نجوم آيلة للأفول
هذا العام ينذر بتراجع أسماء كانت مدرجة على لائحة المطربين الذين تطلق عليهم تسمية «نجوم»، وكان لهم في سوق الأغنية حضور لا بأس به على مدى سنوات. هذه المهنة منبثقة عن موهبة، بغضّ النظر عن حجمها أو مدى تأثيرها في نفوس المستمعين الذين يمنحون بعضاً من وقتهم وأموالهم لشراء تذاكر حفلات هؤلاء النجوم أو دعوتهم للمشاركة في أفراح أو أعياد ميلاد حسب قدرة المستهلك. فمنهم من يقضي أمره بشريط كاسيت، ومنهم لا يكتفي بمطرب واحد بل بدزينة أو أكثر «كتشكيلة» ليحيي الليالي الملاح عند الطبقات الميسورة لإضفاء نوع من البهجة أو نوع من استعراض للمدعوين، ليصبحوا مادة للصالونات و(الصبحيات)... ويطول الحديث حول فستان فلانة وسيجار فلان وسيارة ومرافقي فلان ومجوهرات عقيلة فلان وتصاميم وأزياء لا حصر لها و(هلمّ جرّا) حول من هم النجوم الذين حضروا وغنّت فلانة من النجمات وإلخ...
لو استعرضنا الأسماء التي «بهتت» في الأعوام الأخيرة، وإن كان البعض منها ينازع ويحاول أن يجعل من نفسه خبراً أو موضوعاً في سطر من السطور المستأجرة على صفحات بعض المواقع أو الصحف التي تمنحهم فرصة للحديث عن شريط جديد هنا أو حفلة ناجحة هناك، لوجدنا أسماء كانت تلمع منذ فترة لا بأس بها واستمرت في سدّة النجومية لسنوات عدّة.
غياب إيهاب توفيق بات ينذر بإفلاسه فنياً، وهذا يندرج على مصطفى قمر الذي حاول أن يطلّ من خلال عمل درامي «زهرة وأزواجها الخمسة» كمطرب ذي شهرة، إلا أن المخرج أظهر تلك المشاركة بحالة من الإرتجال وكمية من النشاز لا بأس بها، لتأتي الإطلالة مكمّلة لمسلسل مليء بالأخطاء تقتصر همومه على عرض أزياء البطلة.
إلا أن هذه الأسماء صمدت طويلاً، وأكثر مّما كان متوقّعاً، فصوت إيهاب توفيق فيه من الغرابة أكثر ما فيه من الشجن أو الطرب... إلا أن تلك الغرابة ساهمت في نشر صوته ليقدّم مجموعة من الأغاني، حوّلته إلى نجم لفترة قد تكون كافية ليتراجع أو ليتمّ التراجع عنه. ويأتي مصطفى قمر في قافلة حميد الشاعري الذي سبقهم إلى التقاعد المبكر بعد أن أسّس لمدرسة إيقاعية شظاياها لا زالت تنشطر فوق مسامعنا حتى يومنا هذا، فحميد ملحن قدّم مجموعة مطربين وألحان وسَمت أغنية الثمانينيات بطابعه ضمن خلطه للإيقاع بين الإفريقي الليبي الصحراوي والمصري الشرقي البحت. تميّز حميد بدوره ضمن هذه الحالة، لكن لم يساعده صوته في الوصول إلى خارج استوديو التسجيل الذي يتحكّم بمفاعيله ليخرج صوته مسجلاً بطريقة مقبولة.
هشام عباس هو ضمن هذه المجموعة، فحضور إنتاجه الجديد هذا العام جاء خافتاً قياساً بأشرطته السابقة.
وفيما تتراجع أسماء من الدرجة الأولى في مصر، ينسحب ذلك على مجموعة في لبنان أيضاً. فنوال الزغبي على سبيل المثال كانت من مطلع التسعينيات نجمة من نجوم لبنان، إلا أن تجديدها وظهورها بعدّة أشكال مختلفة من ناحية الأزياء ومن ناحية الحضور في الإعلام، ومن ناحية ما تريد أن تقدّم من أعمال لم تخرجها من حالة «العزلة» التي وصلت إليها، وإن كان موضوع طلاقها ومسألة حضانة أطفالها والأغنية التي حاولت من خلالها «استدرار» عطف الجمهور الذي بات في مكان بعيد عنها وهي «فوق جروحي»... لم تعد نوال مصدر موضة أو حالة مؤثّرة بجيل الشباب أو المتابعين للحركة الفنية. وتلتحق بنوال ديانا حداد بعد أن جرّبت ونجحت في بعض التجارب التي جمعتها إلى نجوم كبار مثل الشاب خالد ومحمد العزبي وأصوات خليجية ساعدتها على الصمود في وجه المتغيّرات، إلا أنه بات من الصعب الآن عليها أن تلتحق او تلحق بمتطلّبات السوق.
يعود ذلك لصعود نجوم من الجيل الجديد الذي ترك أثره على الأسماء التي ذكرنا بعضاً منها ليحتلّ مساحة أو يقضم من كعكة الشهرة الموزّعة على مجموعة لا تتخطّى العشرة أسماء في مصر وكذلك في لبنان.
كل سنة تسقط أسماء كثيرة من رفوف محلات الأسطوانات ومن شاشات التلفزة الملوّنة ومن المسارح، وهي حركة تدريجية للسقوط من الذاكرة.
سقوط الموال من الأغنية المصرية
تشهد الأغنية المصرية (الشبابية) اليوم اتجاهاً تغريبياً أكثر من أي وقت مضى، فمعظم الإنتاج الذي يجد لنفسه سوقاً واسعة الإنتشار، تطغى عليه التوزيعات الغربية، من خلال الآلات التي يبرزها الموزعون الموسيقيون، ليأتي الإيقاع الإلكتروني بالدرجة الأولى، ثم بعض الأصوات «المكهربة» لآلات لا اسم لها.
نظير ذلك يختفي الموال من الغناء الحديث، فمعظم مشاهير الأغنية المصرية لا يقدّمون هذا اللون الغنائي الذي وجد له معجبين على مدى عقود مضت، فجميل الكلام وجمال اللحن وحسن الأداء لمطربين برزوا من خلال أداء هذا اللون الغنائي المنبعث من التاريخ، مثل صوت محمد العزبي وشفيق جلال ومحمد رشدي وعبد المطلب، ومحدّث الأغنية المصرية محمد عبد الوهاب الذي نقل الموال من حالته المزاجية في الأداء إلى قواعد لها أصول وخاصة في مواويله التي أدّاها بصوته جاعلاً مِفصلاً في وسط الموال لو سقط من المؤدي لضاع في بحر الموسيقى، كما في أدائه لموال:
في البحر لم فتّكم في البرّ فتّوني
بالتبر لم بعتكم بالتبنِ بعتوني
بعد عبد الوهاب ظلّ الموال لا بل تجسّد أكثر بعد ثورة يوليو التي رغبت في تجميع الفن الشعبي وتحصينه ليقدّم على أساس أنه ثروة قومية وكان ملهماً لكثير من الأعمال الفنية رغم اتجاهاتها الكلاسيكية كما في أغاني عبد الحليم حافظ:
عدّى النهار.. والمغربية جايّة
تتخفّى ورا ضهر الشجر
وعشان نتوه في السكة
شالِت من ليالينا القمر
نجوم أغنية اليوم، لا موال لهم إلا البحث عن اللحن الراقص الذي يجذب شرائح من الشباب، إلا أن قدامى محاربي الأغنية كالفنان أحمد عدوية تسلّل إلى السوق بمواله عبر الأغنية التي أدّاها برفقة رامي عياش «الناس الرايقة».
يسجّل التاريخ أن الموال أصله عراقي وترعرع في مصر، غنّته جارية في رثاء جعفر البرمكي نائحة «مواليا». كان الموال شديد الحزن، وارتبط بآلة الناي، إلا أنه تطوّر عبر العصور ليصف حالة الحب الشديد والجمال والمديح والهجاء والشكوى من الظلم بتكتيكات شعرية بسيطة مكثّفة المعاني لتؤثّر في المستمع.
"يا ليل يا عين" المصرية أو «الأوف» الشامية أو «الآه» العراقية أسباب وجودها لم تختفِ. فما زال القهر يسيطر على مفاصل كثيرة من حياتنا اليومية التي تستدعي التعبير عنها بالكلام الشعري بعيداً عن العنف، وما زالت في قلوبنا عواطف يسحبها بيت من الشعر ويمنحها متعة خارج نطاق العصرنة، ما زال الكثير من النقد والهجاء لا تستطيع أغاني الراب أن تفسّره كونها سريعة ولا تنتقل على لسان الأجيال فيما أشعار المواويل لا تموت: يابحر قول للسمك/ طول ما الشبك فوقك/ لا العشق كارك /ولا رمل الشطوط شوقك.
وموال وديع الصافي: ولو هيك بتطلعوا منا؟.. وما تعودوا تسألوا عنّا
عالقليلة تذكروا الماضي.. بسمة على شفاف الهوى كنا.. ولو ولو
المـوال الـعــــراقي: عزاز والله عزاز.. شوقــهم شـــوق شواطي الليل دجلة
مدللـين والفـراق بعينهم شوف الحمام الجاي لهــلــة.
فارس كرم مع طبق فواكه بـ 1000 درهم!
ما إن تطلّ مناسبة قابلة للإستغلال حتى يصبح لها عيد ويمكن تسميتها «بعيد الإستغلال». ولا أي عنوان قد يخفّف من جشع الإنسان. فإن كانت المناسبة دينية هناك من يترصّد لاستغلالها، وإن كانت دنيوية فحدّث ولا حرج.
ما إن أعلن عن انتهاء شهر رمضان المبارك والذي يتلوه العيد مباشرة، حتى بدأت حملة إعلانات تطالب المستمعين بألف درهم لقاء حضورهم حفلاً للفنان فارس كرم. طبعاً هناك آخرون من الفنانين يحذون حذوه، ألف درهم قرابة 300 دولار أميركي للشخص الواحد كي يستمع إلى أغنية «الله يلعن أبو الغربة» وأغاني من هذا السياق مع قليل من الفواكه على طاولة تجمع أصدقاء انتظروا طيلة رمضان صائمين أو مفطرين ليلتقوا «نجمهم» المحبوب أو المتألّق، أو «ملك الدلعونة»، ويمكن تسميته أيضاً بملك «الطبل» الذي يرافق دخول الفنان إلى المسرح ولا يبارحه إلا بخروج النجم وإعلان انتهاء سهرة الدبكة والفاكهة.
تأتي دبي ضمن خارطة الحركة الفنية النشيطة، وعادة ما يقصدها نجوم من كل العالم من غربيين وعرب وعجم وهنود، وقد تكون لك فرصة هنا في دبي للقاء أشهر الفنانين على المستوى العالمي. والمدهش أن لا يصل ثمن أية بطاقة لهؤلاء النجوم إلى المستوى الذي وصله فارس كرم صاحب «سمفونية» نسونجي!
فالفنانة العالمية شاكيرا تراوحت أسعار بطاقاتها بين المئة والمئتي دولار، وفيروز حين حطّت في دبي تراوحت أسعار البطاقات لحفلها من 40 دولاراً إلى المئتي دولار ومعها أكثر من خمسين موسيقياً وأفراد الكورس إضافة إلى تقنيين يرافقونها في حفلاتها الخارجية. هذه الأسعار تندرج على بطاقات معظم الفنانين العالميين الذين يقدّمون أعمالهم الفنية في المنطقة.
البحث عن تفسير لهذه الظواهر قد يستغرق وقتاً، أو قد يكون جوابه بسيطاً وله علاقة بحركة السوق ضمن نظرية العرض والطلب.َِ