قصة: أميرتي وموسم جني الرمان

3 صور

تأملت ملامح وجهي في المرآة، طاردت في انعكاسات ضوئها حدود غزو التجاعيد للمساحات المترامية الأطراف، بين الجبهة والحاجبين في أعلى منطقة وأبعد قمة في خارطة الجسد، تجازف بالعبور دون سلاح للإقامة الأبدية في خطوط أفقية مستقيمة دون انحناءات، وبين فتحتي العينين، وجانبي الفم تجلس دون دعوة باطمئنان..

مازلت بعيدة زمنياً عن لقائها أو هجومها، لا أدري كيف أسمي حضورها الفجائي المرعب والمعلن عن انقضاء ربيع العمر؛ لأن الأعمار تقاس في الكثير من الأحيان بالكم القادم إلينا من التجاعيد، وأنا مازلت في منتصف عقدي الثاني، وأمامي عقد كامل حتى أحضر حصناً منيعاً لرد هجماتها الشرسة، زيت الزيتون وعسل النحل مضاد طبيعي يقطع طريق عجلتها نحونا، سأقتني من السوق كمية كبيرة لن تنفذ من أدوات التجميل. وحتى الآن أستمر في التفوق على الجميلات بجاذبيتي، بجسدي الغارق في التأمل، والمنبعث بطلاقة من قاعدته الطبيعية، لا تلتصق به لواحق، لا يأذن للمقص بتلمس صفوف شعري ولا لأحمر الشفاه ليعبث ببراءة شفتاي الطازجة، غمرني الاطمئنان وغمرني التفكير والتأمل.

الأميرة الحلم
بقيت وفية في رسمي منذ العاشرة لاستحضار وجوه الأميرات غير قابلة للتعايش مع التجاعيد، وألون ثيابهن بمستخلص مادة قوس قزح، أفضل ألا يتجملن بالمساحيق الكيميائية حتى لا يفقدن وجها بدون تجاعيد.
تشكيلي لجسد الأميرة بقلم الرصاص وإنجابي لها على الورق، جعلني أحلم بولادتها من رحمي أتابع نموها داخل بطني.
في أي مملكة ينبغي أن أطارد مشروع ولادتها وطريق إنجابها، لا يجب أن أنسى أنه ثمة أحد في دفتر المعجبين من يمكنه منحي نواة وجودها في بيتي وصراخها تحت بطني.

عاد لينتقم
ما كان يضايقني ظهور الثعبان أمام مرآتي ليلا، صار ظهوره يطاردني، نظراته تحاصرني في منزلي، ويختفي عن المكان عندما لا أكون وحيدة، أخبرت والدي أن ثعباناً زحف نحونا ويختبئ بين ثنايا حديقة المنزل، أطلق ضحكة تعجبية أوقعتني في حيرة وهو يقول: يستحيل للثعبان أن يتجرأ على الزحف في فصل الشتاء، لا يتحمل برودة الطقس، ولن يبرح جحره حتى يميل الجو إلى الدفء، متأكداً من اقتطاعه كل الأمان.

رأيته بعد المغيب عدة مرات يتتبعني ويترصد وجودي، خيلات نسجها الخوف الدفين في قفص اللاشعور.
أي خوف يبعث من جديد صورة الثعبان داخل جوارحي. وذكرني أبي: في سن العاشرة مزقت بدراجتك ثعباناً صغيراً. ولم يعلم أنه أيقظ الوساوس النائمة أو تلك التي كانت في طريق مغادرتها، وبدأت التساؤلات: هل حضرت أنثى الثعبان لتنتقم لصغيرها بعد كل هذه السنوات؟ أيعقل أن تصمد في تأمين كل هذا الحقد وتعود من أجلي؟
هل تتمكن من تطويقي بلسانها وإمطاري بلعابها وتلغيمي بسمها وإرسالي نحو قبري قبل أن أنجب الأميرة؟

تعصب القبيلة
عدت لأرتب مع القدر، لقاء تخلصي من الثعبان والعنوسة والتجاعيد، لكني وجدت مشروع القرين مرتبطاً بوعد عائلته، فلن يتزوج إلا من ابنة عمه، عاد معه صوت تعصب القبيلة، لم يكن قاصراً أو مسلوب الحرية حتى يقوم الآخرون باختيار طريق حياته.

صممت أن تجمعني به طريق بعيدة، أبتعد فيها عن الثعبان وأقترب من الأميرة، يجب أن يكون حلمي قراراً. وبت أرمي بجسدي وأيامي في ضفة المستحيل حتى أخرج عامرة الوفاض وتعلمت أن التصميم بداية النجاح أو مؤشر لتجاوز ظنون الإخفاق.

قرار اللقاء
وضعت وثائق سفري على طاولة آخر لقاء جمعنا لتحديد وجهة الفراق، أجبرته فيها على شرب قهوة بدون سكر، ونفث دخان سيجارته بين ركبتيه، اقتنيت تذكرة واختطفت تأشيرة، وأوهمته بأن سفري سيحلق على متن حروف الفراق للاستقرار عند عمتي دون عودة.

تلمست حمرة اعتلت أذنيه ورجفة قبضت على أصابع يده، وصفرة استقرت على قمة وجنتيه وخوف تسرب نحو منافذ وجدانه، فاحتويته بنظراتي ودثرته بكلماتي: أشد على يدك وأسلك معك دربك، مهما اتسعت حدود المخاطرة.

وبعد أن زاد تصلب عناده، رضخت عائلته جاهرة بقبول شكلي، لأنني لم أقتطع الرضا ولم أحظ بالقبول، لكن اختطافي لقلبه كان كافياً لنتقاسم بيتاً ثم بعد ذلك حملاً.

- ولد أم بنت
- أريده صبياً
معارضة: بل صبية
استنكر إصراري: من يؤمن لك الحماية في غيابي.
- ليس قبل جني ثمرة أحلامي

المخاض
كابدت بمفردي سكاكين الألم الحادة في أشهري الأولى، أوجاع دائرية وأخرى حلزونية أحاطت ببطني، أجبرتني على إطلاق أنات عميقة ممزوجة بدموع غزيرة مستعجلة للخروج دفعة واحدة، كأمطار نهاية فصل الربيع، عندما تصبح السماء في حالة تأهب لاستقبال موسم الصيف، تعتصر كل ما تبقى في بطنها من غيوم ثم تحيلها على عطلتها السنوية.

وسقطت بعدها في إغماءات متكررة تطلبت إجراء فحوصات مختلفة من تحاليل الدم إلى اقتطاع صورة للجنين الذي رفضت معرفة جنسه، لكن الطبيب حذرني:
- ابنك في خطر؟
- ماذا تعني؟
- ثعبان يلف الجنين، إنكما في خطر؟
صرخت فأغلق زوجي فمي بيده خانقاً سرباً من الصرخات الموجوعة التي حلقت لتنفذ من جوفي، جاءت لحظة الموت والحياة في لقاء إنجاب الأميرة قررت تسميتها «رمانة» على اسم والدة زوجي لنتقرب منها أكثر ونستفيض في التشبع برضاها، وفي غرفة الولادة كان اليوم مؤنثاً، ثلاث نسوة رزقن بفتيات، طلبن مني انتقاء اسم لكل واحدة فلم أتردد في إطلاق «رمانة» على المولودات، وقبل اقتطاف رمانة من مخاضي، قاموا برشي وأنا ممدة على الشاطئ بدلو من الماء البارد، بعد انتشالي من الغرق في عرض أمواج شرسة تصاعدت متحدية كل من يقترب منها، تأملت وجه والدي ورجال الحماية وحشد من المصطافين تكسو ملامحهم الشفقة والارتياح على استعادة أنفاسي ووعيي، عشت في تلك الغيبوبة هاجس الهرب من الثعبان وأجمل ما فيها موسم جني الرمان.