هوس النظافة.. هل يقود إلى الطلاق؟

4 صور

في عام 2007 قضت محكمة في تايوان بطلاق سيدة من زوجها المصاب بجنون النظافة‏، فالسيدة قالت إن زوجها كان يرغمها وأولادها على غسيل أيديهم وأرجلهم قبل دخول المنزل،‏ وأن يتناولوا طعامهم في الخارج، كما كان يمنعها من الطهو داخل المنزل لأنه لا يتحمل الدخان، ورائحة الدهون‏، بدوره الزوج اعترف أمام القضاء أنه يعاني من الخوف الهيستيري من الجراثيم، وأن سلوكه كان بدافع خوفه على أسرته‏، ولكن القاضي لم يجد كلام الزوج مقنعاً وحكم لصالح الزوجة بالطلاق‏، الغريب في القضية أن الأبناء طلبوا من القاضي أن يحكم لهم بالعيش مع الأم؛ لأنهم لا يطيقون العيش مع الأب المهووس‏ بالنظافة لحد المرض.

نساء يشتكين، ورجال يشتكون، والطرفان يبرران

والمشاكل حول «هوس النظافة» تصل للطلاق بهدوء، وأحياناً تشهدها ساحات المحاكم، وتتندر بها صفحات الجرائد. طفلي السبب إبتسام هي زوجة تعدّ نفسها مهووسة بالنظافة، ولكن هذه الأعراض لم تظهر عليها إلا بعد إنجابها طفلها الأول، تقول: «بدأت أخاف على طفلي من كل شيء، وأحميه من كل شيء ممكن أن يتخيله بشر، لدرجة أنني كنت أغير القفازات المطاطية في يدي أكثر من عشرين مرة في اليوم الواحد، ثم انتقلت عدوى هوسي بالنظافة من خوفي على طفلي إلى المنزل، وإلى زوجي لدرجة أنني أصبحت أغسل أصابع الموز بمجرد شرائها، وبدأ زوجي يضيق ذرعاً خاصة حين أطالبه بأن يغسل أسنانه قبل أن يقبل طفلنا الصغير، تعترف إبتسام بأنها قد تعبت من الوضع الذي أصبحت عليه، لدرجة عزوف الناس عنها، وبأنها أصبحت مادة للسخرية ممن حولها».

طفلي يدفع الثمن

أما ربى عبدالوهاب فتقول: «هوس أو فوبيا النظافة التي أصابت زوجي لا تطاق، فهو يصر أن يأخذ طفلي حماماً كل ساعة، وفي كل مرة يريد أن يجلس طفلنا الوحيد على ركبته فهو يطلب مني أن يبدل ثيابه، وفي إحدى المرات تقيأ طفلنا على ملابس زوجي فما كان منه إلا أن ألقاها في سلة المهملات، ولم يقبل أن أغسلها». وللشباب والشابات آراء وقد سألت «سيدتي نت» مجموعة من الشباب والشابات عن مدى قبولهم لشريك الحياة المستقبلي إذا ما كان يعاني من فوبيا النظافة، فكان رأي علاء علي «أن كل شيء زاد على حده ينقلب إلى ضده»، وهذا رأيه باختصار كما يقول.

بينما يقول وسيم حمودة: «يعدّ الأمر مرضاً؛ لأن هذا الهوس سيقلب الحياة الزوجية لجحيم، خاصة إذا كان الطرف الآخر لا يهتم كثيراً بالأمر». أما علا ربيع فتقول ضاحكة: «ربما يكون الأمر معدياً، وقد سمعت بقصص كثيرة عن هذا الأمر، يعني أن تنتقل فوبيا النظافة من الزوج للزوجة أو العكس، أما الجحيم فهو أن يكون أحدهما مصاباً بفوبيا النظافة والطرف الآخر يعشق القذارة، والبيئة التي تربى بها الطرف الثاني الذي يعشق القذارة لن تحوله لإنسان يحب النظافة، وتستحيل الحياة الزوجية».

خارج السيطرة

الدكتور مازن صافي يدلي بدلوه في هذا الموضوع فيقول: "هذه الحالة حين تطفو على سطح الحياة الزوجية فهي تنتقل من مستواها الطبي إلى الاجتماعي، وتتحول إلى كارثة داخل البيت حين تتحول إلى قنبلة موقوتة تفجر براكين الغضب والنفور والسخط من كلا الطرفين المعتدل والمريض بالفوبيا، وحين يفقد الإنسان السيطرة على التمييز يتحول إلى ضحية نفسه، وفي النهاية يحدث الطلاق ليس من الفوبيا نفسها بل من السلوك الذي أصبح مرضاً".

وسواس وليس فوبيا

الأخصائية النفسية الأستاذة زهية القرا تقول: «تسمى هذه الحالة بوسواس النظافة وليس فوبيا، فالفوبيا تعني الخوف.. وهناك فرق، فوسواس النظافة هو الاهتمام الزائد على الحد الطبيعي بالنظافة، وهو فعل دائم ومتكرر، ويأخذ شكل الطقوس كتكرار الوضوء، وغسل الأيدي، والاستحمام، ونظافة البيت والملابس...إلخ.

حيث تسيطر فكرة من داخل الشخص بأنه لم يبلغ النظافة المطلوبة، فيكرر التنظيف ولا يصل لحالة الرضا، ويحاول أن يقاوم الأفكار إلا أنه يفشل». بالنسبة للتحليل النفسي لوسواس النظافة فرؤيته تتحدد بأن الوسواس يعكس تثبيتاً للمرحلة (الشرجية) والتي يتعلم فيها الطفل التدريب على النظافة والتواليت.

فالطريقة للتعلم، وطبيعة العلاقات المأزومة التي يعيشها الطفل في تلك المرحلة تؤثر في نموه النفسي في كبره، حيث يستعيد معاناة طفولته عبر أعراض وسواسية في كبره، وتعمل عدة ميكانيزمات دفاعية في شخصية الوسواسي لحمايته من الصراع والقلق النفسي المصاحب للسيطرة على النزعات والمشاعر غير المقبولة عبر تعطيل عمل هذه النزعات، وعبر عدم الاعتراف بها على الصعيد الواعي بتحويلها إلى أعراض أي تصرفات معاكسة للنزعات الحقيقية، والتي تكون في الغالب ذات طابع نزوي جنسي.