هي أستاذة اللغة العربية، وقد أنفقتْ نصف قرن من عمرها في تدريسها؛ أو كتابة أبحاث ودراسات حولها.
وعندما بلغت مرحلة التقاعد، غادرتْ كرسي التعليم في الجامعة، لا لتستريح في البيت، بل لكي تبدأ مرحلة جديدة من العمل، وفي حدود اختصاصها.
>>>
وللسيّدة المقيمة في لبنان أبناء وبنات هاجروا إلى بلاد يتكلّم أهلها لغات أجنبية؛ ومن الطبيعي أن تصبح تلك لغةَ أبنائهم ـ أحفادها.
لكن صاحبتنا التي أحبّت لغتها العربية وغرستْها باكراً في كيانها، يعزُّ عليها أن يكبر الأحفاد في الغربة ولا ينطقون بلغة أهلهم وأجدادهم: العربية. فما العمل؟
>>>
يقول مثل إنكليزي ما ترجمته إلى العربية «إذا حضرت الإرادة وجد الطريق». ووجدت السيدة طريقَها في أحدث وسائل العصر للتعليم والتربية: «الإنترنت». وأصبح صلة وصلها بهم، في محادثتهم، ثم في تعليمهم وتلقينهم العربية. ولحسن الحظ أنها وجدت تجاوباً مع الأحفاد.
>>>
كنتُ أصغي إليها تتحدث عن تجربتها تلك في خلال ندوة أقيمت حول الغربة، وما ينتجُ عنها من مشاكل ومصاعب، فتمنّيت لو أن تجربتها تصبح سلوكاً عاماً في التواصل مع أجيال تنشأُ في بلاد هجرتها.
>>>
في بعض بلدان الاغتراب، مثل كندا، ترصدُ وزارة التربية أو الثقافة ميزانية معيّنة لتدريس الأطفال لغاتِ أوطانهم الأصلية. ويقوم بالتعليم بعضَ المتخصّصين المقيمين في تلك البلدان.
لكن المشكلة هي في أن تعليم تلك اللغة، يبقى خارج المنهاج المعتمَد، وتُدرَّس في أيام تُحسبُ من العُطلة المدرسية، مما يزيدها تعقيداً وغرابة، لأنّ التلميذ الناشئ يفضّل قضاء أوقات عطلته المدرسية في اللهو واللعب، لا في محاولة فكّ الألغاز والرموز. وبدل أن يُحبَّ اللغة التي تُقدَّم إليه في تلك الأوقات، تصبح، في مفهومه، حاجزاً يحول دون ما يتوق إليه من لعب ومرح.
لذا تأتي النتيجة عكسَ المبتغى، وتكون ردّة الفعل سلبية.
ومن بعض ملاحظاتي عندما كنت أقوم بزيارة الأهل المقيمين في الغربة، أن الأولاد، في سنّ الطفولة، يرفضون التحدث إلى والديهم بلغتهم الأم، وإذا كلمُوهم بها لا يردون. وذلك، في نظر المختصّين بالتربية ليس خجلاً بذويهم أو لغتهم بقدر ما هو توقُ الأولاد في الاندماج بالمحيط وعدم الاختلاف عن أترابهم.