اصطدمت بوالدها في عتبة الدار. كانت على وشك دق الباب. خرج فجأة وطوحت ذراعه الممتدة بحنق أمامه بها. كادت تفقد توازنها وتقع أرضًا. لم يلتفت إليها. استندت على الباب، ونظرت إليه وهو يصعد إلى سيارته، وينطلق بها بسرعة غير معتادة. ودق قلبها الصغير خوفًا عليه.
ماذا به؟
دخلت بفزع، ووجدت أمها جالسة على الكنبة، أمام التلفاز، تضرب صدرها بيديها وتبكي، وقد سقط منديل شعرها، وتدلت خصلاتها حول وجهها المنتفخ في فوضى عارمة.
ماذا يجري؟ سألت وهي تهرع إليها، وضمتها أمها إلى صدرها المهتز بانفعال، وزاد بكاؤها.
أين سميحة؟ وأين الصغار؟
أسئلتها زادت من هياج أمها. طرق الباب بعنف، والتفتت باحثة عن سميحة، وأمرتها أمها أن تقوم لتفتح لأخيها.
هرعت لتفاجأ بأخوالها، ونسائهم، وأشخاص آخرين لا تعرفهم. قال لها أخوها ناصر: إنه ترك الصغار وحدهم في الفناء الخلفي، وأمرها بأن تبقى معهم.
ماذا هناك؟
»أمور لا تهمك. اسمعي الكلام وابقي معهم هناك. خذي بعض الأكل والمرطبات. لا أريد أن أرى أحدًا منكم هنا، هل سمعت؟«.
سمعت. ولكنها لا تفهم ما يجري. ما بال والدها؟ ووالدتها؟
وجدت بعض النساء في المطبخ. أخذنها في أحضانهن وغمرنها بالقبلات. وشعرت بالخوف.
بحثت عن سميحة. أين ذهبت؟ ولماذا تركت الطنجرة فوق الموقد؟ سيحترق الأكل وستغضب أمها.
أصوات كثيرة تنبعث من الصالة التي أغلق بابها. تملكها قلق شديد. وضعت صينية الأكل في الركن وصعدت إلى الأعلى. سميحة ستخبرها بما يحدث. ولكن أين ذهبت؟
بحثت في كل الغرف. صعدت للسطح، ثم عادت للدور الأرضي. وتذكرت الصالون الجانبي. وجرت إليه.
بابه مغلق. حركت المقبض، ونادت سميحة. ولم تتلق ردًا. لكن المفتاح دار من الداخل، وأطلت الخادمة. ماذا هناك؟ لماذا تحبس نفسها في الصالون؟ ماذا يحدث لوالدتها؟
كانت سميحة تبكي. مدت ذراعيها وعانقت الصغيرة بقوة. وطلبت منها أن تسامحها. ثم دفعتها خارجًا، وأغلقت الباب بالمفتاح.
دفعت الصغيرة بيأس، ونادت الخادمة، وبكت. لا تدري لِمَ فعلت ذلك. لكن الدموع انهمرت من عينيها بغزارة. سمعت حركة خلفها، وخشيت أن يأتي أخوها ليوبخها، وجرت إلى صينية الأكل تحملها إلى إخوتها الصغار وقلبها الممتلئ حيرة وترقبًا يدق بعنف.
مرّ الوقت بطيئًا. انبعثت ضجة من الداخل، وتسللت بحذر لترى ما يجري.
والدها وأخوالها يتخاصمون. والنساء يصحن. وأمها تولول.
أبوها يدفع الجمع، وينطلق خارجًا وهو يجرّ سميحة خلفه.
أخوالها يتبعونه. ونساؤهم يحطن بأمها التي تقع أرضًا.
تجري إليها. يلتفت إليها أخوها الذي بقي قرب الباب. دموعه تسيل وشفتاه ترتجفان.
« أرأيت؟ أبي سيتزوج الخادمة. أبي تركنا!».
تحملق فيه بصمت. وينهار عالمها.