قصص إنسانية غيّرت نظرتنا إلى الحياة

قصص إنسانية غيّرت نظرتنا إلى الحياة
قصص إنسانية غيّرت نظرتنا إلى الحياة

مشكلة الغيرة، والاكتئاب، ومشاعر النقص، هي ما قد يبحث عنه، أغلب من يرى فرداً من أصحاب الهمم، يتخيل عالماً خاصاً مليئاً بالمآسي، والعدوانية والعزلة، فهناك دائماً إشكالية من الناس التي قد لا تعرف إمكانات من يعيش في هذا العالم، الذي يبحث عن حلول للنظر إلى حاجاته والتعرف إلى قدراته، لا للشفقة عليه، فمرور مصاب بالتوحد، أو صبية تحرك كرسياً ملولباً، هو أمر يدعو إلى التفكير من دون شك، لكن لعلّه يكون إيجابياً، نحن ننظر بالفعل إلى إمكانات هذه الفئة، لنتفاجأ أو نغير مجرى حياتنا، كما فعل هؤلاء الشبان والشابات الذين استضفناهم، في التحقيق الشبابي لهذا العدد.



أعدت الملف وشاركت فيه | لينا الحوراني Lina Alhorani جدة | ولاء حداد Walaa Haddad
بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdin - تصوير | محمد رحمة Mohamad Rahme
القاهرة | أيمن خطاب Ayman Khattab


بيني وبينه أشياء مشتركة


وفق آخر تقرير نشرته الهيئة العامة للإحصاء في المملكة العربية السعودية فإن نسبة ذوي الهمم في المملكة 7.1 %؛ أي 1,445,723 مليون شخص من عدد السكان (32.94 مليون).
بحسب النتائج تعدّ منطقة الرياض الأعلى في وجود السكان السعوديين ذوي الهمم فيها؛ حيث بلغت نسبة السكان السعوديين ذوي الهمم في منطقة الرياض (25.13 %) من إجمالي السكان السعوديين ذوي الهمم.
تغيرت نظرة عبدالإله عبد الرزاق (22 عاماً)، طالب جامعي في السنة الأخيرة، إلى أصحاب الهمم، بعد ملازمته لصديق شاب من ذوي الهمم يدرس في نفس الكلية، يتابع: «في السابق لم أكن أرى أشخاصاً من ذوي الهمم إلاّ في الأماكن العامة، ولم يسبق لي أن حاورت أياً منهم، ولكن عندما دخلت للجامعة كان معنا طالب على كرسي متحرك، وكنت في كل مرة أقابله أبادر إلى مساعدته وأنحني للحديث معه، وأتكلم بصوت منخفض، فيما تعابير الحزن بادية على وجهي، أما هو فكان على العكس تماماً، يتحدث بثقة وبصوت واضح، ويرفض أي مساعدة، وهنا استغربت من تصرفه، وتساءلت في نفسي: »لماذا يرفض المساعدة»؟.

عبدالإله عبد الرزاق: لا يحب صديقي من أصحاب الهمم نظرات الحزن والشفقة، وتكرار عرض المساعدة في أمور هو لم يطلبها


له كيانه


كان عبدالإله في السابق، يعتقد أن أفراد هذه الفئة، يعانون من الانطوائية تارة والعدوانية تارة أخرى ومن ثم الشعور بالاغتراب عن الذات والمجتمع، لكنه يؤكد، بعد أن اقترب من صديقه، أن صاحب أي حالة إنسانية هو من يفرض طريقة التعامل مع المحيط به، وعن تجربته الخاصة، يستدرك قائلاً: «مع مرور الوقت أصبحنا أنا وصديقي نلتقي أكثر في الحرم الجامعي وفي المحاضرات، ودارت بيننا أحاديث كثيرة، استنتجت منها أنه ولد بإعاقة سببت له ضموراً في نمو الأرجل وضعف في عضلاتها، ولكن عقله وقدراته كأي شخص طبيعي، وبالفعل هو متميز في الجامعة، والأهم أنني فهمت منه أنه لا يحب أن يعامله الآخرون بانتقاص من خلال نظرات الحزن والشفقة، وتكرار سؤاله عن مساعدته في أمور هو لم يطلبها، مثل تحريك الكرسي الذي يجلس عليه، بل يجب أن يعامل بشكل طبيعي حتى يشعره بأنه إنسان عادي له كيانه».
عبد الإله يدرس ويتواصل مع زميله، وقد اكتشف أن بينهما أشياء كثيرة مشتركة، حتى أنهما باتا يخرجان سوية إلى أماكن عامة للتنزه، يعلّق قائلاً: «هو إنسان يحب الحياة وإيجابي وطموح جداً، حتى أنه يغير أفكاري إلى الأفضل، في بعض الأحاديث التي تدور بيننا، حول مواقف معينة».
يذكر عبد الإله موقفاً كان يتبادل فيه الحديث، مع صديقه، وأثناء وقوفه بجانبه وضع يدي على كرسيه ليرتاح قليلاً، فلاحظ انزعاجه، ثم علم من اختصاصي مهني أن لمس الكرسي المتحرك من دون إذن الشخص ذي الإعاقة يمكن أن يُنظر إليه على أنه انتهاك لخصوصيته، يعلّق قائلاً: «شعرت بالخجل من نفسي لأنني لم أكن أعلم أبسط معلومة للتعامل بشكل لائق معهم».


لأجلها غيّرت تخصصي!

خديجة أحمد المخمري


وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن حوالي 11 % من المواطنين في الإمارات من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ أي إن عدد ذوي الاحتياجات الخاصة يبلغ 19,151 مواطناً، مقسمين على النحو التالي: 784 شخصاً يعاني من إعاقة بصرية، و2,335 شخصاً مصاباً بطيف التوحد، و5,510 شخصاً يعاني من إعاقة حركية.
تتذكر خديجة أحمد المخمري (24 عاماً)، طالبة في كلية فاطمة تخصص أشعة، ذلك اليوم الذي تزوجت فيه، وتركت العناية بأختها موزة، ذات الـ 21 سنة، التي تم تصنيفها بإعاقة ذهنية، وخوفها عليها لأنها أول من رأى تشنجاتها، عندما كان عمرها 5 سنوات، تذكر أنها لم تتمكن من أن تشرح لأهلها حالة شقيقتها، تستدرك قائلة: «السبب في تصنيفها بإعاقة ذهنية، هو تأخر نمو أصيبت به بعد إخضاعها لأدوية توقف التشنجات المتكررة، وهذا ما أثر في كثيراً، وحولت تخصصي بعد أن كنت أميل لدراسة القانون، نحو مجال الأشعة، لأظل قريبة من عالم الطب، وآخر الدراسات التي تكشف عن حالة أختي.. التي تنطق كلمة الحمد لله، بعد ثلاث دقائق من التشنج وفقدان الوعي، فأسأل نفسي وعن كل من يعيش بصحة من حولي: لماذا نرى الحياة صعبة، ونحن نعيش بصحة جيدة، صحيح أننا نواكب زمن التحديات، لكن الأمن والأمان، يلفنا من كل جانب، وهذا ما جعلني أرى الحياة بسيطة مهما واجهنا، فأختي تضحك بعد كل تشنج، من دون أن تعي حالتها، أو تسأل عمّا يحصل لها، وهذا ما جعلني أتطوع في جمعية «همّة»، لأمهات ذوي الهمم».

خديجة أحمد المخمري: أسأل نفسي وعن كل من يعيش بصحة من حولي: لماذا نرى الحياة صعبة؟


تكسر خاطري


في تطوعها تتعامل خديجة مع حالات التوحد القوية التي تحتاج إلى صبر تمتلكه، لتتمكن من العطاء، وقد تطوعت في دبلوم التربية الخاصة، الذي توفره الجمعية للعناية بأطفالهم، ومن خلال تعاملها معهم اكتشفت ذكاء عند بعضهم، لا مثيل له، فمنهم حفظة قرآن، تعلّق قائلة: «هذا كان يفاجئني، ويجعلني شغوفة بخدمتهم، وحب الاكتشاف أكثر».
موزة شقيقة خديجة، تعشق الرسوم المتحركة، التي دأبت خديجة على توفيرها لها، خلال غيابها، فاستيعابها بطيء لدرجة أنها تتألم بعد دقيقتين، من مصابها كالإبرة في المستشفى مثلاً، وهذا ما يكسر خاطر خديجة، كما تقول، لأنها تتألم في المستشفى بعد الإبرة بدقائق، تعلّق قائلة: «لهذا اتجهت لدراسة الطب، كي أراقبها وأتمكن من فهم حالتها».
يمكنك الاطلاع على الشغف.. ودوره في تحقيق أهداف الشباب


تغيرت أفكاري مع أطفال «متلازمة الحب»

مروة حمود


يزيد عدد أصحاب الهمم عن الـ 120,000 لبناني، بحسب إدارة برنامج تأمين حقوق المعوقين المنبثق عن وزارة الشؤون الاجتماعية، لكن إعاناتهم توقفت بسبب الوضع الاقتصادي المتأزم.
لم يسبق لـمروة حمود (25 عاماً)، عضو في جمعية أهل الخير، أن أمضت وقتاً مع أحدٍ من ذوي الهمم. كانت تنظر إليهم بوصفهم أشخاصاً لا يمكن لومهم، حتى لو أساؤوا لمن حولهم، فقد كانت تصنفهم في خانة الأطفال، الذين يحق لهم كل ما يفعلون، لذلك كانت تتجنبهم دائماً خوفاً منهم، كما تقول، وهي في الوقت نفسه، كانت تشفق على أهلهم لأنهم يتحملون كل ما يصدر عنهم، وتجد الحياة بالتأكيد صعبة عليهم، وظلت تحمل هذه الأفكار، إلى أن اجتمعت بهم؛ إذ تقول: «تعرّفت صدفة إلى بعضهم في جمعية خيرية تدعى «أهل الخير»، الذين تحمّست للعمل معهم في شهر رمضان. كانوا اسماً على مسمى أهلاً للخير. كنا نلعب مع اليتيم ونضحك مع الأرامل ونعطف على المسنّين. وما لبثت نشاطاتنا أن وصلت إلى أصحاب الهمم، وبصدق، كنت متوترة قليلاً لأنني سأقضي الوقت معهم على مائدة واحدة للمرة الأولى. لكنني عندما اجتمعت بهم وجدت أنهم كانوا أطفالاً ومراهقين من «متلازمة الحب». وكل واحد منهم يمتلك موهبة كان قد تدرّب عليها. فمنهم من يحب الغناء، وقد حفظ الكثير من الأغاني العصرية وغنى منها ومنهم من أتقن عمليات الحساب، فيستطيع بثوانٍ حساب أكبر مسألة قد تسأله عنها، ومنهم من يجيد الرقص كالدبكة وغيرها، ومنهم من يمضي وقته في الأشغال اليدوية والحرف الصغيرة، والكثير الكثير من المواهب التي لا تخطر على بالنا التي وجدت نفسي أمامهم عاجزة عن فعل أي موهبة منها».


رغبة أبكتني


أكثر ما لامس قلب مروة موعد الإفطار؛ حيث تم توزيع الطعام عليهم وناداها أحدهم، فركضت نحوه ظناً منها أن شيئاً ينقصه ليبدأ بتناول الطعام، تستدرك قائلة: «طلب مني أن أشاركه صحنه، فقد رآني واقفة وقد انتهى أذان المغرب ولم أتناول الطعام بعد. لمعت عيناي بالدموع عندما سمعت رغبته، كان مشهداً صغيراً لكنه غيّر الكثير في داخلي، فقد شعرت بالذنب كثيراً كيف حكمت على أشخاص لم أرَ منهم أي سوء. بل على العكس، لا يحملون في قلوبهم إلا الحب والفرح والابتسامة التي لا تفارق وجههم».


تدريب جاري فاقد السمع فتح لي مجال عمل كبير

محمد حمدي


كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة تمثل 10.5 % من إجمالي تعداد السكان داخل مصر، وفقاً لآخر تعداد أجرته الدولة بنهاية عام 2017، وبلغت أعداد ذوي الإعاقة 8.636 مليون شخص.
كان فتى ذكياً ومرحاً، يُدعى أحمد. يحب التواصل مع الآخرين ومساعدة الناس من حوله. هكذا وصف الكوتش محمد حمدي محمد خريج كلية العلوم (26 عاماً)، أحد جيرانه، المصاب بإعاقة سمعية لم تمنعه من العيش بسعادة ونشاط، لكنها كانت تشكل تحدياً في تعلم بعض المهارات مثل السباحة. يتابع محمد: «اصطحبته في أحد الأيام لنادي السباحة المحلي؛ حيث أقوم بتدريب الأطفال على السباحة هناك، لكنه شعر بحزن داخلي لأنه لم يستطع الانضمام إلى هذه التجارب المثيرة بالطريقة نفسها. عاد إلى منزله وهو يفكر في طريقة للتغلب على هذا التحدي، وفي اليوم التالي، سألني وهو في حيرة عن كيفية السباحة بدأت بشرح أساسيات السباحة له باستخدام لغة الإشارة، ثم بدأت بجلسات تدريب منتظمة له في المسبح. وقمت بمرافقته في كل حصة لتشجيعه للتغلب على مخاوفه والاستمرار في التدريب. وكنت سعيداً لأني قد تمكنت من مساعدة طفل من أصحاب الهمم على تحقيق حلمه».


العمل الجديد


فوجئ محمد عندما استدعاه مدير النشاط الرياضي بالنادي وعرض عليه إعداد برنامج تدريبي لأصحاب الهمم أمثال أحمد لتدريبهم على السباحة، يعلّق قائلاً: «العمل الجديد غير اتجاهي من مجال الكيماويات إلى العمل في مجال تدريب أصحاب الهمم، وقد أثبت أن المساعدة والدعم من الآخرين يمكن أن يحققا الفرق الكبير في حياة شخص».
يمكنك الاطلاع أيضاً على نظرة شبابية كيف تكون صاحب شخصية مؤثّرة؟