكون في الإفراطِ، بل في الدقَّة، وأن قيمةَ اسمك، هي في نزاهتك. كلا الدرسين، هما الآن حجرُ الزاويةِ في إبداعي وقيادتي».

وعن لحظةِ البدايةِ، والمرَّةِ الأولى التي سمحَ لها والدها بالمشاركةِ في عمله، تصفُ كاتيا التجربةَ بتأثُّرٍ: «نعم. طلب مني اختيارَ حجرٍ مركزي لخاتمِ زفافٍ مصنوعٍ بشكلٍ خاصٍّ. كنت متوتِّرةً، لكنَّه وقفَ خلفي، يراقبني بصمتٍ. عندما اتَّخذتُ قراري، أومأ برأسه ببساطةٍ. تلك الإشارةُ، شكَّلت كلَّ شيءٍ بالنسبةِ لي. كانت تلك المرَّةَ الأولى التي شعرتُ فيها بأنني صائغةٌ». ومع مرورِ الوقت، تحوَّلت العلاقةُ بين الابنة وأبيها إلى شراكةٍ إبداعيَّةٍ أساسُها الشغفُ المشترك. تقولُ عن ذلك: «نتجادلُ، نختلفُ، ونُنقِّحُ سوياً. لغةٌ غير منطوقةٍ تجمعنا. تحوَّلنا من أبٍ وابنته إلى ما يشبه التعاونَ الفنِّي. نتناقشُ، ونصقلُ مهاراتنا معاً. علاقتنا تعمَّقت لأننا نتحدَّثُ الآن لغةً غير منطوقةٍ».

 

 


قيم متجذّرة

 

 

عائة أبو سمرا

 


العلاقةُ المهنيَّةُ القويَّةُ بينهما، جعلنا نستفسرُ من كاتيا إن كانت هناك قطعٌ في مجموعتها، استوحتها مباشرةً من أعمالِ، أو إرثِ والدها، فأوضحت: «مجموعةُ تراث، هي صدى الماضي في الحاضرِ، وواحدةٌ من أبرزِ مجموعاتي، لأنها تكريمٌ لصوتِ والدي البصري بما تحمله من تماثلاتٍ معماريَّةٍ، وزخارفَ عربيَّةٍ. هي صدى لما كان يُحبُّه. هذه المجموعةُ، تُكرِّم تقديره للتراثِ، والأشكالِ التي كان يهتمُّ بها». تستطردُ: «القيمُ التي غرسها والدي في نفسي، وما أزالُ أحملها في العلامةِ التجاريَّة، وعملي اليوم، هي الانضباطُ، والكتمانُ، والإخلاصُ للحِرفةِ، والتفاني في العمل. هذا كلّه يتجلَّى في علامةِ سمرة Samra التي نرفضُ فيها السيرَ خلفَ صيحاتٍ عابرةٍ، بل نستهدفُ تصاميمَ، تبقى خالدةً عبر الأجيال. هذه الفلسفةُ ملكٌ له تماماً». كذلك سألناها إن كان هناك تصميمٌ، أو مشروعٌ، تعاونت فيه مع والدها، وله معنى خاصٌّ بالنسبةِ لها، فبيَّنت كاتيا: «أحدُ أكثر المشروعاتِ تأثيراً في مسيرتي عقدٌ من المجوهراتِ الراقية، تتدلَّى منه حبَّاتُ ألماسٍ مثل الشعر، صمَّمته مع والدي حيث تولَّى الهيكل، وترك لي الجانبَ الجمالي. كان تلاقياً جميلاً بين التقاليدِ والفطرة. ما زال يُذيبُ قلبي».

يمكنك أيضًا الاطلاع على في يوم الأب.. أبي بطلي الدائم

 


قلب التراث


لطالما تبعت كاتيا خطى والدها، لكنَّها حرصت في الوقتِ نفسه على صنعِ طريقها الخاصِّ. رأيه كان الأساسَ بالنسبةِ لها. تقولُ عن ذلك: «لا يتحدَّثُ كثيراً، لكنَّه يراقبُ كلَّ شيءٍ. نظرةٌ بعينيه حين يرى مجموعةً أقودها، تكفي لأشعرَ بأنه فخورٌ. أعتقدُ أنه فخورٌ بصمتٍ. أرى بريقاً في عينيه عندما يرى المجموعاتِ التي أنفِّذها. إنها طريقته في تسليمِ زمامِ الأمورِ دون الحاجةِ إلى التخلِّي عنه». وعمَّا إذا كانت تنوي إهداءَ قطعةٍ من مجموعتها لوالدها بمناسبةِ يومِ الأب، تجيبُ المصمِّمة: «سأهديه خاتمَ قلبِ التراث. إنه جريءٌ، ومنظَّمٌ، وصلبٌ، ودفئه متجذِّرٌ في المشاعرِ، وفي العمقِ تماماً مثله. إنه يرمزُ إلى القوَّة، لكنْ في جوهره رقَّةٌ. هذه الثنائيَّةُ تُذكِّرني بجوهره. اللحظةُ التي جمعتني بوالدي، ولا تُنسى، وحتى اليوم لا تزالُ راسخةً في قلبي، وأفكِّرُ فيها كثيراً، هي في حفلِ تخرُّجي. كان الحشدُ يومها صاخباً. وسطَ الزحامِ، أتذكَّرُ أنني بحثتُ عنه فقط. وجدتُ والدي، يقفُ بصمتٍ هناك، ويداه في جيوبه، وعيناه تشعَّان بالفخر. أحملُ هذا معي، إيمانُه الهادئ، ثباتُه الدائمُ، حضوره الدائم. تلك اللحظةُ ترافقني دائماً».


ملاذها في الأوقات الصعبة

 

تصميم كاتيا أبو سمرا

 


عندما تصبحُ الحياةُ مرهقةً، وتحتاج كاتيا إلى سندٍ، تعودُ إلى والدها تلقائياً، فيساعدها بدوره بأسلوبٍ جميلٍ، هو حسبَ المصمِّمة أسلوبُ القصص. تقولُ: «والدي لا ينصحُ، لا يعظُ، لكنَّه يروي قِصَّةً مضحكةً من الماضي كلّما شعر بأنني مُثقلةٌ. كأنَّها إعادةُ ضبطٍ ناعمةٌ. لديه هذه الحيلةُ الهادئة عندما يشعرُ بثقل همومي، إذ يُعيد إليَّ بعض القصصِ الطريفةِ من الماضي. هذا يمنحني طاقةً دائماً. لا أحاديثَ عميقةٌ، ولا نصائح، فقط ضحكٌ مثل إعادةِ ضبطٍ خفيفةٍ. إنها طريقته ليقولَ لي: هذا أيضاً سيمرُّ دون الحاجةِ إلى قول ذلك».

وتستطردُ: «علَّمني والدي أن أعيشَ اللحظةَ كما هي لا كما ينبغي أن تكون. الحياةُ لا تحتاجُ لأن تكون مزدحمةً، أو مثاليَّةً، بل أن تُعاش ببساطةٍ. علَّمني أن أستمتعَ بكلِّ لحظةٍ على حالها، وألَّا أنتظرَ أن تصبحَ مثاليَّةً، بل أن أتركها تُكمِل. سواءً كان فطوراً هادئاً، أو نزهةً بلا هدفٍ، هو يجدُ معنى في أبسطِ الأشياء. منه تعلَّمتُ أن الحياةَ لا تحتاجُ إلى أن تصبحَ مشغولةً، أو هادفةً، لتكونَ جميلةً، بل تحتاجُ إلى أن تُعاش على أكملِ وجهٍ لحظةً بلحظةٍ».

وتختمُ كاتيا حديثها بوصفِ والدها استناداً إلى مهنتها: «ثابتٌ مثل الألماسِ، صلابته وُلِدَت تحت الضغطِ، لكنَّها تدومُ إلى الأبد. قوي لأنه مثل أجودِ أنواعِ الألماس، قوَّته تدومُ إلى ما لا نهاية».

يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط