اهتمام المستشرقين بالكتابة عن الحج

أرند جان فِنْسِنْك
موسم-الحج
جوزيف بيتس
الباحث أحمد العساف
سنوك هورخرونيه
7 صور

تقاطر الرَّحالة المستشرقون إلى المنطقة العربية بدايةً من القرن الخامس عشر الميلادي، وكان لديهم اهتمام وشغف بزيارة مكة المكرمة وبالأخص المشاعر المقدسة، ومعايشة رحلة الحج، ورغم تباين واختلاف الأهداف التي كانوا يسعون إليها من وراء رحلاتهم إلى مكة، فإنهم خلَّفوا الكثير من المؤلفات.
بدأ أولى رحلات المستشرقين الإنجليزي "جوزيف بيتس"، والذي عُرف باسم "الحاج يوسف"، وهو أول إنجليزي يزور مكة المكرمة، ويرجح بعض المختصين أن أول أوروبي زار مكة هو المستشرق "لودفيكو دي فارتيما"، والمعروف بلقب "الحاج يونس المصري". وتنوعت جنسيات المستشرقين الأوروبيين فلم تكن قاصرة على جنسية معينة، فقد زارها كلٌّ من المستشرقين البرتغال، والفرنسيين، والألمان، والهولنديين، والإسبان، والنمساويين، والدانماركيين، وغيرهم.
المستشرقون والجواسيس


يقول الكاتب والإعلامي أحمد بن عبد المحسن العساف، إن المستشرقين قاموا بتأليف كتب عن رحلاتهم أثناء الحج، وكتب بعضهم عن رحلة الحج فقط، بينما كتب البعض الآخر عن رحلته بشكل عام، وضمَّنها حديثًا عن رحلته إلى الحج والحجاز.
كما أن لكلٍّ من المستشرقين والجواسيس رحلات حج، منها ما هو سِرّي مثل رحلة الضَّابط الروسي عبد العزيز دولتشين، الذي سافر إلى مكة في بدايات القرن العشرين الميلادي، ورحلة جوزيف بتس، ورحلة الفرنسي "ليون روش" في منتصف القرن التَّاسع عشر الميلادي.


وكتب المستشرق الهولندي "سنوك" رسالة دكتوراه عن الحج، وكان عنوان رسالته "أصل الحج في الإسلام"، وبناء على رحلته هذه وضعت هولندا استراتيجيتها لاحتلال بلاد المسلمين في جنوب شرق آسيا، وارتحل الإيطالي "فارتيما" إلى مكة باسم يونس العجمي وكان جاسوسًا لصالح البرتغال، ومن الرّحلات المهمَّة كذلك رحلة "بيرتون" في منتصف القرن الثَّالث عشر الهجري إلى مكة في ثياب درويش أفغاني، بينما كان يعمل ضابطًا أيرلنديًا في الجيش البريطاني بالهند.


وقد كان لأدب الرّحلات مكانة شديدة الأهمية بين التَّصانيف المختلفة، وما ذاك إلاَّ لما تحويه هذه المؤلفات من فوائد يندر اجتماعها في موضع آخر، ولذلك تجد إقبالًا على مطالعة هذه الكتب، فلكتب الرّحلات عناية بالشُّئون الدِّينية الخاصَّة بطريق الرّحلة، واهتمام بالأوضاع الاجتماعية والسِّياسية والاقتصادية والعلمية، لقاطني الدِّيار التي يمرُّ بها الرّحالة، وفيها احتفال بالغرائب والعجائب، وحرص على ملاقاة مَنْ يستحق اللقاء من العلماء والأدباء، وإلمام بتاريخ المدن وأسماء البلدان وأخبارها، إضافةً إلى أنَّ طابعها يتَّسم بالإمتاع والمؤانسة، وما أجمل رفقة كتب الرّحلات إبَّان السَّفر أو حين انشغال الذِّهن؛ ففيها ترويح آمن، ومعلومات لطيفة لا تجلب الملل للنَّاظر فيها.


نماذج من المستشرقين ممَّن كتبوا عن الحج:

مستشرقين يكتبون عن الحج


جوزيف بيتس

شاب إنجليزي وقع في الأسر فسافر إلى الحج مع سيده عام 1680م، أطلق على نفسه اسم "الحاج يوسف"، تحدث عن رحلة الحج التي بدأها بوصف جدة بأنها مرسى سفن الحجيج، وكان يكتب بشكل يومي وتطرَّق إلى الكثير من المعلومات الدقيقة، كتب عن مكة بشكل دقيق وشامل، فكان يدوّن كل ما كانت تقع عليه عيناه، وهذا يتضح من وصفه حيث يقول: (دخلتُ من شارع واسع يتوسط مبانٍ تتناثر على يمينه ويساره، ويؤدي هذا الطريق إلى الحرم مباشرة، حتى دخلت الحرم المكي من باب السلام)، ويقول واصفًا مشهد الحجيج: (لقد كان مشهدًا يخلب اللُّبَ حقًا أن ترى هذه الآلاف المؤلفة في لباس التواضع والتجرد من ملذات الدنيا، برءوسهم العارية وقد بللت الدموع وجناتهم، وأن تسمع تضرعاتهم طالبين الغفران والصفح لبدء حياة جديدة).

هنري ماسيه (1886- 1969)

مستشرق فرنسي عمل مديرًا للمعهد الفرنسي بالقاهرة، وعُيّن أستاذًا في جامعة الجزائر (1916-1927)، وعضوًا في المجمع العلمي العربي بدمشق، ذكر في كتابه (الإسلام عن الحج) يقول: (ويحتفظ الحج بأهمية رئيسية سواء كان بسبب نتائجه السياسية والاقتصادية أو بسبب قدمه، وبالفعل فهو يبدو مزيجًا من البقايا الوثنية والطقوس الجديدة والمزارات التي يزورها الحاج في مكة هي أماكن عبادة قبل الإسلام).

أرند جان فِنْسِنْك (1882 - 1939)

تتلمذ على يد المستشرق هوتسما ودي خويه وسنوك هورخرونيه وسخاو، حصل على الدكتوراه عن بحثه (محمد واليهود في المدينة) عام 1908، ويقول فنسنك: (تتقدم الكعبة لتصبح وجهة المسلمين في الصلاة، وإن الكعبة قد بناها مؤسس الوحدانية من ابنه لتكون قبلة البشرية جميعًا، وتعود الشعائر كلها إلى الأوامر الإلهية).

سنوك هورخرونيه (1857-1936)

يقول عنه الدكتور مازن بن صلاح مطبقاني، أستاذ الاستشراق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إنه وُلد في 8 فبراير 1857م، ودرس اللاهوت ثم بدأ دراسة اللغة العربية والإسلام على يد المستشرق دي خويه، ودرس كذلك على يد مستشرقين آخرين منهم المستشرق الألماني نولدكه، وكانت رسالته للدكتوراه حول الحج إلى مكة المكرمة عام 1880م، وعمل مدرسًا في معهد تكوين الموظفين في الهند الشرقية (إندونيسيا)، وأعلن إسلامه وسُمِي باسم "عبد الغفار" وسافر إلى مكة المكرمة وأمضى فيها ستة أشهر ونصف، وتعرَّف خلال هذه الفترة على عدد من الشخصيات في مكة، وخاصة الذين تعود أصولهم إلى الجزر الإندونيسية، جمع مادة كتابه عن مكة المكرمة وانتقل إلى العمل في إندونيسيا لخدمة الاستعمار الهولندي، حيث عمل مستشارًا لإدارة المستعمرات في عام 1891، ويعد سنوك نموذجًا للمستشرق الذي خدم الاستعمار خدمات كبيرة وسخّر علمه لهذا الغرض.