حصد الفيلم السعودي "ضد السينما" للمؤلف والمخرج علي سعيد، جائزة لجنة التحكيم الخاصة "جائزة صلاح أبو سيف"، في عرضه العالمي الأول بمسابقة آفاق السينما العربية للأفلام الطويلة.
وجاء ذلك في حفل ختام فعاليات الدورة السادسة والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والذي أقيم الجمعة الماضي بالمسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية.
وقد حرَصت «سيدتي» على إجراء مقابلة صحفية مع المخرج علي سعيد؛ للوقوف على كافة تفاصيل العمل؛ بدايةً من كواليسه ورحلة البحث الطويلة التي خاضها في ذاكرة السينما السعودية. فإلى نص الحوار.
"ضد السينما" يتتبع رحلة جيل الثمانينيات الذين أحبوا السينما وتعلقوا بها رغم غياب دُور العرض. ما الذي حركك شخصياً لاستعادة هذه الحقبة؟
في بداية الأمر، أريد توضيح أمرٍ ما، وهو أن الفنان سواء أكان كاتباً أو مخرجاً، هو في المقام الأول ابن زمنه، هو غير معنيّ بشكل مباشر بالأزمنة الأخرى، إلا من باب الاكتشاف والمغامرة.
الانتقال إلى زمن آخر هو رحلة بحث، ورغبةٌ في الفهم، ومغامرةٌ فنية تحفز خيال الفنان وتعمّق رؤيته. لكن رغم كلّ ذلك، يبقى الزمن الحقيقي الذي يشغله ويؤثّر فيه هو زمنه هو. ومن هذه النقطة بالتحديد، بدأت فكرة استعادة زمننا نحن، أردتُ أولاً أن أحفظ هذه المرحلة، ثم أقدّمها فنياً من زاويتي الشخصية، ومن زاوية عين جيلي. لذلك جاء الفيلم بعيني أنا، وبحساسيتي، وبخبرات مَن هم في جيلي، أردتُ أن تخرج الأحداث من داخل هذا الجيل نفسه، لا من مسافة بعيدة أو رؤية مؤرّخ يروي حكاية من الخارج.
وهل بالفعل شعرت بأن هذا الجيل كان يحمل بذور النهضة السينمائية؟
نعم، وبلا شك، جيل أطفال الثمانينيات نشأ في ظروف لم تكن سهلة على الإطلاق؛ فلم تكن هناك دُور سينما، وكانت علاقتنا بالفن قائمة على الصراع والتحدي. كبرنا ونحن نطارد السينما، لا نجدها لكنها لا تغيب عن خيالنا، هذا الجيل تربّى على نقص السينما، وعلى شغف البحث عنها، وعلى الحوار الدائم حولها. أيّ جيل ينشأ على الصراع الفكري والمناقشة ويحمل هذا القدر من الشغف، لا بد أن يكون جيلاً ثرياً.
بالنسبة لنا، السينما لم تكن وسيلة ترفيه فقط؛ بل كانت أشبه بموقف، أشبه بوجهة نظر فكرية. واليوم أهم صنّاع الأفلام السعودية من هذا الجيل.
رحلة البحث في تاريخ السينما السعودية استغرقت سنوات طويلة، ما أبرز المفاجآت والاكتشافات التي واجهتك خلال هذا العمل؟
كلّ ما يسبق عام 1979، هو بمثابة اكتشاف حقيقي بالنسبة لي، وأكثر ما كان يدهشني هو الجلوس مع شهود حقيقيين عاشوا تلك البدايات في الخمسينيات والستينيات، وسماع رواياتهم المباشرة عن تلك الحقبة.
إلى جانب ذلك، اكتشفتُ أرشيفاً سينمائياً مهماً لشركة أرامكو، يضم أفلاماً صنعتها الشركة في تلك الفترات. عملتُ على إعادة بناء هذا الأرشيف داخل الفيلم بطريقة درامية، وليس مجرد سرد زمني جامد، بحيث تتحوّل رحلة الأرشيف نفسها إلى حكاية.
كما اعتمدتُ على أرشيف الصحافة السعودية كمرجع زمني لتواريخ الأحداث؛ مما ساعد في رسم خط واضح ودقيق لمسار التطوُّر السينمائي. ومن الاكتشافات المهمة أيضاً، أن بداية عروض الأفلام في السعودية، لم تكن حديثة كما يعتقد البعض؛ بل كانت في جدة عام 1918 مع السينما الصامتة. هذه الحقيقة التاريخية غيّرت الكثير من الروايات المتداوَلة، وجعلتني أدرك أن جذور العلاقة مع السينما أقدم بكثير مما يُظن.
الفيلم يعرض قيوداً اجتماعية وثقافية واجهت السينما السعودية لسنوات. كيف حافظتَ على التوازن بين نقل هذه الحقائق، وبين روح الأمل والنهضة التي يعيشها القطاع اليوم؟
بلا شك حاولتُ أن أحافظ على هذا التوازن؛ لأن النهضة التي يعيشها قطاع السينما اليوم، هي ثمرة جيل كامل عاش هذا الصراع الطويل. واليوم مثلاً، رئيس هيئة الأفلام نفسه هو أحد أبطال الفيلم، ومن أوائل مَن ساهموا في تأسيس النهضة السينمائية الحالية، وهذا يجعل العلاقة بين الماضي والحاضر أوضح وأكثر صدقاً.
الفيلم بالنسبة لي لم يكن مجرد عمل توثيقي؛ بل كان أيضاً كما قلتُ في لقاءات سابقة، فيلماً من أجل أبنائنا. أردت للأجيال الجديدة أن ترى القصة الحقيقية كما حدثت، وأن تفهم الطريق الصعب الذي أوصلنا إلى هذه اللحظة.
منذ اللحظة التي فُتحت فيها صالات السينما، بدأت أجمع الوثائق وأبني أرشيفي الشخصي، وأجمع أرشيف الآخرين أيضاً، هنا شعرت بمسؤولية كبيرة تجاه هذا التاريخ، مسؤولية شخصية قبل أن تكون فنية. ولهذا يشعر المشاهدون بأن الفيلم يحمل شيئاً شخصياً جداً؛ لأنه بالفعل كان مسؤولية شخصية ومؤسسية في الوقت نفسه.
كيف بدأت رحلة المشروع وصولاً إلى تنفيذه؟
الفيلم فاز بمبادرة إثراء المحتوى من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي كمشروع بعنوان: "ضد السينما" في عام 2019، وبعدها جاءت جائحة كورونا فأخّرت تنفيذ الكثير من الخطط. لكن مع ذلك، استمر الترتيب والتحضير، إلى أن بدأ العمل رسمياً في سبتمبر 2020، وتحديداً في الأول من يناير 2021 انطلقت مرحلة التنفيذ الفعلي.
كانت رحلة طويلة، لكنها كانت ضرورية لبناء فيلم يعتمد على أرشيف حقيقي، ويقدّم سرداً دقيقاً وتاريخياً.
كيف اخترت ضيوف الفيلم؟ وما المعايير التي ضمنت أن تأتي شهاداتهم صادقة وممثّلة للمرحلة؟
كلّ مَن ظهروا في الفيلم، هم شهودٌ حقيقيون على تلك المرحلة، إما رأَوها بأعينهم، أو عاشوا تفاصيلها، أو كانوا باحثين متخصصين فيها. أهم ما يميز شهاداتهم، أن الجميع عاش التجرِبة ونقل أحداثها كما هي.
أما اختيار الضيوف؛ فلم يكن صعباً بالنسبة لي؛ فأنا في الأساس من داخل الوسط السينمائي، كاتب سيناريو وعملت لسنوات في الصحافة، وهذا قرّبني من كلّ الأسماء التي كان يجب أن تظهر في الفيلم. كثيرون يعرفون عملي. مكملاً: "يعرفون مَن هو علي سعيد، وهذا سهّل الوصول إلى الأشخاص المناسبين وتوثيق شهاداتهم بصدق".
عن فيلم "ضد السينما"
يروي فيلم "ضد السينما" الوثائقي حكاية نشأة وتطوُّر السينما السعودية، عبْر تتبُّع جيل أطفال الثمانينات الذي أحب السينما رغم غياب صالات العرض حينها، كما يكشف ملامح الحياة السينمائية في المملكة قبل عام 1979؛ مستقصياً بدايات العروض ومحاولات الإنتاج الأولى، من خلال شهادات روّاد السينما السعودية، في رحلة بحثية امتدت خمس سنوات.
يمكنكِ قراءة هند الفهاد لـ«سيدتي»: السعودية تمتلك منجم قصص للسينما وأعتز بالمشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام سيدتي».
وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك سيدتي».
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «سيدتي فن».





