موسم الامتحانات

هذا عنوان أول غنوة تغنَّى لي، كتبتها في عام 1979، وكنت في الرابعة والعشرين، تخرجت منذ عام في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بجامعة القاهرة، وأعمل معيدا في القسم منذ عام أيضا، أي أن أصداء حالة الامتحان وحالة الربيع التي تتزامن معها لا تزال حية في نفسي لم يمر عليها من الوقت إلا القليل.

وتقوم الأغنية على ذلك التزامن المتناقض والمتعارض بين فصل الربيع ذي الطير المغني، والدفء والزهور حين تحلو البنات في عين الأولاد أكثر من كل وقت، وكذلك الأولاد في عين البنات، أي بين موسم الحب وموسم الامتحانات، أو حمى الامتحانات حيث الكدح والخوف والتوتر والقلق واليأس والطموح والأمل.

وتتفاقم الأزمة عند تلك الطائفة من الطلبة الذين يهوون الفن، فلا يحلو لهم كتابة الشعر إلا في عز الامتحانات، أو الرسم أو كتابة القصص، وهو سلوك هروبي معروف حين تزيد الضغوط النفسية ويرتفع معدل التوتر.

تبدأ الأغنية بهذه الرباعية:

أبريل، ومايو، ويونية.

موسم الامتحانات

ليه بتحلوي يا دنيا

في الوقت دا بالذات؟

ثم تتساءل الأغنية –على لسان كورال يمثل جموع الطلبة، أو اتحاد الطلبة إن شئتم- تتساءل: كيف تختار قلوبنا ذلك الوقت بالذات لتدق، وتلوم الربيع على ذلك، إذن هو ليس اختيارا من قلوب شابة مسكينة، بل هو أمر جبري يعود للطبيعة، لقوانين الطبيعة في فصل الربيع، الذي يؤثر على كل المخلوقات من طير وحيوان ونبات، بمن في ذلك الإنسان، والإنسان الشاب على وجه الخصوص، وأعني بالإنسان الشاب الجنسين بالطبع، أيتها الإنسانة الشابة.

وهو تساؤل ينطوي على بعض الاحتجاج:

ليه يا قلوبنا بدأتوا

في الحب ودقدقتوا؟

يا ربيع هو دا وقته؟

دا احنا ورانا شهادات!

ويحاول الطلبة المساكين التركيز في صفحة، لكن الربيع اللعين يتسلل إليهم سائلا في حبر أقلامهم أو ذائبا في رصاصها، ويعلن احتلاله المكان بأن يطبع شعاره الرسمي على أوراق الكتب:

بقى دا اسمه كلام يا قلوبنا؟

نرسم صورتك في كتبنا

ومهما قلنا تُبنا

ترجعي تملي الصفحات!

وتتطور بنبرة الاحتجاج إلى حالة شجار مع الربيع، وأنا لا أستطيع لوم الطلبة على تلك «النرفزة» فمعهم كل الحق، لكن هل الحق على الربيع؟ هل يستطيع أن يغير موسمه؟ أيا كانت الإجابة هم يطالبونه بذلك، وأعتقد أن الربيع سيعذرهم على حدة النبرة في عتابهم له، فكثرة السهر وشرب الشاي والقهوة والخوف من الامتحان ومما يعطل عن المذاكرة، كل هذا يجعل أعصابهم متوترة، ونبرتهم حادة حين يقولون:

يا ربيع اظبط مواعيدك بقى وتعالى في وقت سليم

ما هو كده لا ح ننفع في المعشقة ولا نفلح في التعليم

ولا ح ينوبنا غير التريقة كلنا صبيان وبنات

***

الآن وقد مر على تلك الأغنية اثنان وثلاثون عاما، وعلى ذلك الربيع بدفئه وخيره وشره كل تلك الأعوام، ما يخفق به قلبي، حين يأتي أبريل ويقترب موعد الامتحانات، هو الخوف من أن يعطل دفء الربيع وأثره المنعش في القلوب، أن يعطل ابني الشاب عن التركيز في مذاكراته، خاصة أنه في سنته النهائية بالجامعة، وأرجو له أن يتخرج بتقدير.

إن إحدى العبارات التي تصلح أن تكون تعريفا للشيخوخة تخطر على بالي الآن:

«الشيخوخة هي فقدان نضارة الإحساس»

فحين أتذكر ما كنت أشعر به من نشوة ومن شجن حين ينزل المطر، أتعجب من أنه ينزل عليَّ الآن، فلا أشعر بأي شيء سوى أن قطرة ماء نزلت على رأسي!

كذلك الربيع، وما كان يجلبه الربيع من نشوة ودفء في القلب، كل هذا تحول عندي إلى فكرة مجردة، أو قولي ذكرى مجردة.

على أن هذا أيضا أمر جبري تفرضه قوانين الطبيعة، الحياة للشباب والشابات، ومن هم ما زالوا محتفظين بشباب الروح، وما زال قلبهم يخفق خفقة خاصة حين دخول الدفء، وتألق الطير في الطرب والغناء