المرأة في الإسلام لا تقل مكانة عن الرجل

بداية، كيف نظر الإسلام إلى المرأة؟

أثناء وجودي في الغرب، كان السؤال عن نظرة الإسلام للمرأة من أهم الأسئلة الملحة لديهم، فكنت أقول لهم لدينا في القرآن 114 سورة، منها سورة تسمى سورة «النساء»، وليس لدينا سورة تسمى سورة الرجال، كذلك لدينا سورة «الطلاق»، والتي تسمى سورة النساء الصغرى، وفي مسألة الهبة يقول الله عز وجل: «يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ»، هنا قدم الله، عز وجل، هبة الإناث على هبة الذكور، فالمرأة في الشريعة الإسلامية لا تقل مكانة عن الرجل.

والنبي، ]، قال «النساء شقائق الرجال»، والقرآن دائمًا يقول المؤمنين والمؤمنات، القانتين والقانتات، الصادقين والصادقات، الصابرين والصابرات.. فالمرأة مثل الرجل.. يقول تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً».

 

ليست أفضلية

لماذا ترث المرأة نصف ما يرث الرجل؟

قضية أن المرأة ترث نصف ما يرث الرجل، هذا التعبير بهذا الأسلوب خطأ، فلا يوجد تعبير فقهي يقول إن المرأة ترث نصف الرجل، فهناك حالة تكون فيها المرأة في نفس الدرجة مع الرجل وترث أكثر منه، وهناك حالة تكون المرأة في نفس درجة الرجل وترث نسبة مثله، وهناك حالة تكون المرأة مع الرجل في نفس الدرجة وهو يرث أكثر منها. فمثلاً: توفي رجل وترك زوجته وابنًا ووالده ووالدته، هنا الوالد والوالدة في نفس الدرجة، فيأخذ الأب السدس والأم تأخذ السدس.

مثال آخر: ماتت امرأة وتركت زوجًا وأبًا وأمًا، الزوج سيرث النصف، والأم سترث الثلث، والأب يرث الباقي، إذن هنا الأم كان نصيبها أكثر من الرجل.

أما في حالة أن يرث أخ وأخت فسيرث الذكر هنا ضعف الأنثى. ففي هذه المسألة يكون تطبيقًا لقول الله: «يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ». مع العلم أن نفقة هذه الأخت على أخيها، وعند زواجها يدفع لها مهرًا، بينما الأخ يدفع هو لمن سيتزوجها مهرًا، فهنا الموقف طبقًا لمسؤولية التوزيع.

ما هو قصد الرسول، صلى الله عليه وسلم، من قوله «ناقصات عقل ودين»؟

خلق الله الإنسان مكونًا من عقل وعاطفة، وأهم ما يميز الرجل أن يسبق العقل شهوته وعاطفته، أما أهم ما يميز المرأة أنها كائن ودود رحيم حنون، فالنبي، عليه الصلاة والسلام، عندما أراد أن يقرب لنا مثالاً عن رحمة ربنا قال: «الله أرحم بنا من الأم بولدها»، فلماذا لم يقل من الأب بولده!

كذلك لم يعن على الإطلاق «ناقصات عقل» أن المرأة أقل في الحكمة أو التدبر من الرجل، فالمعرفة لا ينفرد بها الرجال دون النساء، فالفاروق عمر بن الخطاب عندما راجعته زوجته قال لها: «أتراجعينني! »، فقالت له: «أوأنت أكرم من رسول الله؟ إن حفصة ابنتك تراجع رسول الله»، فذهب عمر إلى حفصة ابنته وقال لها: «بلغني أنك تراجعين رسول الله»، فقالت حفصة: «عجبًا لك يا أبتي أتتدخل بين رسول الله وزوجاته»، فخرج عمر وقال: «أدبتني حفصة».

وأول مقاتلة في الإسلام السيدة نسيبة بنت كعب الأنصارية، وكانت تدافع عن رسول الله، ]، يوم غزوة أحد.

وعندما سئل النبي، عليه الصلاة والسلام، من أحق الناس بحسن صحابتي، قال أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.

وآخر البيانات التي قالها النبي، عليه الصلاة والسلام: «استوصوا بالنساء خيرًا»، وهنا قال «النساء»؛ أي الأم والأخت والزوجة والابنة والعمة والخالة وجميع النساء، إذن في قضية نقصان العقل ونقصان الدين؛ فالعقل لأن عاطفتها تسبق عقلها، والدين لأن لها إجازتها الشهرية من بعض العبادات.

 

رعاية ومسؤولية

ما المقصود بالقوامة في الإسلام؟

القوامة تعني الحراسة والخدمة وتلبية الطلبات والاحتياجات، ولم تعن أن القوامة هي الأفضلية. أما بالنسبة لقوله تعالى: «وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ»، هنا البعض يطبق قول الله دون فهم ويسيء معاملة زوجته ويضربها.. فما القصد الصحيح لقول الله تعالى في الآية الكريمة؟

أولاً، هناك أمور في الدين نقرؤها في الكتاب والسنة، وتطبيقها نعرفه من فعل سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: «لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ».. فنتساءل هنا كيف تعامل النبي، عليه الصلاة والسلام، مع المشاكل الزوجية في بيته؟ فقد تعامل مثلما علمنا القرآن «ادفع بالتي هي أحسن»، وما ضرب رسول الله شيئًا بيده قط، لا خادمًا ولا امرأة، وعندما سئلت عائشة، رضي الله عنها، عن حال رسول الله في بيته، قالت: «كان بسامًا ضحاكًا، كان ألين الناس في بيته»، وكان رسول الله يخيط ثوبه ويقوم في خدمة أهله. وهو الذي علمنا، ]: «خيركم؛ خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».

ثانيًا: لفهم النص نفسه يجب أن نعرف ما المقصود بهذا النص، فليس كل فعل أمر في القرآن يقتضي الوجوب، فهناك أفعال أمر للإباحة مثل «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض»، فهل إذا جلس المسلم في المسجد بعد الصلاة يكون آثمًا؟ بالطبع لا. كذلك في قوله تعالى: «وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ»، هنا فعل الأمر «اضرب» لم يأثم من لم يمارسه.

كذلك فالقرآن يحب مبدأ الوقاية خير من العلاج، فيقول للزوج إذا شعرت أن زوجتك متغير حالها «فعظوهن»، والموعظة هي الكلام الرقيق الذي يظهر خوف الواعظ على زوجته، ثم قال: «وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ»، ولم يقل «من المضاجع»، فالقرآن مبني على الستر، فإذا ترك الزوج فراش زوجته فسيعلم الأولاد أن هناك مشاكل بين الأب والأم، فإذا لم تأت الموعظة أو الهجر بنتيجة، أصبح أمام الزوج حلان: إما الطلاق، أو أن يقسو بالضرب، ولكن هنا الضرب له شروط، ألا يبان إبط الضارب بوضع المصحف تحت إبطه فلن يستطيع رفع يده ولن يتبقى سوى راحة اليد بما بقي من ساعده، فهنا يكون ضربًا غير مبرح، كأن أعبر عن غضبي بصورة لا تصل إلى الآلام الشديدة.

 

عمل المرأة

قد يفهم البعض أن الإسلام يحرم عمل المرأة، كما في قوله تعالى: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى»، وقوله، ]: «المرأة عورة، وإنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها»، فما الفهم الصحيح هنا؟

نحن نرغب في الحفاظ على المرأة، ولم نقل أن المرأة لا تخرج إلى العمل، والإسلام لم ينه عن عمل المرأة، ولكن هناك أولويات، فإذا أدت امرأة دورها في البيت ولم تقصر فيه، وخرجت لعمل لا يقلل من شأنها ولا يمتهنها ويحافظ على كرامتها، فلا بأس.

وبالنسبة لمسألة الاختلاط، فهناك فرق بين الاختلاط والخلوة الشرعية.. قَالَ ] «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»، فإن وجد رجل وامرأة غرباء في مكان مغلق وحدهما فهذا منهي عنه شرعًا. أما الاختلاط بأن توجد مجموعة من النساء مع مجموعة من الرجال في مكان واحد ما دام في إطار شرعي، فلا يوجد مشكلة، فنحن نطوف حول الكعبة رجالاً ونساء، مادام النساء في حجابهن الشرعي، وكذلك في قاعات العلم، مادام البنات في حجابهن الشرعي، ولم يجلس الولد بجوار الفتاة، أي الاختلاط هنا في إطار شرعي.

هل نفهم من الحديث الشريف «المرأة عورة»، وكذلك قول الله: «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا» أن الإسلام حرم الزينة على المرأة؟

القرآن يقول: «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا»، والزينة هي وصف غير منضبط، قد يختلف من مجتمع لآخر، المهم أن يكون في الإطار الصحيح بألا يظهر منها إلا الوجه والكفين، وهناك من يرى ألا يظهر من المرأة شيء، وهذا رأي آخر، ولكل منا أن يعمل بما يقتنع به من آراء.

وكذلك يرى البعض أن صوت المرأة عورة، فكيف وزينب بنت رسول الله، ]، قامت في المسجد النبوي بعد الصلاة وقالت: «أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع»، وسمع كل من في المسجد، والنبي، عليه الصلاة والسلام، قال هل سمعتم ما قالت، ولم ينكر النبي، عليه الصلاة والسلام، عليها ذلك. فمسألة صوت المرأة (الطبيعي) والأخذ والعطاء وطلب فعل شيء، هذا أمر عادي، إذ كيف تسير حركة الحياة بدون ذلك، أما غير ذلك فالقرآن يقول: «فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ».

تعدد الزوجات

يرى البعض أن في إباحة تعدد الزوجات للرجل انتقاصًا من حق المرأة، خاصة أن بعض الرجال يتزوجون على زوجاتهم دون وجود عذر حقيقي؟

كما قلت سابقًا، ليس كل فعل أمر يقتضي الوجوب، إذن في قوله «فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ»؛ انكحوا هنا فعل أمر لا يقتضي الوجوب.

والزواج أصلاً في الشريعة الإسلامية يدور حكمه بين الأحكام الخمسة، يمكن أن يكون واجبًا، أو سنة، أو حرامًا، أو مكروهًا، أو مباحًا. الواجب إذا كان هناك شاب لديه مال وبيت وحوله فتن ولا يستطيع السيطرة على نفسه، ولا يوجد مانع للزواج، فأصبح الزواج هنا واجبًا. ويمكن أن يكون حرامًا، كالمصاب بمرض، فإذا تزوج فسيؤذي زوجته ولا تستطيع أن تقضي حقها منه. ويمكن أن يكون الزواج سنة، فمثلاً شخص متزوج وزوجته لا تنجب، فأشارت عليه زوجته بالزواج من أخرى، وهو لم يرغب في أن يجرح مشاعرها، فيكون هنا الزواج سنة، ويأخذ أجرًا على إنجاب الذرية. ويمكن أن يكون الزواج مباحًا يستوي فيه الفعل والترك. أما الزواج فيكون مكروهًا إذا كان هناك شخص متزوج وأنجب أولادًا وزوجته صالحة وتعامله بما يرضي الله، وتفي بحقه عليها، ويرغب في الزواج دون سبب، ويترتب على ذلك هدم البيت الأول، والحنابلة يقولون هنا إنه يجب عليه إخطار الزوجة الأولى وموافقتها. فمن حق الزوجة ألا تقبل أن تكون ضرة، والبيت الذي تدخله المرأة برضاها لا تبيت فيه ليلة واحدة بدون رضاها.

أرغب في النهاية أن أقول للمجتمع بصفة عامة، أولاً: رفقًا بالقوارير، كما علمنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثانيًا: أن يتوقف الناس عن إقحام أنفسهم في تأويل النصوص الشرعية بدون علم؛ لأنه قد يضر أكثر مما ينفع، وألا نفتي بظاهر النص، فهذا النص ليس بمعزل عن بقية النصوص، فالله يقول: «ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً»، فالإسلام بضاعة مكتملة الأركان.