أخبرني والدي أن صديقه الذي تربطه به شراكة عمل قد تقدم لخطبتي، وحاول أن يزين ويصور لي حياتي القادمة بصورة سحرية، وأنه سيكون لي الزوج والحبيب والأب الحنون والشريك الرحيم، وأبلغني أن الزواج سيتم خلال أيام قليلة، لم يسمعني ولم يمنحني الفرصة لأناقشه، فقد أصدر فرمانًا يجب تنفيذه من دون أي معارضة، وقررت أن ألجأ لمن ستفهمني وتحتويني، لمن ستتلمس أحاسيسي وتشعر بما يثور في أعماقي، لجأت للصدر الحنون، أمي، لكنها مارست معي كل الإغراءات، وأخبرتني أن هذا الرجل مستعد وجاهز لإتمام الزواج، وبأنه سيدللني ويلبي جميع رغباتي، وسيساعدني على تخطي العقبات وإكسابي الكثير من المهارات بخبراته، فهو من سيحقق لي الحماية والأمان والكفاية، وحذرتني بأنني لن أجد مميزات هذا العريس في شاب من سني، لحظتها صدمت وصعقت ورفضت وهددت، وشعرت بأن الدنيا تحولت إلى اللون الأسود، وأن إنسانيتي تعرضت لطعنة قاتلة من أعز الناس لنفسي، فأنا من ستتزوج، وأنا الوحيدة التي أستطيع أن أقرر وأقول رأيي، سواء بالموافقة أو الرفض، أليس من حقي أن أختار من سأمضي معه بقية عمري؟ فكم تمنيت أن أتزوج بإنسان يتوافق معي سنًّا وخبرة وثقافة وتفكيرًا، وكم حلمت بأن أصحو وأنام على صوت من أحبه يسكن مخدعي.
حاولت المقاومة، لكنهم مارسوا عليَّ الضغوط، وأخيرًا خضعت لرغبتهم، أقنعت نفسي بأن أعتبره زواجًا لمصلحة أبي، أي هو زواج يتم في إطار صفقة متفق عليها بين الطرفين، فهو سيحصل على شبابي، مقابل أن أحصل على حياة مرفهة لي ولأهلي، وشعرت بأني كبش فداء، إنه جرح عميق في قلبي الذي لم يتفتح بعد، قلب قضى عليه الطمع والاستغلال، قلب أجبر على المضي في طريق بعيد عن أحلامه، وبعيد عن السعادة التي كنت أتمناها.. وتم زواجي، وذهبت لمنزلي الجديد بخطوات ثقيلة ترفض الذهاب مع زوج أكره الحياة معه، فأنا سأعيش معه بجسدي، أما روحي فماتت، ورغم ذلك عليَّ أن أتقبل واقعي وأتعايش معه، وفشلت، حاولت بكل جهدي أن أتعامل معه بعقلية أكبر من عمري، لكنه مع الأسف طمس شخصيتي، فهو يريد أن يشكّلني كما يشاء، ويربيني على يديه، كما أخبرني هو بذلك، فهو لا يريدني شريكة له في كل ما يخص علاقتنا، بل يريدني تمثالاً جميلاً صامتًا وساكنًا أمامه من أجل إشباع حاجاته النفسية والعاطفية، ورغم كل ذلك قررت أن أتناسى فارق العمر الكبير بيننا، وحرصت على احترامه وتقديره، فأنا كنت أشعر بأني يجب أن أعامله كوالدي، وكانت بداخلي رهبة جعلتني لا أنسجم معه في كل الحالات العاطفية والانفعالية، فاهتماماتنا مختلفة، وكلما حدثته عن أي أمر ينعتني بالطفلة الجاهلة؛ لأنني من وجهة نظره فتاة صغيرة، لا أفهم في أمور الحياة شيئًا، وأنا بداخلي كنت أتهمه بعدم فهم أي شيء، وأصبح بيننا تنافر معرفي وفكري وعاطفي واجتماعي، واختلافات حتى في مبدأ الصح والخطأ، وما يجب وما لا يجب، فهو لم يتمكن من أن يجاريني ولا أن يحتوي طموحاتي، فزيادة المساحة العمرية كانت السبب الرئيسي والأساسي في اختلاف ثقافتنا، وعدم الاتفاق على قرارات موحدة أو هوايات مشتركة، فآراؤنا مشتتة ومتباعدة، نختلف في مواقف الاتحاد، ونتحد على نقاط الاختلاف، فأصبحنا نتميز بخاصية الانقسام، فكل منا يسير حسب ما يراه، لا شيء يجمع بيننا، أنا صغيرة ورومانسية بسيطة أحب الحياة وأقنع بكل شيء مهما كان صغيرًا، وهو يحب امتلاك كل شيء.
وبالتأكيد سيحدث كل ذلك وأكثر، فهو من جيل وأنا من جيل آخر، كل ذلك أدى لحرماني من حقوق كثيرة من أهمها الوصول على الأقل لحوار هادف، ولم ترتق علاقتنا بأي حال من الأحوال إلى زوج وزوجة، وشيئًا فشيئًا ساءت علاقتنا وتدهورت، وفكرت.. هل أنا مرغمة على التضحية مع رجل لا تحمل أعماقي له أي مشاعر؟ لقد أصبحت أسيرة في قصر كبير، لا أعرف كم من الشهور مرت عليَّ وأنا أعيش بلا عواطف وبلا أحاسيس، حتى أصيبت مشاعري بالكهولة المبكرة وأرهقتني الخلافات، وحرمني أبي -سامحه الله- من الحياة باستقرار وهدوء.
أنين المعاناة
أين يكمن الخلل؟ ومن الرابح ومن الخاسر؟ الزوج أم الزوجة، أم أهل الفتاة؟ وكيف تختلط فصول السنة وتتعايش مع بعضها بعضًا؟ كيف يعيش الربيع مع الخريف؟ كيف؟! لا أدري؟!