سرت مع قطار العمر الذي مضى بي في رحلة مفتوحة، رحلة مشيت فيها من دون أنيس أو وليف، رحلة عشت فيها الغربة ولم انتبه أنَّ قطار الزواج تكاد كل محطاته تتجاوزني إلا بعد أن انتهيت من تحقيق ذاتي، تذكرت أني كنت أرفض كل من تقدم لي بحجة أنني لا أريد أن أتزوج بالطريقة التقليديَّة، تقدم لي العديد من الشبان ورفضتهم جميعًا بجفاء شديد، واستعلاء كبير، كنت أستكثر عليهم أن يطمح أحدهم بالفوز بي، هذا لتواضع إمكانياته، وذاك لثقل ظله، وذلك لأنَّ حديثه لم يعجبني، وكانت والدتي تقول لي إنَّ كبرياءك، وغرورك سوف يقفلان أمامك الأبواب، ويقللان فرصتك في الاختيار، فالمواصفات الغريبة التي تطلبينها، والمقاييس العجيبة التي تشترطينها يندر وجودهما، ويعزّ تحصيلهما، ويصعب تحقيقهما.
فلن يأتي من يرضيك ماله، وجماله، ونسبه وحسبه، ومنصبه، وعمله، وسنه، ورسمه، و...و...
ولن يأتيك من يرضى بشروطك التي لا تقبل التفاوض، وأوامرك التي لا تتحمل المناقشة، وطلباتك التي لا يسعك التنازل عنها. لحظتها لم أكن أشعر بقيمة تلك النصائح، فقد كنت أعيش بشعور آخر، كنت أحس بأنَّ قلبي وعقلي ومشاعري ورأسي وجسدي كلها من ممتلكاتي الخاصة التي لا يحق لأحد أن يشاركني فيها، ولماذا أصلا أَربط مستقبلي بالزواج، فأنا لست ساذجة لكي أتخيَّل زوجًا وهميًا ينتشلني من حياتي، ولماذا أوقف حياتي على رجل ربما أمتلك قدرات أفضل منه؟ فهذا الزوج المنتظر لن يستطيع تطوير عَقلي ولن يضيف لشخصيتي، من قال إنَّ مستقبل الفتاة فِي «بيت زوجها»؟ وأخيرًا أنهيت دراستي، ودخلت لمرحلة جديدة من إثبات الذات، وخضت مجال العمل حتى وصلت إلى مركز مرموق، وفي قرارة أعماقي كان كل اجتهادي وجديتي في العمل ما هو إلى تعويض عن فشلي في حياتي الخاصة، أو بالأحرى فشلي العاطفي.
حقيقي لم أكن أخطط لعدم الزواج، لكن كنت أؤجل قراري، ومع الأسف هذا ما تحقق في الواقع، فمضى بي قطار العمر في تحقيق الطموحات، وعندما انتهيت من تحقيقها اكتشفت أنني كبرت، وفاتني القطار، ولم أجد زوجًا مناسبًا وملائمًا، ومن يناسبني أجده لا أحوز على إعجابه، لكن الأمل الآن أصبح ألمًا، والشوق أصبح شقاء، والأحلام استحالت حرمانًا، بعد أن نفد صبري لطول انتظاري لمن يشاطرني حياتي، ويشاركني عمري، ويقاسمني مستقبلي، فقد انطوت صفحات حياتي، والآن أنا لا أرفض واقعي، وأتعامل معه بكل رضا حتى لا أقع فريسة للوحدة والوهم. أحاول أن أعوض ذلك بمواصلة تحقيق ذاتي وأساعد نفسي للخروج من أزمتي، والدخول في علاقات اجتماعيَّة في محيط عائلتي.
همس الأزاهير
لي عيون ما يفارقها الحزن الفرح فيها اغترب مبطي ومات
ولي خفوق بنبضته همٌّ يكن في حياتي صار لي همي حياة
ولي ملامح من يراها ما يظن إن لي فكرًا عجز ليلة يبات
خالد عبد الرحمن
أنين العنوسة
كم من فتيات تمسكن بالأمل في ظهور فارس الأحلام، فأقمن بينهنَّ وبين أحلامهن جدارًا، ومن ورائه جدار ثم مرّ العمر ولم يبق للحلم من مستقبل سوى أن ينهار.
سهام ذهني