زوجة الأب، ذلك الغول الذي أسهبت القصص والحكايات والأفلام في تصوير بشاعته، حتى أصبح كابوساً يقض مضاجع الجميع، وخاصة الفتيات الصغيرات، وبقي كذلك حتى الآن؛ لأن أحداً لم ينتصر عليه، ولكن «علا»، بطلة قصتنا أو قضيتنا؛ فكرت أن تنتقم من هذا الغول الذي دخل حياتها وحياة أسرتها، ولكن بطريقتها كما تقول، وبهدوء شديد.
علا، الآن امرأة في الثلاثين من عمرها، تزوجت من رجل في الخمسين من عمره، لديها ثلاثة أطفال، وترى الحزن العميق في عينيها الواسعتين، وتعتقد أنها أسعد إنسانة في حياتها؛ لأنها تملك مفاتيح زوجها في يدها كما تقول، ولكن الحقيقة أنها لا تشعر بطعم السعادة، وكأن المنتقم يظل دائماً في حالة من الذعر؛ خوفاً من ضميره؛ جراء ما اقترفت يداه، وهي أحياناً تتصالح مع ضميرها وتقول له، إنها لم تفعل شيئاً سوى العدالة.
بداية مأساة
تقول علا: بدأت حياتي كطفلة بين عشرة أشقاء؛ أحتل بينهم الترتيب الثاني، وكان أبي عاملاً بسيطاً وفقيراً، وأمي زوجة مخلصة متفانية، ونحيا حياة البسطاء، حتى بدأ أبي يتغير ويغيب عن البيت لأيام، وكنا نعتقد أنه قد تعرض للاعتقال بسبب الظروف التي نعيشها في فلسطين، حتى كنت في طريقي إلى المدرسة ذات صباح، ووجدته يخرج من باب بيت جارتنا المقابل لبيتنا، كان يخرج متلصصاً حين صدم بعيني الجريئتين، وأدرك أني فضحته. حين عدت من المدرسة، كانت أمي تبكي وعلمت من خلال دموعها أن أبي قد أخبرها أنه قد تزوج بجارتنا المطلقة الدميمة منذ فترة، وأن الوقت قد آن ليعلن زواجهما.
قرار
كنت في الثانية عشرة من عمري حين حدث هذا الأمر، وأمام بكاء أمي؛ قررت أن أنتقم من جارتنا التي خطفت أبي، ودمرت حياتنا، وجعلت أبي ضيفاً في بيتنا، وهي بالمناسبة ابنة خالة أمي، ولكنها لم تراعِ القرابة بينها وبين أمي، بل نسجت شباكها حول أبي، وهي تعلم بفقره، وأنه يعول عائلة كبيرة؛ أصبح يقتص من مصروفاتنا لينفق على بيتها، ولتمر الأيام وتنجب زوجة أبي خمسة أشقاء لي، وفي داخلي كان القرار يكبر أني سأنتقم منها.
شباكي
تقول علا: كان لزوجة أبي شقيق وحيد في سن أبي، وكان صديقاً لأبي، ويأتي لزيارتنا دوماً، وهو متزوج ولديه عائلة كبيرة، ولكنه كان وسيماً وثرياً لدرجة لا توصف، وكنت أناديه بلقب «عمو»، حين يأتي لزيارة أبي، ويمنحني قبلة على خدي، وبضعة قروش أطير بها فرحة لأقرب سوبرماركت، وكانت زوجة أبي تعشق شقيقها هذا، وتتباهى به في كل مجلس، وتفخر خصوصاً بحبه لزوجته وإخلاصه لها، وبأنه لا يمكن أن يتزوج بأخرى؛ لأنه يهتم بمظهره الاجتماعي كرجل أعمال ناجح.
كانت خطتي جهنمية بالنسبة لعقلي الصغير والتي بدأت أنفذها منذ صغري، حيث نصبت شباكي حول هذا الشقيق؛ لأني قلت لنفسي، «يجب أن أحرق قلب زوجة أبي»، وأنها يجب أن تشرب من الكأس الذي سقته لي ولأمي، وكان لي ما أردت، بدأت أطيل من الدلال على شقيقها الذي هو صديق أبي، وبدأت أهتم بإبراز أنوثتي التي بالكاد تظهر أمامه، حتى أوقعته في شباكي فعلاً، لمحت في عينيه بعد سنوات من خطتي وحين أصبحت في الثامنة عشرة من عمري؛ نظرة رجل نهمة وليست نظرة أبوية كما كان يفعل في السابق، حينها أدركت أن خطتي قد نجحت، وأن الشقيق الرزين والصديق المخلص قد وقع في مصيدة حبي.
زواج
بدأ شقيق زوجة أبي يتقرب من أبي، ويقدم له معونات مادية غير مستردة، وبدأ يغريني بالهدايا والسفريات والرحلات، وبدأ دلالي يزيد عليه، وأصبح الجميع يتحدث عن «علا» التي لا تفارق الكرسي الأمامي المجاور لمقعد رجل الأعمال في سيارته الفارهة.
حتى قرر أن يطلب يدي من أبي أمام تمنعي أن يمسك يدي أو ينال مني قبلة عابرة؛ حتى لا يعتقد أني رخيصة بدون زواج، ورفض أبي في البداية، وأصيبت شقيقته التي هي زوجة أبي بالإغماء أمامي حين علمت بالخبر، وكان هذا أجمل مشهد رأيته في حياتي، وظلت زوجة أبي تبكي، بل انهالت عليّ بالضرب والشتائم وأنا راضية، لدرجة أني لم أدافع عن نفسي، وتم زواجنا، وأصبحت زوجة ثانية لرجل يكبرني بعشرين عاماً.
عذاب
تعترف علا الآن، وبعد أن حققت انتقامها حسب قولها، بأن نارها قد «انطفأت» عندما أذاقت زوجة أبيها المرارة التي ذاقتها، فهي الآن ذليلة لي، وترجوني دوماً أن يمنحها زوجي الذي هو شقيقها بعض المال، ولكني بدلالي وغنجي عليه أجعله يقسو عليها، هي امرأة دميمة وسيئة الطباع، ورغم ذلك استطاعت أن تخطف أبي من أمي الطيبة، وتجعل أمي كسيرة القلب تستجدي منه مصروف البيت، أو زيارة يقوم بها لبيتها ليرعى شؤون إخوتي الذين شعروا باليتم وهم صغار؛ رغم أنه يعيش في البيت المقابل لهم، ولكني دفنت نفسي حية، هكذا تصف علا حياتها الآن، فليس من السهل على امرأة مثلي وفي سني أن تعيش مع رجل في سن أبيها، كثير الطلبات وكثير الأمراض من جهة، وغيور جداً؛ لدرجة أن يحرمني من الخروج من البيت، باختصار لا يوجد بيني وبينه ولو همزة وصل واحدة، ولكني أقدم له أنوثتي بقدر ما أستطع؛ لأظل مسيطرة على قراراته؛ خاصة تجاه شقيقته، التي هي زوجة أبي، بل أقنعته بأن يجد عملاً لشقيقي من أمي؛ ليتحسن الوضع المادي لعائلتي، ولكني أعيش تعاسة لا توصف، خاصة وأنا أم لأطفال ثلاثة كنت أتمنى لهم أباً شاباً مفعماً بالحيوية، وليس أباً ضجراً من الأطفال، فهو لم يفرح بأطفالي؛ لأنه لديه جيش منهم من زوجته الأولى، وأرى معاملته لهم كتأدية واجب فقط.
رأي الأخصائي النفسي
حين عرضت «سيدتي» قضية علا، على الأخصائي النفسي، محمد صادق، أجاب بأننا أمام شخصية مركبة، امرأة جبارة العواطف لديها الكثير من الكبت النفسي وقد تنفجر فتدمر نفسها، فهي بلغت الأنوثة قبل أوانها، وعانت من صدمة في الرجال متمثلة بأبيها، ثم تزوجت برجل في سنه، ولا يمكن أن تكون قد أحبته، وكل هذه الظروف وخاصة الانتقام تولد لدى الإنسان طاقة مدمرة؛ تجعله لا يشعر بالسعادة ولا الأمان، ولذلك هي لا يمكن أن تكون شخصية سوية، وقد ينعكس ذلك على تربيتها لأطفالها، الأم المنتقمة هذه كلما استمرت بهذا الجو المشحون فهي تتجبر أكثر وتنسحب من شخصيتها الأصلية؛ فهي ضحية، وأخشى أن تصبح جانية بعد حين.
إحصائية:
• من بين كل 100عائلة، يتزوج عشرة رجال على زوجاتهم في غزة.
• ومن بين الرجال العشرة يختار نصفهم زوجة من الوسط العائلي نفسه.
• نسبة المطلقات في غزة تعادل نسبة الزوجات اللاتي يقبلن أن يصبحن «ضرة».
• فارق العمر بين الأزواج والزوجات في غزة السبب الثاني لحالات الطلاق المرتفعة بعد السبب الأول، وهو الزواج المبكر.