ما بين الحب والتعلق

لطالما سمعنا أن الحب هو عذاب وتضحية ودموع، وفي كل مرة ننظر إلى رجل أو امرأة ونراهما يتألمان في العلاقة، نوعز هذا الألم إلى الحب، حتى أنه أصبح جزءًا من مفهومنا عنه.
ولكن هذا الألم الذي نسميه حبًا، هو ليس سوى تعلقٍ في الحقيقة، هذا ما تقوله د. جوليت أمهز، المتخصصة في علم نفس ما وراء الشخصي، إذ تسيطر على التعلق الانفعالات والنزوات؛ حيث ينجذب الشخصان لبعضهما البعض؛ فيختاران بعضهما البعض لأن في داخل كل منهما جرحًا لفكرة خاطئة تريد أن تتجلى، وعندما تتجلى هذه الفكرة، يصبح الجرح أعمق والألم أكثر إيلامًا.
وبتجلي هذه الفكرة، يبدأ كل منهما يشعر بالضعف أكثر، ليسعى كل منهما بدوره للسيطرة على الآخر بأية طريقة من الطرق، حتى لو كانت هذه السيطرة عن طريق التلاعب بالشخص الآخر، لأن هذا التلاعب يجعل المتلاعب يشعر أنه قادر على السيطرة، ولكنه ليس سوى انعكاس للضعف الذي يشعر به، حتى أنه يبدأ بوضع أسوار حول نفسه وحول المتعلق به؛ معتقدًا أنه يحمي نفسه من الآلام؛ فتصبح هذه الأسوار سجنًا لكليهما أشبه بالعقاب، وفيما يأتي تشرح د. جوليت الفرق بين الحب والتعلق:

الأفكار هي التي تتحكم
نرى في حالات التعلق من يعاني من الإساءة والأذى العاطفي؛ فيشعر بالظلم، أو بأنه الضحية في هذه العلاقة، ولكن في الواقع أنه هو الذي يسمح للآخر بأذيته عاطفيًا، كما يوقف أي شيء في حياته بحجة التضحية من أجل الآخر، ولكن عليه أن يدرك أن الآخر يشبهه في حالة ما من الضعف، وإلا لما تواجد الاثنان في الحالة نفسها، مع اختلاف طريقة كلٍ منهما.
فبهذه التصرفات اللاإرادية، ونعني باللاإرادية، أن الأفكار التي تتحكم بالمتعلق هي أقوى منه، وبالتالي عليه أن يتحمل المسئولية، وأن يدرك ماهيتها حتى يتحرر من التعلق.

الحب هو إرادة الحياة
أما الحب؛ فهو حالة من الانسجام الروحي والثقة، يسعى فيها الطرفان لأن يسعدا بعضهما البعض بصدق، بدون أنانية؛ فيساعدا ويساندا بعضهما البعض، ويكبرا وينجحا سويًا ويتقدما معًا في الحياة.
الحب هو إرادة الحياة؛ فالرجل بكليته يتجه إلى المرأة ليكملا حياتهما معًا؛ حيث يرغب كل منهما بالآخر، والاستمرار بالارتباط وإنجاب الأطفال لتملأ حياتهما السعادة والغنى؛ فبشراكتهما ونضوجهما في الحياة، يجنيان ثمار هذا الحب وينعمان ببركته.

توازن الطاقة
يحدث الحب بين رجل وامرأة؛ لأن توازن الطاقة يكون بين طاقة المرأة الناعمة وطاقة الرجل الخشنة، وبتلاقي هاتين الطاقتين، يحصل التوازن، وبالتالي الانسجام التام بينهما، ولأن المحب ينطلق من القلب، مصدر القوة والصلابة، لا يمكن له أن يخون، إذ أن الخيانة تحدث في حالة التعلق وليس الحب؛ لأن المتعلق يشعر بالوحدة والفراغ، أما في الحب؛ فحالة الارتياح والثقة التي يشعر بها الحبيبان تجعلهما يكتفيان ببعضها البعض.
الحب تواصل ونبع الحياة، وحيث يوجد الحب، توجد الحياة. والتواجد مع المحب، يمنح الشعور بالسعادة، ويجعل المحبوب يظهر بأفضل ما لديه؛ حيث يتغلب دفء الحب على برد الخوف بين الحبيبين.