يوليوس هاشم كتب "الكلمة الأخيرة" والجمهور يختار النهاية

4 صور
حلم الإخراج لا يموت داخل المخرج مهما قدّم من أعمالٍ بعيدةٍ عنه. يوليوس هاشم الذي درس الإخراج وفاز فيلمه القصير الأول بجائزةٍ في مهرجان إهدنيات للأفلام القصيرة عام 2005، قرّر منذ ذلك الوقت تقديم فيلمٍ طويل. دخل مجال الصحافة والنقد الفنّي، ولكنّ الأعوام العشرة التي أمضاها في هذا المجال لم تُنسِه حلمه وقراره. علّم المسرح ومادّة "أصول النقد"، ولكنّ الأعوام الخمسة في التعليم لم تبعده عن هدفه، بل على العكس، من واقع الطلاب ومن عالمهم ولد الفيلم التفاعلي الأول من نوعه "الكلمة الأخيرة".

تجرّأتَ وقدّمت فيلماً طويلاً من كتابتكَ وإخراجك...
- في الواقع الجرأة الأكبر تكمن في الإنتاج! أن أكتب وأن أقوم بالإخراج أعتبرهما مهمة سهلة جدّاً عليّ، أمّا حين قررت أن أقوم بالإنتاج بنفسي، فعندها شعرتُ بالرهبة.

لماذا خاطرتَ؟
- أنا عادةً شخص واقعيّ جداً، أعرف نقاط قوّتي ونقاط ضعفي، ولا أدخل في مخاطرة ولا حـتّى في مغامرة مادّية، خصوصاً أنّ الأوضاع الإقتصادية في لبنان متزعزعة. أول الأمر اتصلتُ بأحد المنتجين وأخبرته برغبتي في تقديم فيلم طويلٍ تكلفته ممكن أن تكون محدودة نسبةً للأفلام السينمائية الأخرى. أبدى استعداده للتعاون لكنّه أجّل الموعد. إتصلت به بعد أسبوعين فلم يُجب، عندها شعرتُ بأنّني سأركض طويلاً وراء المنتجين، فقررت في تلك اللحظة أن أكون أنا المُنتِج!

قرارٌ صعبٌ فعلاً.
- صعبٌ جداً. ولكنّني، بما أنّني واقعي ومنطقي، فكّرت: إذا تخوّف المُنتج من إعطائي مبلغاً كبيراً من المال بإعتبار بأنّني أقدّم فيلمي الطويل الأول، لا يمكنني أن ألومه؛ وإذا وضع شروطاً حول الفكرة والحوار واختيار الممثلين والإخراج... لا يمكنني أن أردعه. على رغم خبرتي الطويلة في النقد، لا يمكنني أن أقدّم ضمانات ملموسة للمنتجين بأنّ النتيجة ستكون جيّدة، وبالتالي لا يمكن أن أُجبر أحداً على أن يضع ثقته وماله بين يدَي، ما عدا شخص واحد: أنا.

تخطّط لتقديم فيلم منذ عشرة أعوام، ما الذي دفعك الآن تحديداً إلى هذه الخطوة؟
- شعرتُ بأنّني جاهزٌ لأقوم بكلّ ما يلزم، من دون استسلام أو تراجعٍ أمام أيّ ظرف، أضف إلى أنّني لمستُ الحاجة إلى هذا النوع من الأفلام.

أنتَ أوّل مَن يقدّم فيلماً تربوياً مكتوباً خصّيصاً كي يُعرض في المدارس.
- صحيح. شعرتُ بضرورة أن أتوجّه مباشرةً إلى الأهل وإلى الأساتذة وإلى الطلاب كي أضعهم على طاولةٍ مستديرة في نقاشٍ حول مسألة العلامة المدرسية. نحن اليوم نعيش صراعاً بين العلم والعلامة. الطلاب صاروا يذهبون إلى المدرسة كي يحصدوا العلامات، لا العلم!

ما قصّة الفيلم؟
- الفيلم يروي قصّة جُوان، فتاةٍ تتكاسل فتتمنّى: "ليتني أستطيع النجاح من دون أن أدرس". عندها تزورها إمرأة غامضة تقدّم لها سلسلة عجيبة تساعدها على النجاح. الفتاة تفرح كثيراً بالنتيجة، تماماً كما يفرح أساتذتها وأهلها، لكنّها سرعان ما ستكتشف بأنّها في الواقع تسرق المعرفة من الطلاب المجتهدين، عندها يكون عليها أن تقول "كلمتها الأخيرة" أمام تحطيم حياة أصدقائها.

الكلمة الأخيرة في الفيلم ستكون للمشاهدين.
- صحيح. يصل الفيلم إلى القسم الأخير حيث يسأل المشاهدين: إن كنتم أنتم مكان جوان، أي خيارٍ كنتم ستختارون؟ عندها تُعرَض عليهم ثلاثة خيارات لثلاث نهايات مختلفة سَبَق أنّ صوّرتها.

وتعرض النهاية التي يختارها الجمهور؟
- نعم. أقوم بعملية تصويت سريعة، والخيار الذي اختارته الأكثرية أعرضه.

وماذا إذا أحبّ أحدهم أن يشاهد النهايتين اللتين لم يتم اختيارهما؟
- (يضحك) غالباً ما يُطلب ذلك منّي. بعض الأشخاص يعترضون بإعتبار أنّهم لا يريدون النهاية التي اختارتها الأكثرية، فأجيبهم: هذه هي الديمقراطية! أتعلمون كَم أمرٍ لا أوافق عليه يواجهني في البلد كلّ يوم، وأنا مُجبرٌ أن ألتزم به فقط لأنّ الأكثرية اختارته؟

إذاً ما مِن أحدٍ شاهد أكثر من نهاية؟
- بلا، هناك بعض الأشخاص الذين شاهدوا الفيلم أكثر من مرّة، وصادف أنّ الأكثرية اختارت في كلّ مرةٍ نهاية مختلفة. (يضيف ضاحكاً) مرّة عرضتُ الفيلم في إحدى المدارس، وكان عليّ أن أعود في اليوم التالي لأنّ عدد الطلاب كان كبيراً ولم يكن مسرح المدرسة يَسَعهم في عرضٍ واحد. حين أتى وقت التصويت تفاجأت بأنّ الجميع اختار الإحتمال الثاني الذي غالباً ما تختاره الأقلية لأنّه يمكن أن يؤدّي إلى الموت. أعدتُ التأكّد من الطلاب إن كانوا واثقين من خيارهم، إلى أن اكتشفت بأنّ الذين شاهدوا النهاية الأولى في اليوم السابق طلبوا من أصدقائهم أن يختاروا النهاية الثانية كي يتشاركوا في مجريات الأحداث.

هذه طريقة ذكية كي تدفع المُشاهدين إلى تبادل الآراء حول الفيلم.
- هذا الأمر كان أحد أهدافي حين قررتُ أن أجعل الفيلم تفاعلياً وأُدخِل عملية التصويت إليه.

وما الأهداف الأخرى للتصويت؟
- أهدافٌ تربوية تجعل من الفيلم تجربةً مفتوحةً لا تنتهي بإنتهاء الفيلم. كلّ نهاية من النهايات الثلاث تعكس منطقاً معيّناً في التفكير، لذلك أنا أجمع نتائج التصويت من كلّ عرضٍ كي أقوم بدراسةٍ نفسية وإجتماعية حول طريقة تفكير الجيل الجديد من الطلاب من مختلف المناطق والبيئات الإجتماعية والثقافية والإقتصادية.

إستعنت في الفيلم بممثلين محترفين، هل واجهتَ صعوبة في إقناعهم بالمشاركة معك؟
- على العكس، فحين عرفوا بأنّ الفيلم تربوي أحبّوا المُشاركة، خصوصاً بعدما قرأوا النص، أضف إلى أنّهم أرادوا دعمي في فيلمي الأول الذي أقوم بإنتاجه بنفسي. على كلّ حال هم جميعاً أصدقائي وتربطني بهم علاقة متينة: ريتا حايك ونيللي معتوق أعرفهما منذ أيام المراهقة، كارلا بطرس أشعر بأنّها فردٌ من العائلة، جهاد الأندري وعصام الأشقر ممثلان أحترمهما جداً وتعود معرفتي بهما إلى عشرة أعوام، أمّا نتالي سلامة فهي زوجتي ووالدة طفلتي.

هل وضعت زوجتك الممثلة نتالي سلامة شروطاً قاسية عليك كي توافق المشاركة معك؟
- (ممازحاً) ألف شرط! (بجدّية) في الواقع تعاملتُ معها، كما مع باقي الممثلين المحترفين، بكلّ تقديرٍ لمواهبهم، لذلك كانت الأدوار مكتوبةً على قياسهم وتحتاج إلى قدرات تمثيلية لا يستطيع أداؤها إلّا المحترفين.

هل تحضّر لأفلام جديدة؟
- هناك فكرة جديدة جاهزة في رأسي، تنطلق أيضاً من واقع الجيل الشاب، ولكنّني سأقدّمها في قالبٍ مختلف بحيث يمكن عرض الفيلم في الصالات السينمائية، وبالتالي لن يكون الفيلم تربوياً فحسب، بل جماهيرياً يحمل رسائل متنوّعة.

وهل سيكون من إنتاجك أيضاً؟
- هذه المرّة صرتُ قادراً على التأكيد للمنتجين بأنّ النتيجة ستكون جيّدة، صرتُ أملكُ إثباتاً بين يدَي.

هل كتبتَ النصّ؟
- ليس بعد، ولكن إذا اتصل بي اليوم أحد المنتجين متحمّساً للفيلم الجديد، يمكنني أن أسلّمه النص جاهزاً بعد عشرة أيام!


"الكلمة الأخيرة"، هذا الفيلم الذي نجح في الاستفادة من اللغة السينمائية لإلقاء الضوء على مواضيع تهم الشباب وأهلهم، بهدف إرشادهم بشكلٍ مقنع وهادف لإختيار الطريق الأمثل في الحياة، ننصح بمشاهدته في كلّ المدارس أو في أيّ صالةٍ في كلّ المناطق اللبنانية، وحتّى العربية.

يمكن التواصل مع المخرج يوليوس هاشم عبر البريد الإلكتروني: [email protected]