mena-gmtdmp

فرحة لم تتم

أميمة عبد العزيز زاهد

رضيت بنصيبي معك رغم اكتشافي من أول يوم من زواجنا أنَّك تعاني من عدم توازن في شخصيتك، قنعت بحياتي ولم أتذمر من صفعاتك المتتالية، ورضيت بتناقضاتك الغريبة، وبتحكماتك في كل صغيرة وكبيرة، واعتدت على تلبية حقوقك برضا، وكان رضا المضحِّية الصابرة والهاربة من أب لا يعرف معنى الرحمة ولا الرأفة ولا الحنان ولا التفاهم، وكنت أطمع بحياة الاستقرار معك، لكنك استطعت أن تزرع في نفسي الإحساس بالقهر المكبوت في أعماقي، حتى حانت اللحظة المشؤومة التي غبت فيها عن عالمي، لحظة حاولت فيها أن أدافع عن بعض آدميتي معك. لحظة دفعتني فيها بعنف لأسقط على الأرض وأنا مذعورة مضطربة، وإحساس بالذل يتسلل إلى كياني مع كل حرف وصل إلى أذنيَّ وأنت تقذف في وجهي بالطلاق والعودة من حيثُ أتيت بعد زواج لم يحتفل بعامه الأول، هي لحظة سرقت فيها الدنيا كل أفراح عمري المؤجلة، وعشت بعدها العذاب مجدَّدًا ومجسَّدًا في منزل أسرتي. فأبي رفض عودتي للمنزل حتى تدخل أهل الخير لإقناعه، ولم يكلف نفسه حتى مشقة السؤال عن سبب رجوعي أو حتى التفاهم مع زوجي الذي طردني من منزلي، ورأيت في عيونهم نظرات الاتهام لكل حركة أو همسة أو موقف، وكأن العالم توقف عند مشكلة طلاقي، ووجدت أنني أحيا بينهم القهر والظلم، ولم أجد سوى دموع الحسرة في عيني أمي التي لا تملك من أمرها أو أمري شيئًا.

وبعد أيام عشت فيها الذل والإهانة والخوف في بيت أهلي لم أجد أمامي سوى أن أعود لك رغم كل ما حدث فليس أمامي خيار آخر، سأعود مهما كلفني الأمر، فبقائي هنا بات في حكم المستحيل. ومرت أيام وليالٍ كئيبة وعنيدة رمتني فيها الأفكار وسط دوَّامة من اليأس، لكن من أجل قراري لا بد أن أتحمَّل، وهانت عليَّ نفسي في كل ما تخيلته عن حياتي بعد العودة، ووقفت أمام بيتي السابق أنتظر حتى ظهرت أمامي أختك، وفي عينيها آثار بركان ما لبث أن فجرته وسألتني عن سبب الزيارة. لجمتني المفاجأة غير المتوقَّعة من إنسانة تعلم تمام المعرفة مرض أخيها وظلمه لي. حاولت أن أتكلم أو أعلن عن معاناتي، لكن العبارات اختنقت في جوفي بمجرد ظهور والدتك التي كررت نفس السؤال بكل تسلُّط، وقلت بإصرار: إنني أريد العودة لزوجي، صرخت وقالت هو لا يريدك ولن تعودي إليه. رجوتها أن تسمعني ودموعي تبلل يدها مرددة في ذل مستحيل أن تنتهي حياتي هكذا. وبكل غلظة دفعتني من أمامها وأمرتني بالخروج، ووصفتني بأني إنسانة بلا كرامة أو كبرياء، ذابت فوق شفتيَّ همسات الاستجداء وغمرني تحدٍ مشحون بالإصرار، حتى ظهرت أنت أمامي متصلبًا ساكنًا من دون حراك، تحاول أن تبعدني عنك وتخشى النظر في عينيَّ، وتحركت شفتاك لتخبرني بأن أنفِّذ كلام والدتك، وكأني كنت أنتظر مزيدًا من الإهانات، وبكل دهشة وانكسار انصرفت بخطوات تتعثر وأنا أبكي على كياني الذي ضاع مني، وفكرت إلى أين أذهب، لا أدري، هل ألجأ إلى إحدى قريباتي؟ لكن لن تلبث أن تستعين بأبي خوفًا من بطشه، ولم أعد أرى أمامي سوى أشباح هائمة، وازداد نحيبي مع أنفاسي اللاهثة ودموع المذلة تحجب عني الرؤية، ووجدت أنَّه لا مفر من العودة إلى مدفني، وسرحت على منظر والدي، وهو يتوعدني بتمزيق جسدي ويبشرني بحياة الحرمان، وتخيلت منظر أخي وهو يهددني بأني لن أتذوق الراحة، ولن أعرف الاستقرار لو عدت لهم، فأنا في نظرهم لا أستحق الرأفة أو الرحمة، وسرت قشعريرة في كياني وإنسانيتي، يا إلهي أتكون هذه نهايتي!

 

أنين امرأة

أنت تعاني يا سيدي من الشعور بالنقص في رجولتك بجانب عدم التربية الصالحة في طفولتك، ولم تجد متنفسًا لتعوِّض به نقص هذا الشعور إلا بإذلالي وإهانتي؛ لتثبت لنفسك أولاً ولأهلك ثانيًا ولمجتمعك ثالثًا بأنك تملك جارية في منزلك تهينها وقت ما تشاء، وتمنحها تأشيرة خروج نهائي من حياتك وقتما تريد، وأنا ماذا أفعل أو أقول في أهل يعتبرون المطلقة إنسانة منبوذة لا تستحق أن تحيا حياة طبيعية، وعليها أن تدفع ثمن لقبها غاليًا