في أمسية شتوية دافئة بتاريخ 12 ديسمبر 2025، تحول "بيت اللّوال" في قلب الشارقة إلى ملتقى للأرواح قبل أن يكون حفل توقيع. لم تكن مجرد فعالية لإطلاق كتاب، بل كانت "لقاءً حميمياً" جمع الشيخةُ بدور بنت سلطان بن محمد القاسمي بقرائها وجهاً لوجه. وسط جدران تتنفس التاريخ، جلست لتوقع أحدث مؤلفاتها "أخبروهم أنها هنا... بحثاً عن ملكة مليحة"، لتخط بيمينها إهداءات تجاوزت الورق لتستقر في ذاكرة كل من حضر.
لحظة التوقيع... تواصل إنساني بلا حواجز
شهدت الساحة الرئيسية لـ"بيت اللّوال"، التي تتوسطها النافورة المزينة بالزليج المغربي، المشهد الأبرز في الأمسية. لم يكن مجرد طابور للزوار، بل كان مشهداً حضارياً يعكس شغف الجمهور بالكلمة المكتوبة وبالتاريخ الذي يعيد الكتاب صياغته. تميزت جلسة التوقيع بالبساطة والرقي. جلست الشيخة بدور القاسمي تتبادل الأحاديث الودية مع كل زائر. لم تكن مجرد توقيعات عابرة؛ بل كانت وقفات قصيرة للنقاش، وابتسامات متبادلة، واهتماماً حقيقياً بكل شخص وقف أمام المنصة. هذا التفاعل المباشر عكس رسالة الكتاب نفسه: "التواصل والبحث عن الجذور".
إهداءات شخصية
حرصت الشيخةُ بدور بنت سلطان بن محمد القاسمي على كتابة إهداءات شخصية للزوار، مما أضفى قيمة عاطفية كبيرة على النسخ الموقعة. تنوع الحضور بين مثقفين، وإعلاميين، وشباب شغوفين بالتاريخ، وحتى أطفال جاؤوا بصحبة ذويهم.

لماذا هذا الكتاب؟ وثيقة الهوية المفقودة
بينما كان الزوار ينتظرون دورهم للحصول على التوقيع، كانت الأحاديث تدور حول موضوع الكتاب المثير؛ فالكتاب يوثق رحلة بحثية وميدانية شاقة خاضتها الكاتبة في منطقة مليحة، مستندة إلى مكتشفات أثرية، أبرزها عملة فضية نادرة تحمل اسم "أبيئيل" (Abiel) بالآرامية. هذا الاسم الأنثوي المنقوش على عملة تحاكي عملات الإسكندر الأكبر يقلب موازين التاريخ، مشيراً إلى سلالة ملكات حكمن المنطقة وسيطرن على التجارة.
سردية تمزج الروح بالعلم
لا يقدم الكتاب التاريخ بجمود، بل يمزجه بتأملات ونصوص أدبية للمتنبي وأبي نواس ولوركا. إنه رحلة "مناجاة" تعيد ربط المرأة العربية بجذورها القوية، وتذكرها بأنها حفيدة ملكات عظيمات مثل زنوبيا وبلقيس والملكة شمس.

"بيت اللّوال".. الحاضنة المثالية للحدث
اختيار "بيت اللّوال" لاستضافة هذا التوقيع لم يكن عبثاً. المكان نفسه يروي قصة "العودة"؛ فالبيت هو منزل عائلة "المزروع" المرمم، والذي يطل على خور الشارقة القديم، ميناء السفن والقوافل. جدرانه الحجرية وفناؤه الداخلي وفرا لـ الشيخة بدور الخلفية المثالية لاستقبال ضيوفها وكأنهم في مجلس بيتها الخاص.
ضيافة من طريق الحرير
خلال الحفل، استمتع الضيوف بقائمة طعام وعصائر مستوحاة من طريق الحرير، تعكس فلسفة المكان في دمج النكهات التي حملها المسافرون (اللّوال) معهم عند عودتهم إلى الديار.
ورشة النسيج.. خيوط تتشابك مع الكلمات
تكامل حفل التوقيع مع ورشة "السدو" التي قدمتها الفنانة إلهام خير الله. بينما كانت الشيخة بدور "تنسج" التاريخ بالكلمات وتوقعه بالقلم، كانت إلهام تعلم الحضور كيف "ينسجون" الهوية بالخيوط والألوان الطبيعية. كان المشهدان يكملان بعضهما؛ فالكتابة والنسيج كلاهما فعل تدوين وحفظ للذاكرة.
ختاماً
لقد نجحت هذه الفعالية في تحويل فعل "توقيع الكتاب" من إجراء روتيني إلى احتفالية ثقافية دافئة. لقد خرج كل زائر من "بيت اللّوال" وهو يحمل في يده كتاباً موقعاً، وفي قلبه ذكرى لقاء شخصي مع كاتبة تؤمن بأن التاريخ يكتبه أولئك الذين يجرؤون على البحث عنه.
تابعوا المزيد: حاكم الشارقة يوجه بتخصيص 4.5 مليون درهم لتزويد مكتبات الإمارة بأحدث إصدارات دور النشر المشاركة في الشارقة للكتاب 2025





