العرض الإماراتي "مقامات بن تايه".. روح سكنتها الموسيقى

16 صور

لأنه الأصدق ربما.. قتلوه أو همشوه، أو مسحوا ذكره وذكراه من حساباتهم، لم يكن "بن تايه" سوى أغنية شعبية خُلقت في جسد رجل بسيط، يحمل عوده وريشته ومقاماً خليجي الشجن، لا يهمه إن غنى على قارعة رصيف أو في دار أوبرا.. ولذلك قتلوه.


المسرحية الإماراتية "مقامات بن تايه" التي كتبها وأخرجها مرعي الحليان، وعرضها على خشبة المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي في العاصمة الأردنية عمّان، ضمن فعاليات مهرجان الأردن المسرحي بدورته الثانية والعشرين، وقدم العمل مجموعة من فنانين دولة الإمارات هم "سالم العيان "بن تايه"، عبد الرحمن الكاس، حسن البلوشي، أحمد الزعابي، وميرا العلي".

العمل والواقع:
تحدث العمل عن "بن تايه" هذا الفنان الشعبي البسيط المأخوذ بالغناء والموسيقى، ذو الوجه الإماراتي الطيب، والذي لا يسكن روحه سوى الموسيقى، موسيقاه هو، التي يراها هي الطرب والأصل، وما يواجهه هذا الشعبي الجميل حين تم إجباره على العمل مع فرقة "أوركسترا" عالمية، لا تشبهه ولا تشبه عوده ومواله، ولأنه حرّ.. حاول الهرب من هذا الالتزام والعودة إلى رفاقه وحارته ومقاماته الموسيقية التي يحب، بالرغم من ضغوطات ابنه الذي لا يفكر سوى كيف يقنع والده "بن تايه" بإكمال العمل مع الفرقة العالمية وكيف يقاسمه المال، ومن جهة أخرى متعهد الحفل، الذي يمثل الطبقة الأرستقراطية، والذي لا يرى ببطل عملنا سوى وسيلة لإتمام مشروعه العالمي.


وفي عالم موازي، تدور أحداث قصة عشق بين هذه الفتاة الثرية وذاك الشاب البسيط الفقير، والمأخوذ بسيرة "بن تايه" وبمواويله وموسيقاه، هذه العلاقة التي تظهر في فضاء آخر، ذات الصراع الذي يعيشه بن تايه، بين البساطة والفقر، وبين المال والمظاهر.
وبالرغم من انفصال القصتين، إلى أن المخرج الإماراتي الحليان، استطاع أن يخلق التقاطعات بن أحداث وشخوص هذين العالمين المنفصلين، فكأن الحوار القائم بين بن تايه وابنه مكملاً للحوار الآخر بين الشاب والفتاة، فيوجه الابن عتابه وغضبه على الشاب في تقاطع قصير، يثبت أن الفكرة واحدة، وأن الصراع واحد.

الموسيقى والواقع:
اختار الحليان الموسيقى، لاقترابها الكبير من الروح والذات والكينونة الإنسانية، ولكونها الأكثر تواصلاً وأثراً في النفس، فهي لغة العالم أجمع، لكنها هي الأخرى لا تخلو من هذا الصراع الأزلي بين الطبقتين الفقيرة والغنية، أو بين صراع الغرب والشرق، ذلك الصراع الذي خلقه وعكسه الإنسان نفسه على هذا الفعل الروحي النقي في أساسه.
فالفرق بين قائد الأوركسترا وبين المغني الشعبي، هو نفسه الفرق القائم والصراع المتوالد دوماً بين الفقر والغنى.
واستخدم العليان العديد من الأغاني الشعبية الموجودة في التراث الإماراتي، والتي لم تمنع الجمهور المتلقي من التمايل على أنغامها والتصفيق لها بالرغم من انسجامها الكامل مع الحالة الدرامية في العمل، وبرأيي ربما هذا من أهم ما حاول الحليان إيصاله من خلال الموسيقى، وهو أثرها العظيم لدى الإنسان باختلاف ثقافاته وخلفياته.

رؤية إخراجية وفضاء مسرحي:
عاد الحليان إلى أسس الخشبة الأولى في عمله "مقامات بن تايه"، مستفيداً من تقسيمات المسرح المتعارف عليها "مؤخرة، وسط، مقدمة"، وتقسيمها على شكل مربعات، وأكد عليها المخرج عن طريق باستخدام هذه المربعات المسرحية في الإضاءة، فكانت ترسم طريق الممثلين في أدائهم، ومن جهة أخرى كانت تعوض الفراغ الذي تركه عدم وجود ديكور على الخشبة، وتركز أكثر على المضمون والفعل الدرامي.
ربما كما أسلفنا سابقاً باقتضاب، أن الحليان استطاع أن يخلق التقاطعات بين أحداث القصتين بلغة إخراجية مدهشة ومحترفة، أثارت غريزة الجمهور للتصفيق لأكثر من مناسبة ومشهد، فكانت هذه التقاطعات مدروسة ومحسوبة جيداً، وخلت تماماً من الفوضى، الأمر الذي أوصل ما أراده الحليان بشكل واضح.

سالم العيان.. كان يحمل "بن تايه" في قلبه:
كان اختيار الفنان الإماراتي سالم العيان لشخصية "بن تايه"، تفكيراً صائباً جداً ومناسباً من قبل المخرج، فقد أدى العيان شخصيته باحترافية عالية، حتى أن وجه "بن تايه" رآه الحضور جميعهم في وجه "العيان"، فكان خفيفاً على الخشبة مبدعاً، متقمصاً بشكل لا يصدق للشخصية، أرغم الجمهور الحاضر على حب هذا البسيط المسكون بالموسيقى والمقامات العربية، وانتظار خروجه إلى الخشبة بيده عوده وعلى لسانه موال بلكنة خليجية بشغف كبير.