مسرحية "علاقات حرجة".. فصامات موجعة

13 صور

العلاقات العاطفية وما يصيبها من اضطرابات وتشابكات تهز أساسها حيناً، وتكسر القاعدة التي تعيشها الشخصيات حيناً آخر، تشويش الأفعال الناتجة عن الحب بين الرجل والمرأة، وبين المرأة والمرأة، وبين والرجل والرجل، كل هذه العواطف والمشاعر المترامية بلا انضباط أو وعي، ومدى تأثيرها على الكينونة البشرية، وعلى ردود أفعالها.


مسرحية "علاقات حرجة" للكاتب الفرنسي كريستوف بيليه، الذي قدمه المخرج الأردني نبيل الخطيب، على خشبة المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي بالعاصمة عمان ضمن فعاليات اليوم الخامس لمهرجان الأردن المسرحي الثاني والعشرين، والتي قدمها كل من "إسحق إلياس، موسى السطري، رنيم الداوود، ونور عطا الله".


يطرح العمل مجموعة من العلاقات العاطفية المتشابكة والمعقدة، التي لا تخلو من ازدواجية الميول بين كل من الرجل والمرأة، وتدور أحداث هذه العلاقات المضطربة في مدينة بائسة، شخوصها عالقون بها بالرغم من رغباتهم الجمّة بالرحيل عنها، وتركها ورائهم مع كل ذكرياتهم وكآبتهم.
ومن جهة أخرى، الشخصية الرئيسية بالعمل "ساندرو" الذي تركته أمه منذ أربعين عاماً، ثم عادت فجأة لكي تستعيده، وتطلب منه أن يسامحها على هذا الهجر، إضافة إلى المشاعر المختلطة التي تعيشها شخصية الابن، وعلاقته مع والده التي صنعت لديه حالة من الفصام – كما عرضه المخرج في العمل، واستمرار الدائرة المفرغة لكل شخصيات العرض، وبقائهم في هذه المدينة البائسة.

سينوغرافيا خجولة:
لم يستطع الخطيب استغلال السينوغرافيا بالشكل المطلوب لخدمة العمل، فغابت الإضاءة الحية التي تنسجم مع وحدة العرض وتترجم روحه ومقولته المسرحية، ناهيكم عن ما خلفته من مشكلات تقنية وفنية، فكانت العتمة تأكل حضور الممثلين في الوقت الذي كان عليها أن تحملهم، ورمت بالنور على أماكن فارغة لا علاقة لها بالمشهد، ولم يكن هذا بفعل مدروس من المخرج، ناتج عن رؤيته الإخراجية التي تركز بشكل أو بآخر على ما يريد إيصاله من خلال العرض، فكانت إضاءة ميتة، وبلغة فقيرة لم تستطع حمله كما يجب.
كما لم توضح توزيعات الديكور على المسرح العلاقات بين الأماكن، ولم تستطع الفصل بين الحانة والحديقة، ما جعل الجمهور المتلقي يضيع في بعض الأحيان في العلاقات بين الممثلين بأماكن تواجدهم وبين حواراتهم.

ركاكة النص مقلقلة:
كما وقع الخطيب في فخ النص المترجم، فبدت مواطن الضعف واضحة تماماً في الكثير من المنولوجات والحوارات، وعدم استيعاب ترجمة النص للفعل الدرامي من قبل الممثلين، فبدا بعضهم كمن لم يفهم روح الحوار أو المنولوج، كما بدا واضحاً جداً ضعف الإعداد.
ولم يخلُ النص "المترجم" من ثرثرة لغوية، احتاجت إلى الكثير من التهذيب والتشذيب، فالمترجم غير معني بذلك، بل هي وظيفة الدراماتورج أو معد النص، كما أنها وظيفة المخرج "رب العمل" الذي من المفروض أن يكون مراعياً للعمل ككل.

ثرثرة في الأداء:
كان أداء الممثلين متواضعاً، ولم ينّم عن احترافية عالية، وحنكة في خلق الفعل الدرامي وردة فعله، بالرغم من بعض المحاولات لصنع أداء جسدي، كانت هي الأخرى غير محسوبة ولا مدروسة جيداً، فلكي يقوم الممثل بالاستعانة بالجسد، يجب أن يقرأه جيداً، ويدرك أن لكل حركة معنى وقصد وهدف ولغة، وجراء ذلك كان هناك الكثير من الثرثرة في حركة جسد الممثلين وتنقلاتهم من بقعة إلى أخرى فوق الخشبة، فكأنهم يتحركون لملأ المساحات الفارغة فقط.

"إسحق الياس".. كان عملاً مدهشاً بذاته:
بالرغم كل هذه الإخفاقات التي أجهدت العرض، كان هناك بقعة نور فيه، حملت العمل المسرحي كاملاً، وأجبرت الحاضرين على البقاء في مقاعدهم حتى اللحظة الأخيرة، وحتى تحية الممثلين.
"اسحق الياس".. الشخصية الرئيسية في العمل، والذي جسد شخصية "ساندرو" كما سبق وذكرنا في البداية، كان بحد ذاته حالة مدهشة، وطاقة كبيرة، أظهرت موهبة مبدعة تدرك أدواتها جيداً، وتعرف تماماً كيف تتقمص الشخصية والحدث حتى في أوقات السكون. كما قدم اشتغالاً متقناً على أدائه، فجّسد الفصّام بين النقيضين، وتحاور مع فصامه كمن يراه، وأطلق على الخشبة دهشة حفرت اسم هذا الممثل الشاب في ذاكرة كل من حضره.