شابة سعودية نحتت بأظفارها نجاحها، ولم تستسلم لحديث المجتمع وكونه محافظاً، ولن تنال كافة حقوقها فيه كالرجل، فقد صنعت هذه الشابة الطموحة لنفسها مجالاً تحبه، وصنعت من حولها مجتمعها الخاص؛ ليأتي جميع أفراد المجتمع السعودي رافعين رايات الفخر لها؛ اعتزازاً بها.
وقد بدا واضحاً شغفها بالمعرفة والتواضع، مثل جمالها وبساطتها، وهي في حالة دراسة مستمرة واطلاع على كل جديد، وطموحها أن تصبح شخصية مهمة، وقد أصبحت اليوم وهي في الـ23 من عمرها، مديرة مشاريع منطقة الشرق الأوسط بشركة«رافايل دي لاهوس» في إسبانيا.
بين الإتيكيت وجمع الفقع
هي الابنة الثانية لأم وأب من القصيم، وهما: بدرية القبلان، وصالح العزاز، ولدت في الرياض، وأكملت دراستها الثانوية فيها، وتخرجت عام 2007م في مدارس نجد الأهلية بترتيب الثانية، على مستوى المنطقة الوسطى في المملكة، ثم انتقلت إلى بريطانيا لمرحلة البكالوريوس، وبعدها إلى إسبانيا للعمل والدراسات العليا وتتابع: «ترعرعت أنا وإخوتي الأربعة، في بيئة محبة للعلم والاطلاع على مختلف الثقافات، واحترام الذات وتقبل الآخر، فقد كان ينقلنا أبي -رحمه الله- من درس الإتيكيت بمائدة الطعام، إلى رحلة ربيع في الصحراء؛ لجمع الفقع والعراجين».
دراسة وتفوق
تصف مرحلة الدراسة الثانوية بأنها صعبة وجميلة، وممتعة بالصديقات، وتقول: أهديت والدتي تفوقاً يخسف جبل الحزن الذي حملته على كتفيها برحيل الوالد، وكنا نتنافس أنا وصديقة عمري على المرتبة الأولى بمحبة، إلى أن كان التفوق من نصيبنا معاً أنا وهي، ولم أختر دراسة الهندسة تحديداً، بل هي اختارتني، فقد كنت أرى نفسي في الطب، وحصلت على قبول في كلية الطب في أيرلندا، ولكن أختي «الشيهانة» اكتشفت موهبتي الفنية منذ طفولتي، ورأت أن أستثمر هذه الموهبة في مجال فن العمارة، وشجعتني عليها، فالتحقت بكلية الهندسة في بريطانيا بجامعة مانشستر، ووجدت أن أساس التصميم المعماري، هو الإبداع والفكرة والرؤية، الأمر الذي يجعل من بعض المهندسين المعماريين أساطير مخلدة عبر أعمالهم، فجنون «أنطوني غاويدي» تعكسه كل زاوية في مدينة برشلونة.
معمارية في إسبانيا
بعد التخرج كانت الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية، التي عصفت بالعالم، لا تطمئن، مع ارتفاع نسبة البطالة في أوروبا وغيرها من الدول، بالإضافة إلى أن المرأة السعودية، كما تقول شهد: لا تجد لها مكاناً في الشركات داخل المملكة لعدة معوقات، ما جعلها تفكر بأي مخرج للعمل ضمن تخصصها، وتتابع: «كنا نقضي إجازاتنا الصيفية في إسبانيا بعد تخرجي، فتواصلت مع شركة «رافايل دي لاهوس» في مدريد، وتوافرت لي فرصة للعمل كمتدربة، وأثناء تدريبي سنحت لي الفرصة أن أتوظف في الشركة كمهندسة، ثم تدرج الأمر كمديرة لمشاريع الشرق الأوسط، في فترة وجيزة بالشركة، فانتهاز الفرص بوابة للنجاح إذا علمنا كيف نستثمرها».
لا أفخر بنفسي
وعن شعورها وهي مديرة بهذا العمر الصغير قالت: شعوري بالفخر ليس بنفسي، بقدر ما أفتخر ببلدي، وأنا أمثله في هذه الشركة العريقة، ومن خلال تكليفي بمهام إدارية، تعلمت القدرة على إدارة الأفراد مع اختلاف الثقافات والأجناس، وتعلمت فن التواصل مع العملاء، فنحن لا ندرك ما نملكه بداخلنا من قدرات إلا عندما نختبرها على أرض الواقع.
العمل والمجتمع السعودي
تقول شهد: عملي كمهندسة معمارية لا يتطلب قوة عضلية، بل يتطلب مهارة مهنية وإبداعاً فنياً وفكرياً، وفي هذا الأمر يتساوى الرجل والمرأة، كما أن المجتمع السعودي اليوم هو امتداد لمجتمع الأمس، حيث عملت المرأة بالرعي والزراعة، وكان لها دور مهم في مجتمع البادية والأرياف، واليوم تتيح المدن الحضرية للمرأة أعمالاً لم تكن متاحة لها من قبل، كما أن التطور الاقتصادي انعكس على تطور المجتمع بالإيجاب، سواء للرجل أو المرأة، ومن هنا لا أرى في عملي كمهندسة أي تناقض مع طبيعة المجتمع السعودي، الذي كان للمرأة فيه دور فعال وإيجابي، وحلمي أن أعمل في السعودية بمجال التصميم الهندسي؛ لإصدار منتج محلي بمستوى عالمي.
المرأة السعودية قادرة
* هل المرأة السعودية قادرة على فعل أي شيء وامتهان أي مهنة، تقول شهد وتتابع: أثبتت لي تجربة عملي في إسبانيا أن المرأة السعودية قادرة على أي عمل وامتهان أي مهنة، وما أثبتته المرأة السعودية وحققته من إنجازات يؤكد أنه ليس هناك فرق بين الرجل والمرأة، إلا بما ينجزه كل منهما، وكفاءة الإنجاز، وأن العوائق التي نجدها أمام عمل المرأة هي من صنع البشر، والمرأة السعودية المتعلمة الواعية تستطيع أن تحصل على الكثير من حقوقها، وعلينا ألا نضع العقبات أمام مسيرتها، وأن نمكّنها من ممارسة حقها في التعليم وحقها في العمل، وهذه أبسط الحقوق الإنسانية، وفي بعض الأمور ينقص المرأة السعودية حرية الاختيار، وتفرض عليها بعض القيود، ونحن نتطلع لمستقبل أفضل لا يتحقق إلا في ظل مجتمع متكافئ، لكل فرد فيه إرادة ومسؤولية، وحرية تعبير واختيار، وتستطيع الفتاة السعودية أن تصل إلى أعلى المراتب، وقد شهدنا نجاحاً للكثيرات في كافة المجالات، وما نحتاجه لكي يصل الجميع، هو المزيد من التكاتف والتعاون والحوار البنّاء، والاستفادة من تجارب الشعوب والمجتمعات المتحضرة.
حياة عائلية
وعندما سألنا شهد عن حياتها العائلية والشخصية قالت: حياتي المهنية أخذت مني الكثير في البداية، ولكنني أستمتع هذه الأيام بوجودي مع أسرتي، وكأنها فترة استراحة محارب، أما عن وجود الرجل والحياة العاطفية، فأتذكر كلمات والدي من مدونته الخاصة: «لماذا لا نحب ونحن نملك قلوباً خفاقة؟ لماذا لا نحب ونحب ونحب؟» والأجمل من ذلك، أن يكون هذا الحب العفيف على مرأى ومسمع الأبوين، بحيث يكون مثل سيمفونية عائلية رائعة، تبعث الحياة في الشجر والحجر، فنحن بأمس الحاجة إلى الحب دائماً، وأنا مازلت أحنّ إلى بيت جدتي، وجدل الكبار وضحكات الصغار، والجبنة الصفراء، والخبز الحار، كما أندم على أنني لم أحمل الكاميرا إلا بعد المرحلة الثانوية، ولم أستمتع بمشاركة والدي في تجربته كمصور محترف.
شهد العزاز وسر افتخار المجتمع السعودي بها
- قصص ملهمة
- سيدتي - لميس سامي
- 10 أغسطس 2014