الأطفال ضحايا العنف

الأطفال ضحايا العنف

التقرير الصادر قبل أيام عن منظّمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) يُثير القلق، ويجعلنا نتساءل إذا كان العالم يتقدّم أم يتراجع في المفهوم الحضاري.


ومما جاء في التقرير: إن 28 مليون طفل محرومون من التربية بسبب نزاعات مسلّحة تُعرِّضهم لهجمات مُتَعَمَّدة مثل الاغتصاب والعنف.

وأطلقتْ المنظَّمة على هذه الحالة اسماً غريباً إذْ دعَتْها: الأزمة المخفيّة؛ فمن أصل 67 مليون طفل لا يُرسلون إلى المدرسة، يُقيم 28 مليون منهم في دُولٍ فقيرة تشهدُ نزاعات.

وإضافة إلى ما تقدّم، أورد التقرير أن رقم 28 مليوناً يعود إلى العام 2008 إذْ ليست هناك أرقامٌ سابقة لهذا التاريخ.


أشرفَ على إعداد التقرير «كيفين واتيكينز». وقد أشارَ إلى أن أبرز المشاكل الرئيسية تتمثّل في استهداف الأطفال والمدارس عمداً، من قِبَل أطرافِ النزاع.

فقد سُجِّل في أفغانستان عام 2009 ما يقارب 613 هجوماً على مدارس. و374 في العام 2008.

واستخدمت أعمال عنف واغتصاب بشكلٍ واسعٍ كجزء من الخطّة الحربية. وهكذا باتَ الخوفُ مستولياً على وعي الطلاب. وهو خوفٌ من القتل، أو من الاغتصاب بالنسبة للفتيات.


ومن بعض ما ورد في تقرير اليونيسكو أن نظام المساعدات التي تُقدَّم في أوقاتِ الحروب والاضطرابات لا يَحسب للأطفال حساباً، ممّا يزيد تفاقمَ الأزمة.

وعندما تُخصَّصُ مساعداتٌ إنسانية للإغاثة في زمن الحروب والاضطرابات فإن ما يلحق المساعدات التربوية لا يزيدُ على 2 بالمائة.


أما الحلُّ الذي تقترحُه المنظّمة فهو تشكيلُ لجنةٍ دولية حول الاغتصاب وأعمال العنف، وتكون مدعومةً من المحكمة الجنائية الدولية. كما طالبتْ بإصلاحِ نظام المساعدات الإنسانية على ضوء الحاجة والواقع.


في خلال حرب فييتنام في ستينات القرن الماضي، أطلقتْ إحدى الأمهات صرخةً أصبحتْ شعاراً إذ قالتْ: نحن نلدُ الأطفال، ونسهرُ على تربيتهم وتنشئتهم ليُصبحوا شباباً وأنتم تقتلونهم.

وكانت، بالطبع، تُوجّهُ خطابَها إلى القوى المتحاربة، ولم يكن بين أفرادِها أمٌ واحدة!.


ما جعلَني أتوقفُ عند هذا التقرير هو صدورُه عشيّةَ مناسبتين تخصّان المرأة: يوم الثامن من آذار، والمكرَّس للمرأة منذ أن اختاروا تسميته: اليوم العالمي للمرأة.

أما المناسبة الثانية، فهي يوم الحادي والعشرون من شهر آذار أي يوم عيد الأم، وقد اعتادت المؤسسات النسائية، الاحتفال بكلٍ من المناسبتين، فتُلقى الخطب، وتُقدَّم الهدايا، ثم يمضي الزمن. وتبقى الأحوال على حالها.


لقد تابعتُ الخطابات، واطلعتُ، من خلال الصحف، على كلماتٍ تقليدية، تتكرّرُ وتتردّدُ في مثل هذه المناسبات، من دون أن تُحدثَ تغييراً؛ إذ ليس بالكلام وحدَه يتحقّقُ الإصلاح، بل بالنظر في عين الواقع والعمل الجدّي من أجل التحسين.

وهل يمكن أن يتحقق الإصلاح المنشود، في ضوء ما نشاهدُ ونسمع، وخصوصاً في عالمنا العربي اليوم؟ ومن كل التقارير الواردة في وسائل الإعلام، عن الاضطرابات، لم يأتِ تقريرٌ واحدٌ على ذكرِ الأطفالِ وأحوالهم.

وعندما يحتلُّ الثوّارُ والمقاتلون شوارعَ المدن وأزقَّتَها، ويرسلون حممَ نيرانهم في كل صوب، أين يكون الأطفال، وكيف هي أوضاعُهم؟


ربما لأني من جيل عانى ويلاتِ الحروب، أشعرُ بأن الأمرَ يعنيني شخصياً، إذ إني أنظرُ إلى ما يحدثُ بعين الأم.

ولن أنسى أبداً سؤال ابنتي، وكانت ما تزال طفلة في خلال الحرب في لبنان: أين أضع رأسي،

يا أمّي، حتى لا تصيبني شظيّة أثناء النوم؟


نعم، بماذا تُجيب الأمّ؟ وكيف تُهدئُ من روع أطفالها، حين لا يكون زمامُ الأمورِ في يدها؟

 

وماذا لدى كبار المسؤولين من أجوبةٍ على ما يُثيره تقريرُ اليونيسكو من قلقٍ على الطفولة؟ وهل لديهم جواب؟