نورة المريخي رئيسة مجلس إدارة جمعية «همّة»: فطرة الأم هي علاج لابنها من ذوي الهمم

نورة المريخي رئيسة مجلس إدارة جمعية «همّة»
نورة المريخي رئيسة مجلس إدارة جمعية «همّة»

لم تتخيل، تلك الطالبة الحسناء، التي درست الهندسة المعمارية الداخلية، في يوم من حياتها أن تصبح أماً لطفل من ذوي الهمم، يعاني من صعوبات، تحتاج إلى دعم، تغيرت شخصيتها، 180 درجة، من امرأة تنظر إلى كل جميل في الحياة بدءاً من اقتناء قطعة فنية، إلى امرأة أصبح على عاتقها رعاية أطفالها ومن بينهم صاحب همة.
في البداية أصابتها صدمة هزت كيانها، وأوصلتها إلى مرحلة الزهد، جعلتها امرأة مكسورة في ولدها، فقد وجدت نفسها تحت وطأة مسؤولية، وضعتها في حالة من المشقة، والوحدة، هي نورة المريخي، رئيسة مجلس إدارة جمعية أمهات أصحاب الهمم «همّة»، التي استضفناها في أجواء من المصارحة، ومعلومات لم تُطرح من قبل.

 

دبي | لينا الحوراني Lina Alhorani
تصوير | عبد الله رمّال Abdullah Rammal
العبايات | من موزان Muzan
الشعر والمكياج | مجموعة صالونات المصفف العالمي عمرو
موقع التصوير | فندق فرساتشي بدبي Versace

 

نورة المريخي

 

نورة المريخي


بعد فترة الصدمة وعلى الرغم من تحذيرات من حولها، قررت نورة أن تعالج ولدها بنفسها، جازفت بخسارة الوقت، وبالاستغناء عن المدرب، كما أنها عانت من تعليقات، من حولها، في مجتمع يضع أم طفل من أصحاب الهمم في دوامة لا خروج منها، حتى من الأطباء، الذين رفعوا من عبء الضغط عليها، كما تقول، وتتابع: «كنت بحاجة إلى وقت أفكر فيه، فقررت ألاّ أسمع كلام أحد.. حجزت نفسي مع طفلي في غرفة لأسبوعين، حتى الطعام كان يوضع لنا خارج الباب، كنت أريد أن أراه، ليل نهار، أمامي، كمن أخذ مشكلته، وذهب بعيداً، عانيت من صعوبته في تلك الفترة، كان فوضوياً يصدر أصواتاً لا يمكن ضبطها، هو مصاب بتوحد من الدرجة الأولى، في تلك الفترة اكتشفت أشياء كثيرة، كنت كما المضطر لتعلم السباحة كي لا يغرق، وبدأت أعامل ولدي بطريقتي الخاصة، وأنا أقرأ أهم الأبحاث العالمية، من أميركا واليابان، كنت أقرأ الدراسة وكأنني أمتحن فيها نفسي، حتى اكتشفت أن الفطرة في الأم هي أكثر ما يمكن أن تهدئ من حالة أصحاب الهمم، الذي لا يمكن السيطرة عليها إلا بالعلاج، لكن 90 % من هذا العلاج هي الأم».

 

في «همّة».. علاجات جديدة لذوي الهمم ودواء على الطريق


هذه أهدافي


لم تقتنع نورة بأن العلاجات التي تراها في العالم العربي مجدية، كانت تراها قديماً ومكررة، فبدأت تؤثر في معالجي أصحاب الهمم، عبر متابعة المراكز التي ترعاهم، وزيارتها لتناقش أساليب تربيتهم وعلاجهم، فعرفت شخصيتها في مجتمع أبوظبي، وبين المشاهير، من الأطباء الذين راحت تجادلهم حتى بآلية الأدوية التي يصفونها، وآخر دراسة كتبت عنه، كل هذا دعا المسؤولين أن يطلبوا منها الدخول إلى عضوية مجلس إدارة جمعية أمهات أصحاب الهمم «همّة»، وأول ما سئلت عنه، هو أهدافها لتطوير الجمعية، فكشفت عن أمنياتها، بوجود العلاج في الإمارات لتوفر على الأهالي عناء السفر بابنتهم أو ابنهم، الذي ينتسب إلى فئة ذوي الهمم، تستدرك قائلة: «كنت أريد أن أوفر كل هذه العلاجات، فهي على الرغم من دعم الدولة لها، لم تكن هذه العلاجات بالمستوى المطلوب، لا ينفذ منها سوى 20 % مما يطبقونه في البلدان المتقدمة، وبناء على هذه الأمنيات تم إجراء انتخاب تميزت فيه أهدافي التي لم تكن مؤقتة، لدعم مصير أصحاب الهمم، الذي يشكل هماً للعائلة، يعاني فيه المصاب كثيراً لو توفيت أمه، كنت أريد أن أجعل له دوراً في المجتمع، حسب إمكاناته، من خلال معالجته أولاً، فأصحاب الهمم، يعانون دائماً من أمراض مصاحبة، حركية أو نفسية، وتشنجات أو ضعف نظر، أو قصور في القلب، ونمو الجهاز الهضمي، أو السكري، وكلها تحتاج إلى رعاية وتشخيص صحيحين؛ لأنني عانيت من خطأ الأطباء في التشخيص، الذي يتصف بأنه مؤجل، مثلاً إذا تأخر صاحب الهمة في الكلام، فهو يعاني من جرثومة في الدم، أثرت في نمو دماغه، وهو بعد أن كان يمشي ويتكلم، وقد يصاب بحرارة تسبب له انتكاسة مؤلمة، أو لا يصاب بها، ويتوقف عن النمو، وهذا ما جعلني أبحث عن الأسباب، فازدادت قراءاتي، وتوقفت عند دراسة طبية، ترجع هذه المشاكل إلى اختلال في جهاز المناعة الذي في الدم، ينقل جرثومته إلى الدماغ، تؤدي إلى تلفه، حسب حالة كل طفل، فشعرت بأن أهم نقطة نفتقدها هي التشخيص الصحيح، وتوافر العلاج».
نفترح عليك متابعة هذا الحوار مع مديرة البرامج المجتمعية في المجمع الثقافي بأبوظبي.. التشكيلية سمية السويدي: علينا حذف كلمة "الخوف" من قاموسنا لننجح


ثغرة العلاجات الكلاسيكية


برأي نورة أن هناك حلقة ضائعة، بسبب ثغرة العلاجات الكلاسيكية القديمة، التي لم يكن هناك اكتراث بتطويرها، فكثيرون يسافرون على حساب الدولة، التي تتحمل مسؤولية توفير طائرات خاصة ومرافقين، لعلاج طفل، يعود إلى الإمارات، وبعد أشهر ينتكس من جديد، كانت تريد أيضاً، أن تدرب الأمهات على كيفية تعليم أبنائهن من ذوي الهمم، عبر نقل المناهج الدراسية إلى بيوتهن، تعلّق قائلة: «أتاحت جمعية «همة»، حصول الأمهات على دبلوم في تربية أطفالهن نفسياً، للتفاهم معهم».
كل هذه التطورات دعت الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، إلى دعم الجمعية، وإعطاء عضواتها الحق في صنع سياسات أصحاب الهمم، تستطرد نورة: «أصحاب الهمم في تزايد مخيف في الإمارات، فمرض العصر الذي هو التهاب الدماغ، إلى اليوم يشخص على أنه توحد، وحالياً أول دكتور في العالم، وهو سهيل نجار، الذي يصعب أخذ موعد معه، في مقر إقامته في أميركا، وبفضل توجيهات الشيخة فاطمة، تمكنا من استضافته في مستشفى برجيل، أبوظبي، لعلاج أصحاب الهمم، وغيرهم من مرضى الدماغ والأعصاب، كما تعاقدنا مع المستشفى لإجراء علاج بالخلايا الجذعية مع مركز أبوظبي، بطريقة مبتكرة وجديدة، كما اتفقنا مع طبيب آخر بإجراء عمليات لثلاثة من أصحاب الهمم، يجلسون على كرسي، وهذا ما يبعث في نفسي الأمل».

أنصح أمهات أصحاب الهمم بالجلوس مع ابنها وحدهما ساعة على الأقل يومياً، وأن تحاول أن تبعث في نفسه الراحة باحتضانه حتى وإن كـان كبيراً في السن، فالعناق يهدئ مركز الأعصاب في الدماغ

 


اكتئاب الأمهات

نورة المريخي


تهدف الشراكات الاستراتيجية المحلية والعالمية، التي تعقدها نورة من خلال الجمعية، إلى توفير العلاجات في الدولة، وتأمين حق الأمهات في علاج أبنائهن، وهذا سبب تأهيلهن في دبلوم خاص، تعلّق: «أحدثنا منصة كبيرة، تضم العديد من الأطباء، أجرينا من خلالها دراسة فريدة من نوعها، بإدارة جمعية «همة» ستصدر عن الإمارات، وتنتج دواء لأصحاب الهمم، يحسن من وظائف الدماغ، ويعيد تجديد خلاياه التالفة، وهو مكمل غذائي يقوي مناعة الدماغ».
خلال تجربتها، صادفت نورة الكثير من حالات أمهات أصحاب الهمم، الذين تخلى أزواجهن عنهن، فأصبحن سجينات، ومحطمات، فتحضرها حالة أم توفيت وتركت الطفل للجيران، وأخرى رغبت في الانتحار، تتابع قائلة: «ثلاثة أرباع أمهات أصحاب الهمم، يعانين من حالة الاكتئاب والتوتر والقلق، وعشن كل حياتهن لتربية أطفالهن، وقد رأيت مرة طفلاً شديد الإصابة في التوحد، تركه أهله الذين جلسوا على الشاطئ، بينما هو يغرق، كانوا غير مكترثين، كأنهم ينوون التخلص منه، كنت أصرخ لأدلهم على مكانه، بينما أمه تضع نظارتها الشمسية، وتتجاهل تأشيراتي، كانت قد فقدت المشاعر، هذه الحالة قتلتني، كما يزعجني أيضاً الكثير من الأهالي الذي لا يسمحون لأطفالهم باللعب مع أطفال أصحاب الهمم، أو الذين يرفضون دعوتهم إلى حفل عيد ميلاد طفل، هذه الحالة قاسية وتجعل الأم تخبئ طفلها عن المجتمع».
نفترح تابعي معنا تفاصيل قصص إنسانية غيّرت نظرتنا إلى الحياة


تغطية التأمين الخليجي


تحرص نورة على حضور الكثير من المؤتمرات الدولية، التي يتميز فيها كل بلد بإيجابية خاصة، كما ترى، فأميركا مثلاً تتصف بجودة إنتاج أدوية المخ والأعصاب، فيما تتميز بريطانيا بالقدرة على التربية، فيما اليابانيون ممتازون في دمج أصحاب الهمم في المجتمع، وإعطائهم حقوقهم، وألمانيا ناجحة في تأسيس المصحات النفسية، وإعادة تأهيل الإعاقات الجسدية، وتطور الكراسي المتحركة، وكل الأدوات الطبية التي يحتاج إليها أفراد هذه الفئة، تعلّق قائلة: «أحاول التعلم منهم، وأحضر الأفضل إلى الإمارات؛ حيث انتسب إلى جمعيتنا أعضاء من السعودية وعُمان وقطر، لنقل أحدث ما أنتجناه، فمن أهم أهدافنا الطبية، توصيل خدماتنا إلى خارج الدولة، وبهذا ساهمنا في السياحة الطبية بالإمارات، وهي الأسهل والأرخص».
تجد نورة أن تحسين وضع أهالي أصحاب الهمم، هو الأولى سعياً لتحسين حالة أصحاب الهمم أنفسهم، ففتحت الجمعية لهم باب رزق، ودعمتهم نفسياً وأسرياً، وأعطتهم فرصة للحياة، تشعرهم بطعمها، ودعمت مشاريعهم الخاصة، وبيع منتجاتهم في الدوائر الحكومية والبنوك، وفروع الاتحاد، وتطوير المنتج ليصبح إماراتياً على مستوى عالمي، بصناعة أيادي أمهات وأصحاب ذوي الهمم، وهذا ما أعطى الأم حرية مادية، جعل أغلبهن يصحبن أطفالهن، في سياحة خارجية، أعطتهن دفعاً نفسياً كبيراً.. فصاحب الهمم، يصاب بقلق نفسي إذا شعر باضطراب من حوله.


عباقرة التكنولوجيا


تكشف نورة أن هناك الكثير من أصحاب الهمم ضليعون في التكنولوجيا، ولهم حضور على السوشيال ميديا، فبدؤوا بإطلاق صفحاتهم، وصوروا أنفسهم، وهذا ما رفع من ثقتهم بأنفسهم، ودمجهم في المجتمع، وأتاح لهم فرص الوظائف حسب إمكاناتهم، حتى شديدي التوحد، تمكنوا من استخدام التكنولوجيا، وأصبحوا عباقرة فيها.
وعلى الرغم من هذه الأجواء المؤلمة التي تعيشها نورة، فهي تقوم بالاعتناء بجزئها الداخلي، للحفاظ على جمالها الخارجي، وترجع ذلك إلى وصولها إلى مرحلة التقبل، في كونها أماً لطفل من أصحاب الهمم، تتابع قائلة: «لهذا قررت أن أقوم بواجبي وأعيش يومي مع ابني من دون تفكير زائد أو قلق، وأترك الباقي على رب العالمين، لذلك أستمتع باللحظة معه، أعطيه حباً، ثم أعود إلى نفسي، وأحاول ممارسة الرياضة، والدخول في جلسات من التأمل، والاجتماع من أناس يمتلكون طاقة إيجابية، كل هذا يترافق مع متابعتي للموضة، التي تجعل حياتي سعيدة، كما أنني إذا أحببت الذهاب للسباحة، أقصد مسبحاً يتقبل أصحاب الهمم، وأصطحب طفلي معي أفعل شيئاً لنفسي وله».
تقول نورة للأمهات اللواتي يربين طفلاً من ذوي الهمم، أن لا يأس مع الحياة، وتذكر اللواتي يعتنين بابن يعاني من غيبوبة، بأن الله رحيم، وأن الدنيا تتطور، فالتفاؤل سلاح العزيمة، والتغلب على المشقات، وتعلّق: «على الأمهات أن يساعدن أنفسهن، وأنصح الواحدة منهن بالجلوس مع ابنها يومياً على الأقل ساعة وحدهما، هذه الساعة حاولي فيها بعث الراحة بصاحب الهمم، من خلال احتضانه، حتى وإن كان كبيراً في السن، فالاحتضان يهدئ مركز الأعصاب في الدماغ».
تابعي معنا لقاء خاص مع رائدة الأعمال لطيفة بن حيدر: نهدف إلى التوعية بأهمية الصحة النفسية