كانت إلسا سكياباريللي Elsa Schiaparelli أحد الأسماء البارزة في عالم الموضة في عشرينيات القرن الماضي، ونستطيع أن نقول إنها المنافس الأقوى لكوكو شانيل، ولكنهما ظلتا كالخطين المتوازيين؛ لكل منهما عالمها وأسلوبها الخاص، فجسدت تصاميم شانيل مدرسة الأناقة الكلاسيكية، فيما اتسمت إبداعات سكياباريللي بالفخامة المخلوطة بالفن، فقد استفادت المصممة الإيطالية الشهيرة من أعمال فنانين كبار كانوا نجوماً ساطعة في تلك الفترة، أمثال سلفادور دالي Salvador Dalì، ومان راي Man Ray، واستوحت تصاميمها من لوحاتهم الخالدة، هذا بخلاف أصولها الأرستقراطية ودراستها للفلسفة، فكلها تفاصيل تقف خلف قصة نجاح واحدة من أبرز المبدعين في عالم صناعة الأزياء، والتي نحتفل بميلادها اليوم، وسنحاول أن نستعرض أبرز القطع الأيقونية التي حفرت اسمها في ذاكرة الموضة، ومستمرة في عروض الدار إلى الآن، بتوقيع مديريها الإبداعيين المعاصرين، وسنركز تحديداً على رحلة برتراند جويون Bertrand Guyon من عام 2015، ودانيال روزبيري Daniel Roseberry؛ الذي تسلّم المهمة منه في عام 2019.

الكركند لا يزال يزين فساتين سكياباريللي إلى الآن

تعاونت إلسا سكياباريللي مع فنانين كبار خلالها مسيرتها، أشهرهم سلفادور دالي، فقد تلاقت رؤيتهما الإبداعية المرتكزة على السريالية في عام 1935؛ لينتجا تصاميم حفرت في ذاكرة المهتمين بصناعة الكوتور، وامتد تأثيرها إلى عروض الدار الفرنسية إلى وقتنا هذا، فمن يمكن أن ينسى فستان الكركند Lobster Dress الشهير، الذي تميز بطبعة جراد البحر الأحمر الفاقع من الأمام، ليتحول هذا التفصيل الفريد إلى رمز يزيّن أزياء سكياباريللي الموقعة باسم المدير الإبداعي الحالي دانيال روزبيري، فقد وضعه كأكسسوار على هيئة قلادة كبيرة تزين الفستان الأسود الديكولتيه القصير المصمم بتوب مخمل وتنورة ساتان ملفوفة حول الجسم، من عرض ربيع وصيف 2024.
قبعة الحذاء زيّنت رؤوس العارضات في خريف 2020

بالحديث عن التعاون الفني المثمر بين إلسا سكياباريللي وسلفادور دالي، لا يمكن أن ننسى القبعة المزدانة بحذاء مقلوب Shoe hat، التي أطلقتها المصممة الإيطالية في عام 1937، وارتدتها لاحقاً زوجة دالي، غالا Gala، والتي أعاد إحياءها دانيال روزبيري في مجموعة خريف 2020، فكانت اللمسة النهائية التي زيّنت إطلالات العارضات بالتاييرات الأنيقة المستوحاة من أناقة الخمسينيات، والتي يصفها المصمم الأمريكي بالعصر الذهبي للكوتور.
الورود بالخداع البصري تتجدد في مجموعة خريف 2021

لا يمكن أن نتذكر التصاميم الأيقونية للمصممة إلسا سكياباريللي من دون أن نقف أمام طبعة الورود المنفذة بالخداع البصري، التي أطلقتها بالتعاون مع الشاعر الطليعي الفرنسي جان كوكتو Jean Cocteau، وزيّنت بها معاطف السهرة في عام 1937، فقد رأيناها حديثاً مع مجموعات الدار العريقة، تحديداً المخصصة لخريف 2021، فغطت الجزء العلوي من ظهر أحد التصاميم التي كشف عنها المصمم دانيال روزبيري، والأجمل أنها نسقت مع القبعة الحذاء الأيقونية. واليوم يتيح معرض فكتور أند ألبرت في لندن لعاشقات الموضة الفرصة لمعاينة هذا التصميم مباشرة عبر معرض يخلد إنجازاتها في عالم الموضة.

سكياباريللي لم تنسَ أن تعتمد على الطبيعة كمصدر إلهام

كلما تعددت مصادر إلهام المصمم؛ سينعكس ذلك بشكل إيجابي على الأزياء التي تخرج من تحت يديه، فعلى الرغم من عشق سكياباريللي للفنون، فإن ذلك لم يمنعها أن تستوحي أيضاً من الطبيعة كغيرها من المبدعين، وكانت المرة الأولى في عام 1938، فكانت أول من استخدم الحشرات كرسومات على الفساتين أو كأكسسوار Statement يزين الجاكيتات والأوشحة الكبيرة، حتى إنها استعاضت بها عن الأزرار التقليدية، وقد ظهر هذا النمط مجدداً في عهد المدير الإبداعي للدار برتراند جويون، تحديداً في عرضه الفخم لخريف 2018، حيث ظهرت إحدى العارضات بفستان ناعم منفوخ الأكمام مطبع بالفراشات الملونة، والذي ذكّرنا على الفور بفستان Butterfly dress، الذي كشفت عنه سكياباريللي لأول مرة في عام 1938.

أيضاً لا يمكن أن ننسى فساتين السهرة الدراماتيكية المخمل السوداء المزدانة بالورود الطويلة البارزة على الصدر والكتفين، التي رأيناها في عرض خريف 2022، واتسمت بقصاتها الجريئة، والتنورة المحددة للقامة.
قد يهمك التعرف إلى مصادر إلهام شكّلت مشوار المصمم دومينيكو دولتشي
الوردي الصادم عبر عن شخصية سكياباريللي الجريئة

عندما قررت أن تقدم إلسا سكياباريللي الوردي في تصاميمها؛ لم تلجأ إلى تلك النغمة الباهتة التي رافقت إطلالات النساء في القرن الثامن عشر، بل أرادت أن يكون لوناً جريئاً تحبه النساء القويات والعاطفيات، فمزجت القليل من الأبيض مع الماجنتا أو ما يعرف بالأحمر الأرجواني، فأحدثت ضجة كبيرة في أواخر الثلاثينيات، امتد تأثيرها لثلاثة عقود لاحقة، مما شجع ماركات أخرى مثل بالنسياغا على تبني هذه الموضة، وقد حرص الكثير من المديرين الإبداعيين للدار الفرنسية العريقة على إدراجه في عروضهم، فلا يمكن أن ننسى الفساتين الدراماتيكية الخلابة التي مشت بها العارضات في مجموعة خريف 2018، والتي كانت آخر عروض برتراند جويون مع سكياباريللي، قبل أن يتسلّم دانيال روزبيري دفة القيادة بشهور قليلة، خاصة الفستان منفوخ الأكمام، المصمم على طراز عباية مرتفعة الياقة، والذي نسق مع بنطلون وقناع للوجه على شكل فراشة سكياباريللي الأيقونية.
حقائب أناتومي جوليري.. تحية من روزبيري لمؤسسة الدار

يعتبر دانيال روزبيري من المصممين الإبداعيين القلائل الذين نجحوا في الحفاظ على إرث الدور العريقة التي تسلّموا إدارتها، فهو يدرك جيداً أن نجاح مجموعاته يرتكز بالأساس على تاريخ الدار والرؤية الإبداعية لمؤسستها، ولأن إلسا سكياباريللي كانت شغوفة بالفن السريالي والطليعي، أراد المصمم الأمريكي أن يوظف الأشكال التشريحية للوجه، التي ميزت تصاميمها في ابتكار حقائب عصرية فاخرة، أطلق عليها اسم "أناتومي جوليري" Anatomy Jewelry bags، والتي تجسد تعاونها مع فنانين مثل سلفادور دالي وبيكاسو، فتميزت بأشكالها الهندسية وتفاصيل الوجه المنفذة من المجوهرات.
فستان الدموع الأيقوني للمصممة

فستان سهرة وحجاب من وحي "الدموع"، وهو من تصميم إلسا سكياباريلي، نفذته في فبراير 1938 وينتمي الى مجموعة السيرك، التي اطلقتها في الصيف. وقد تم تنفيذ القماش من وحي تصميم للفنان المبدع سلفادور دالي (حقوق الصورة: متحف فيكتوريا وألبرت، لندن، بإذن العلاقات العامة للدار. )
اكتشفي أزياء جريئة وألوان غنية رسمت مشوار توم فورد