سيدات عشن التجربة يكشفن لـ "سيدتي": "الأم البديلة" الأم الحقيقية

ربا الحامد
آلاء الفزاري
مناير الحميد
4 صور

يقال: "الأم مدرسة إذا أعددتها، أعددت شعباً طيب الأعراق". ولا يخفى على أحد العدد الكبير من القصائد الشعرية التي نُظِّمت في الأم، وتحدث فيها الشعراء عن دورها الكبير، ومكانتها الرفيعة، والإبداعات النثرية التي أثرت المكتبة العربية والعالمية، وتناولت فضل الأم على أولادها ومجتمعها.
على أن أفضل تكريم للأم، جاء من الدين الإسلامي، إذ جعل الجنة تحت أقدامها.
لكنَّ السؤال المهم الذي يسأله كثيرون: هل الأم هي المرأة التي تلد فقط، أم المرأة التي تربي وتعلِّم؟
ومن المعروف، أن كل فتاة في داخلها أمٌّ، وإن لم تتزوج، إذ تغلب على تصرفاتها "فطرة الأمومة"، وهذا ما يظهر جلياً في تجارب "الأمهات البديلات" اللاتي قمن بتربية أبناء أمهات أخريات بسبب ظروف مختلفة.
"سيدتي" التقت عدداً من هؤلاء الأمهات، ومنهن العمة، والخالة، والجدة، اللاتي حملن على عاتقهن تربية أبناء لم يخرجوا من أرحامهن، واستفسرت منهن عن هذه المهمة الجليلة.
بدايةً، كشفت مناير الحميد "47 عاماً"، ربة منزل وصاحبة مشروع صغير، أن ابنتها توفيت بعد إنجابها طفلتها بعامين، وقالت: "بعد مرور 40 يوماً على وفاة ابنتي، اقترن زوجها بامرأة أخرى، فلم أرغب في أن تتربى حفيدتي في كنف امرأة أخرى، فمهما كانت طيبة وذات أخلاق فلن تعاملها مثل أطفالها، وستكون هناك حساسيات بينهما، لذا طلبت من والدها تولي تربيتها، على أن يقوم بالصرف عليها، ووافق على ذلك، فقمت بتربيتها مع أبنائي، واعتنيت بها جيداً، وعلى الرغم من أنها تعلم أنني جدتها، إلا أنها دائماً ما تناديني بكلمة ماما. الآن هي في الصف الأول الابتدائي، وتعامل خالاتها الصغيرات، اللاتي يدرسن في المرحلة الإعدادية، مثل أخواتها، وفي رأيي، أي امرأة تستطيع احتواء طفل أو طفلة، وتربيته أمٌّ وإن لم تنجب".
أما ربا الحامد "26 عامًا، خريجة محاسبة، فأوضحت أنها ليست متزوجة، لكنها قبل سبع سنوات، حينما كانت طالبة في الجامعة، اعتنت بابن اختها لمدة أربع سنوات، وقالت: "أصيبت أختي أثناء ولادتها ابنها بتسمم الحمل، ما تسبَّب لها في كثير من التعب، لذا طلبت مني والدتي مساعدتها في تربية طفلها، وعلَّمتني كيف أبدِّل له الحفاض، وكيف أقوم بإطعامه، وغيرهما من الأمور الخاصة بتربية الأطفال، وذلك لأن والدتي في هذه الفترة كانت مشغولة جداً بزواج أختي الأخرى، ولم تكن تملك الوقت الكافي للاهتمام بالطفل، وبعد مرور ثلاثة أشهر على ولادتها ابنها، كان يتعيَّن على أختي العودة إلى العمل وإلا سيُشطب اسمها من التعيينات الحكومية، لذا ظل الطفل معي أربع سنوات حتى إنه كان يناديني ماما، كما ينادي والدته، وعلى الرغم من أنه ترك منزلنا قبل عامين، إلا أنه لايزال مرتبطاً بي كثيراً، أكثر من أي شخص آخر في البيت، ومازال يتذكر مواقف جميلة جمعتنا في صغره. من جهتي، أرى أن كلمة الأم لا يجب أن تطلق على المرأة التي تنجب فقط، فالأم هي المرأة التي تربي الطفل، وتعلمه الصح من الخطأ، وتلعب معه، لذا أعدُّ نفسي أماً بديلة لابن اختي لا خالته، بدليل أن أختي ترسل مع ابنها هدية لي بمناسبة عيد الأم كل عام".
آلاء الفزاري "26 عاماً"، معلمة تربية فنية، تعرضت إلى الظرف نفسه تقريباً، إذ قالت: "عانت أختي من ظروف صعبة، لذا جاءت مع ابنتها، التي كانت تبلغ العامين من العمر، للعيش معنا في المنزل، وكانت أختي وقتها حاملاً، وبقيت معنا حتى ولادتها طفلتها الثانية، لكنها تعبت كثيراً بعد الولادة، وظلت في المستشفى فترة طويلة، لذا تكفلت بالاعتناء بالطفلتين، وبعد خروجها من المستشفى، شعرت بتدهور وضعها الصحي، ما أجبرها على مراجعة المستشفيات كل فترة، وعقب استقرار حالتها، انتقلت للعيش إلى جوارنا، وبدل أن تضع طفلتيها في حضانة حينما تذهب إلى العمل، وجدت أنه من الأفضل أن تبقيهما معنا خلال هذه الفترة، ما عدا وقت الامتحانات، هذا الأمر أدى إلى تعلُّق الطفلتين بي حتى أصبحتُ بالنسبة إليهما الأم الثانية بدليل تفضيلهما قضاء وقتهما معي، وجلب والدي هديتين لي ولأختي في يوم الأم، علماً أن والدتنا توفيت حينما كنا صغاراً".
الرأي النفسي
الدكتور منتصر نوح، استشاري الأمراض النفسية والعصبية، تحدث عن الرؤية النفسية لـ "الأم البديلة"، قائلاً: "إذا كانت النفس تميل إلى مَن يدللها فالأطفال أكثر مَن يشعرون بذلك. الأم ليست المرأة التي تلد فقط، بل والتي تربي، وتعلِّم، وتتحمَّل كل ما يصدر عن الطفل في هذه المرحلة الحرجة من العمر أيضاً على الرغم من أنها غير مضطرة إلى فعل ذلك، وهنا يُطلق عليها اسم الأم البديلة، وعادةً ما يتعلق الأطفال بالأم البديلة أكثر من الأم الحقيقية، لأنها تقضي أكثر وقتها معهم، وأيضاً لأنها أكثر وجه يرونه".
وأضاف "يبدأ الأطفال بعمر ستة أشهر بالتعلُّق نفسياً بالأشياء المحيطة بهم، مثلاً يتعلق الطفل ببيته، وفي حال ذهب إلى بيت آخر لا يستطيع النوم فيه مباشرةً، ويشعر بأن شيئاً ما تغيَّر في نمط يومه، كذلك يتعلق الطفل بلعبة معينة، أو دمية بعينها حتى إنه لا ينام إلا بوجودها في حضنه، وهذا ما نطلق عليه مصطلح الأحضان البديلة، وهكذا الحال تماماً مع المرأة التي تربي الطفل ولا تكون أمه، إذ يتعلَّق الطفل بها، ويرى في تلك الجدة، أو العمة، أو الخالة أمه، وهذه ظاهرة صحية، ولا تسبِّب أي خلل نفسي للطفل، وعندما يتقدم في العمر يعلم مَن هي أمه الحقيقية، وأسباب تعلقه بالأم البديلة".