دمعة الحياة

على ذاك التل من الجبل

 

على ذاك التل من الجبل..

وجدته ينتظر دون ملل..

بيده أمسك كل الحلل..

ما أتعبه الانتظار ولا عانى الكلل..

كان متأكدًا من مجيئي..

كان عنده أمل..

سألته عن مدى حبه...

ولبراءته..

كل ما عرفه عن الحجم والكبر..

كان الجمل..

وقال: أحبك قدر الجمل..

ضحكت من قوله..

وأعجبتني براءته.. وحنانه بالمثل..

رائعًا كما تمنيته.. طفوليًّا لا يعرف الحيل..

فاستخسرته على نفسي..

أنا التي تعرف كل الدول..

لا أطيق أن أعدم براءته..

ولا طفولته أن أقتل..

على ذاك التل من الجبل..

أعدت له كل ما أعطاني من حلل..

وعيناه البريئتان ترقباني حيارى..

لا تعرف ما العمل؟

قبّلت يده الحنونة وودعته بمهل..

وقلت: وداعًا يا أحلى ما أهدتني الدنيا..

ولكن بعد فوات الأجل..

وعدت أدراجي..

مخيبة كل ما كان عنده من أمل..

تاركة إياه على ذاك التل من الجبل..

 

خديجة الوراق - المغرب

 

 

 

دمعة الحياة

كان جدي يستلقي على سريره، وكان كل أولاده يحيطون به، الجميع يدعو الله أن يطيل في عمره، لاحظت أن قطرات العرق تندي جبينه، وعمتي الجالسة بجوار رأسه على حافة السرير تمرر المنديل على العرق ليتبلل به، أدرت بصري في الحجرة لألحظ أمي تنزوي في جانبها وقد لمعت وجنتاها من أثر الدموع، أجول بعيني بين الموجودين، الجميع يبكي، انتابتني رعشة شديدة، ولا إراديًّا سالت دموع عيني غزيرة، ورغم احتضان والدي لجسدي النحيف بين أحضانه يستجديني أن أكف عن البكاء، لكني لم أتمكن من أن أجفف عيني.

كانت جدتي لا تزال تنعم بالحياة، رغم أن الشيخوخة قد أحنت ظهرها، كانت جميلة جدًّا في شبابها، ذات شعر بني ناعم، وعينين عسليتين، ووجه أبيض مستدير، ولكن رغم ذلك كانت

لا تزال تحتفظ بخفة دمها، وبحبها الشديد لي، ولكن ما كان يزعجني منها هو خوفها الشديد عليَّ، كانت تخيفني من الشارع بوجود «أم الغول» و«العجوز ذات العيون التي تقذف النار»، وكلاهما بانتظاري لتأكلاني، وكانت محاولاتها تلك غالبًا ما يصادفها النجاح، إذ بعدها أسارع بالهرب فرارًا إلى حضنها.

في الأيام الأخيرة كان قد ألمَّ بها مرض عضال ألزمها الفراش وأثقل لسانها عن الكلام، وكنت ألمس مدى سعادتها عندما أجلس بجوارها على سريرها أحادثها وأستجديها الكلام، وأشعر برغبتها في ملاطفتي كالأيام الخوالي، وهي تربت على كتفي، وتمسح بيديها على ظهري، وتلمس شعري في لطف وحنان، ثم تشير لأميل عليها لتمنحني قبلة على خدي.

يفيق جدي من غيبوبته وهو يدير بصره في جنبات الحجرة، وكأنه يبحث عن شيء ما، ويتعتع لسانه ثم يردد اسم  جدتي «نفيسة» وهو يشير إلى الباب، ويغيب مرة أخرى عن الوعي، لنسمع بعدها بلحظات صوت طرقات على باب الحجرة، تهب أمي واقفة تفتح الباب، فإذا بجدتي تقف ببابها، وقد فارقت فراشها، وتسير بخطى ثقيلة متحاملة على رفيقتها، متوكئة على عصاها، التي لازمتها من فترة ليست بالبعيدة، منذ أن هوت ببهو المنزل على قدمها، لتجري عملية جراحية بها، تسير جدتي بخطى متباطئة مقتربة من السرير، حيث يرقد جدي، تقف عمتي مفسحة لها المكان لتجلس بجوار رأس جدي، وتشير إليها لتمنحها المنديل لتجفف به عرقه، وتحدق بعينيها في وجهه، وتدمع عيناها، وتمسح بيدها جبينه.

يفيق جدي مرة أخرى، يدير بصره في جوانب الحجرة، ينظر إلى جميع المحيطين به نظرات متأنية، والجميع ينصت إلى السكون منتظرًا أن يهمس، لكنه أدار بصره بين الجميع دون أن ينطق بحرف واحد، ليستقر بصره على جدتي، وتتحرك يده لتحضن يدها، تتشابك أصابعهما، ويقبض كل منهما على طرف الآخر، وتتلاقى عيونهما، وتنحدر من عين جدتي دموعها الكثيرة رغم قلتها، يتحرك لسان جدي مرددًا «نفيسة».. تجيبه جدتي «حجازي».. يغيب جدي بعدها لبرهة عن الوجود، ثم يفيق وجدتي تحثه بعينيها وتثبته، ويردد في لحظة واحدة «لا إله إلا الله»، وجدتي تدمع وكل من بالحجرة يبكون، وهي تجيبه «محمد رسول الله»، لتنحدر من عينه دمعة الفراق، دمعة الوداع، دمعة الحياة، ويتوقف لسانه، ويبرد جثمانه، ويتجمد دمه، وترتفع حدقتاه لأعالي الأجفان، لتمتد يد جدتي لتغمضهما.

 

علي عفيفي – مصر

 

عتمة الصباح

غابت ستائر النور وطوّق الظلام قلبي.. فراغ وحدة مريرة تسرق مني روحي وعمري.. عصارة قهر وحزن تملأ فؤادي.. أشواق وآهات إن فتحت لها الأشرعة والرايات ستنهمر براكين تلسع من حولي، كأن الدهر قسا بي وجمّد أحاسيسي، قتل بي الحنان الذي كان عنوان تأسيسي.. بكيت  للدنيا بدموع حائرة واعتقدت نفسي شرًّا صامتًا يتحضر للغليل.. وحولت النظر داخل نفسي لأخمد آلامي وأطيِّب جروحي، وأدع السلام رفيقي الآن وإلى الأزل.. سؤال لا يكف يجول في خاطري و يملأ سطور خواطري... لماذا؟ لماذا رثى بي الحال وقتلني؟! فتحت عينيَّ على دنيا أخرى أنا فيها على الهامش.. راقبت كيف دارت بي الأيام، وكيف وصلت إلى حالتي..

رأيتني عصفورًا وجد جناحيه قد كبرا، فاعتقد أن باستطاعته الطيران، وعند أول محاولة له وقع بين الأودية.. ما جال في خاطره أن سنده قوي وداعم، وحتى إن ضاع في الظلام سنده سيكون نوره، ويحوّل العتمة إلى صباح... لم يعِ ذاك العصفور العواقب المنتظرة، فكان سنده عند الوعد، وأوداه إلى بر الأمان ليجد نفسه بعد ذلك وحيدًا، فقد قال له: ما دام جناحاك قد كبرا، طِرْ وغرِّد، فالدنيا دروس، ولن تكون صلبًا ما لم تواجه الصعاب..

فحاول ذلك العصفور الطيران مرارًا وتكرارًا.. وقع، بكى، اشتكى.. لكنه كان وحيدًا إلى أن وجد نفسه يحلق عاليًا.. فرح وأراد أن يملأ الدنيا عيدًا، ويزيّن ثغرات الماضي بالنصر والسعادة، فهو ما زال صغيرًا ليتحدى كل ما مرَّ به، وراح يفتش في كل الأمكنة عن سنده ليخبره ويشاركه غبطته، ليجده قد نسي أمره حين تركه وحده في معترك الحياة، وإذ به انشغل بعدها مع باقي إخوانه.. ناداه بأعلى وتيرة يمكن للقلب أن ينقشها على جدار قاسٍ، ولكن ما من سامع، وحين صرخ: «أنا هنا».. جاءه الرد من غير جواب: «جناحاك كبرا بما يكفي يا بني فـ«طِرْ» بهما بعيدًا وكن قويًّا..»

جنى ع – لبنان

 

هارب

هاربٌ من اضطراب نفسي ومهاجرٌ مع غربة قلبي طائر لا يعرف أين عشه..

وأي شجرة يأوي إليها..

طائرٌ يريد سكون عينيه.. تائهٌ يبحث وطنًا لنفسه..

وحيدٌ تعاشره الدموع.. نائمٌ بأحضان نفسه..

مكابرٌ لا يستطيع حب نفسه.. عنيدٌ يحبس أنفاسه..

صارخٌ من ظلمة الليالي.. خائفٌ من وحشة الأحلام..

يعيش الحزن ويدندن الألم.. يبكي دموعه ودموع الآخرين..

يتنفس قسوة الأيام ومرارة السنين..

ويحمل أسرار الجبال، غارقًا في هموم البحار، وصبره من الأرض إلى السماء..

وقلبه مكان يسكنه الألم والحرمان وهارب من نفسه إلى نفسه..

 هارب...

رنا إسكندراني

 

 

كتاب حياتنا وباختصار

 

عندما نتصفح كتاب حياتنا، ونقف على سطور ماضينا وكلمات حاضرنا ونقاط مستقبلنا، نحاول أن نترجم تلك الآهات التي بين السطور، نحاول مسح أحزاننا ولكن جبروتها أقوى وأبقى..

بداية كتابنا أحزان.. ونهايته دموع.. ومنتصفه ألم ومواجع وآهات تتصاعد.. هيا نقفله ونضعه على سلالم الأيام، لتخفيه غبرة الآلام وتغير مسراه شباك العنكبوت..

عندما نقرر أن ننسى نتذكر؟! كيف ننسى من كانوا هم ذاكرتنا؟ كيف ننسى وهم الهدوء في دنيا العاصفة.. هل نخترع لهم ميتة في عقولنا ونقف على أطلال الحياة ونبكي عليها، وهم في الواقع أحياء؟!

هل نحرق كتاب الذاكرة ونجمع رفاته ونضعه في قارورة زجاجية ونقذفه في أكبر محيطات الحياة؟ أم نتعرض لحادثة سيئة ونفقد الذاكرة؟!

نعمة النسيان هي حلم أتمناه دائمًا، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، قد يكون النسيان دواء الداء الذي يكدرنا أو الكابوس الذي يطارد أحلامنا.. نحاول النسيان ونقول لعل عقولنا مثل هذا الجهاز الذي اخترعناه باستخدام عدة أوامر، سنقوم بإعادة ضبطه كاملاً ومسح جميع ملفاته التي تعكر عملنا اليومي.. هل يعقل أن هذا العقل قد كان بمقدوره أن يصنع جهازًا يسهل أعماله ولم يستطع أن يمسح ملفات خاصة في كتاب الذاكرة التي قد تكون سرعتها حين الحذف أسرع آلاف المرات من هذا الجهاز؟!

لعلهم دخلوا ذاكرتنا رغمًا! واستوطنوا قلوبنا بمدافعهم وأسلحتهم وقوتهم ونحن لا نحمل سوى حجارة رقيقة ندافع بها عن أنفسنا.

من أرسل لنا هذا الفيروس الخفي الذي تجمّد في براد حياتنا وأوقف عمل ذاكرتنا وغيّر مسار أحلامنا، لن ينفع غبار السنين، ولن تستطيع العناكب الصغيرة أن تفرش أنسجتها لتغير رسم حياتنا، هذا قدر قد كُتب وحفر في جدران قلوبنا، لن ينفعهم أسلحة دمار ولا قنابل نووية، هم فقط ذاكرتنا وكتاب حياتنا وقدر كُتب علينا.. هيا لنقف ونكمل رسم الذاكرة بزخارف الحياة المطرزة بخيوط الذهب ومصقولة بحجارة الألماس.. مهما ارتفعنا ونسينا فهم قادة وأبطال كتاب الذاكرة..

تهاني زغموت

 

مذكرتي

 

إليك انجذبت يا مذكرتي.. إليك والحزن يجبرني.. إليكِ لأن الهم يقتلني.. إليكِ.. لأن الدموع في جفوني تزاحمت.. وإلى الانسياب على خدي تسارعت.. انجذبت إليكِ لأنه لا يوجد متنفس لي غيركِ.. ولا كاتم لي سواكِ.. ولا يوجد سامع لمعاناتي ومُنصِت سوى صفحاتك.. إليك يا مذكرتي تناثرت وتبعثرت حروفي.. إليك يعبر القلم عن حروق روح كاتبته.. آآآآه.. آآآهات يا مذكرتي.. أنا حزينة كئيبة.. حائرة خائرة.. مكتظة عبوسة.. بالأحرى وللأسهل اجمعي كل معاني الحزن

وضعيها يا مذكرتي..أنتِ كشفت ستارة أسراري.. أنتِ أذبتِ ثلوج قلبي بدفء يديك.. أنت من تعلمين زفراتي وآهاتي وتنهداتي.. كثيرًا ما شكوت لكِ وسمعتِ.. وكثيرًا ما بكيت أمامكِ وتحملتِ.. وكثيرًا ما أتعبتك من قطرات دموعي وقاومت.. كثيرًا ما أزهقتك من عبارات الحب والحزن والأسى وصبرتِ.. لكن الآن أريدك أن تساعديني.. فهل لك أن تساعدي رفيقتك؟! هل لكِ أن تنصحي؟! هل لك أن تواسي؟! بالطبع لا!! فأنت مجرد جامد ساكت.. أنت مجرد حافظ لكاتب.. أنت مجرد متنفس لكابت.. لا تفرحي كثيرًا فأنت مجبورة على ذلك.. أنت مجرد مذكرة لذكرياتي.. مجبورة أن تتحمليها مهما كانت ذكرياتي.. ولكن مهما كان من لي سواك...هل تعلمين لماذا هذا الحزن الصادر؟! فأنا نفسي لا أعلم ما سبب هذا الحزن القاهر؟!

 

مريميات

 

 

ردود

إلى التي تُسمي نفسها «الجوزائية المغرورة»: ننتظر منك مواد جديدة.

إلى «سامية قنوط» من دمشق: مادتك غير صالحة للنشر.. ننتظر منك الأفضل. 

 

إلى فاطمة درغام من الكويت: رسالتك وصلتنا وترقبي نشرها في عدد قريب..
إلى جميع المشاركين الذين يسألوننا عن أوقات نشر موادهم، نخبرهم أننا لا نهمل مادة، وكلها ستأخذ طريقها للنشر.