mena-gmtdmp

في اليوم العالمي للترجمة.. الكاتبة والمترجمة سُكينة حبيب الله: الترجمة فتحت بواباتٍ هائلة نحوَ عوالِمَ جديدة كلياً 

سُكينة حبيب الله
سُكينة حبيب الله

سُكينة حبيب الله (1989) كاتبة قصصية وشاعرة ومترجمة مغربية، ولدت في الدّار البيضاء، درست الاقتصاد ثم تخصصت في القانون باللغة الفرنسية، لها مجموعات شعرية وقصصية وروايات منشورة، وحصلت على عدة جوائز أدبية وتشجيعية.
تكتب سكينة قصيدة النثر وتعتمد على السرد أحياناً، تصنّف بأنها شاعرية «أنثوية»، صدر لها ديوانان عام 2014، هما «ربع قرن من النظر» و«لا لزوم لك»، وصفت المجموعة «ربع قرن من النظر» حالة إنسانية عميقة تبدو فيها الكلمات هي الانعكاس الصادق لما تعيشه الشاعرة.
في اليوم العالمي للترجمة، ولأن الكاتبة دخلت هذا العالم، التقتها "سيدتي" في حوار، تناول بدء تجربتها مع الترجمة، وبأي لغة تترجم نصوصها، وما أثر الترجمة على حياتها.


نشرت سكينة مجموعة «خمس فراشات منزوعة الأجنحة» في 2016، وفي 2019 مجموعتها الشعرية الرابعة «خطة بديلة»، تسعى فيها إلى تقديم خطة بديلة لمسار الحياة، وركزت فيها على «محاولات متكرِّرة لإيجاد خُططٍ بديلة والتحايل قدر الإمكان على الحياة وانعطافاتها المفاجئة وخيباتها التي لا تنتهي»، وبرأي الناقد ناظم بن إبراهيم تمثلت «قدرتها على تجاوز تلك النزعة الأنثويّة المصطنعة الّتي نجدها في نصوص نسويّة كثيرة ترى كينونة المرأة مجرّد امتداد عرضيّ تشوّهه غريزة ذكوريّة ترغب فيه بلا توقّف».
دخلت عالم الترجمة مبكراً جداً، حين كانت تترْجِم نصوصها التي تكتُبها بالفرنسية إلى العربية، لأمها كي تقرأها، تتابع قائلة: "لم أكُن أعرف حينها أن ما أفعله هو ترجمة، كنتُ أعتبرُني فقط مثل عامِل بناءٍ، يفتحُ نافذة في جدار، بعد التقدم في الأدب، تبين لي أن هذا بالفعل ما يقومُ به المترجم، صانِعُ نوافذ ماهر، قضيتُ حياتي أتأمل النوافذ، أحب هذا الاختراعَ المدهش، ربما نحنُ الكائناتُ الوحيدة على الأرضِ التي طرأتْ عليها فكرةُ النوافذ، ولهذا أترجِم، لأني أيضاً مولَعة باللغاتِ، وكيف تتفاعَل، وتعيشُ، وتُغير الأفكار والمشاعر وتتطور وأحياناً... كيف تَتبدد، ثم تبعث من جديدٍ لأسباب غير معقولةٍ أحياناً كأغنية".

 التفكير في اللغة

وعن أثر الترجمة في بناء الهوية الثقافية للشعوب الناطقة بلغات "صغيرة" أو "مهددة بالاندثار“، تقول: "كل لغةٍ محيط شاسِع، وما يهدد اللغات بالاندثار، ليس عدد المُتكلمين بها، بل مدى تعريضهم لها للحلم والخيالِ، فورَ أن تتبلل اللغةُ بالشعر والأدبِ، تكتسِبُ تلقائياً مناعةً ضد الاندثار، الشاعر الغواتيمالي إمبرتو أكابال ظل مصمماً على كتابة شعره بلغةِ الكيتشي مايا الشفهية، والتي رغم أنها، "صغيرة مهمشة" كان لأجنحتها من القوة ما يكفي لتحمِل نصوصَه إلى العالم بأسره -من خلالِ ترجمتِه شعره إلى الإسبانية- أحب التفكير في اللغة، كما يراها أكابال، مفاتيح، مهما بدت صغيرة، إلا أن بوسعِها فتح بواباتٍ هائلة نحوَ عوالِم جديدة كلياً.

ما أخشاه حقاً، هو أن يفعل بنا الذكاء الاصطناعي ما فعله الجي بي إس، حيث منع عنا هبات التيه وحرَمنا من مُتع اكتشاف الدروب الخلفيةِ

اليوم العالمي للترجمة يبحث في الحقوق المعنوية والمادية للغات الأصلية

الترجمة أم بديلة للنص

الترجمة تحمل النص للنور


وإن كانت تعتبر نفسها مؤلفة ثانية للنص؟ تقول سكينة: "عملتُ في الترجمةِ بشقيها، الترجمة العلمية والترجمة الأدبية، الأولى تقفُ للغةِ بالمرصادِ وهي تحمِلُ مسطرة صارمة، مثل آلاتِ تسجيل الأمتعةِ الحديثة بالمطارات، حيثُ لا ينفذ غرام واحدٍ بلا حساب، مهما بدا في عينيك مُهماً ومصيرياً أو جئتَ محملاً به تحسبه هدية ثمينة، فهي تقترحُ عليك رميه في سلة المهملات إن شئتَ إكمالَ الرحلة، فيما الترجمةُ الثانية، الأدبية، تحمِلُ بدورها مقصاً، لكنها تُشهره كما يفعلُ بستاني بحديقة، تُشذب بعناية الجُمل والمعاني والصور، بما يخدِمُ الشجرة الكبرى النص، الترجمة، هي أم بديلة للنص، في نهاية المطاف، يحمل النص اسمَ كاتبِه، لكنه تبادل خلاياه وأسرارَه مع المُترجِم، وهذه الأسرار هي ما يساهِم في ترميمِ لغة المترجم، أحياناً تهُب كلمة أو عبارة ترجمتَها قديماً لتنقذك من مشكلةٍ لغويةٍ مستعصية في عملٍ جديد، فكما تحمِل الأم خلايا جنينها، حتى في حال عدم خروجه للنور، كذلك يفعل كل نص مع مُترجمه، اللغة لا تذهب سدى".

نصوص مستحيلة الترجمة

وعمّا إذا كان هناك نصوص "مستحيلة الترجمة"، توضح قائلة: "النص المستحيلُ الترجمة، هو ذلِك الذي لم يُكتب بعد، هناك إشاعة انطلت حتى على الشعراء، أن الشعر عصي على الترجمة، ربما مصدر هذا، الوعي بخطورةِ وأهمية الشعر، والرغبة في الحد من انتشارِه، ما نفعلهُ ككُتابٍ، قبل أن نكون مترجمين، هو ترجمة في الأساس، الأدبُ والشعر مكتوب في الهواءِ، ويعتمِل داخل الروح ويلف داخل الرأس قبل أن يُترجم إلى نصوصٍ مكتوبة، ويفعل ذلك بلغته الخاصة، تلك اللغةِ التي لا يتحدثها سوى شخصٍ واحد هو الكاتب، أو لعلها، تلك اللغة التي يتحدثها كل البشر".

قصيدة بعنوان "فيتنام"

هناك نص ترجمته سكينة، وغيّرها شخصياً، وهو قصيدة بعنوان "فيتنام" للشاعرة البولندية فيسوافا تشيمبورسكا، تعلّق قائلة: "هذه القصيدة المكثفة والقصيرة جداً، كطلقة، غيرت لا فقط نظرتي لقصيدة النثر، وقوة الكلمة حين توضع في مكانِها، بل أيضاً أعادت تشكيل نظرتي للعالم، إنها درس في البساطة، على اعتبارِها أكثر أشكالِ التعبير صعوبة وكمالاً".
 هناك قصيدة مُربكة وطريفة وعميقة بعنوان "خط الدار التحريري" للشاعرة والمترجمة البريطانية ياسمين سيل، كتبت بحس ساخِر في قالبٍ يشبه الـcento poem مُجمعة الملاحظاتِ التحريرية التي توصلت بها من مُحررها أثناء ترجمتها لألف ليلةٍ وليلة إلى الإنجليزية، ترجمةُ هذا النص، كانت مثل الوقوف على أرض متحركة، أو الوجود في أكثر مكانٍ في الوقت نفسه، من جهةٍ كانت ترجمةً بأثر رجعي؛ إذ يقومُ النص على مصطلحاتٍ مقتبسَة من اللغةِ العربية الفصيحةِ المُقعرة أحياناً المُستعملة في ألف ليلة وليلة، لكن التحدي، أنها في النص مترجمة سلفاً إلى الإنجليزية، وقد كان عليّ العودة إلى قراءة بعضِ المقاطِع من الكتاب الأصلي لإعادة استخراجها، "من جهةٍ أخرى، كان عليّ عدَم إفلات السخرية المتقدة عند الترجمة إلى اللغةِ العربية، كان نصاً قصيراً، لكني خُضت معه رحلةً محفوفةً بدروسِ الترجمة".

​  سكينة حبيب الله​​    ​
                               سُكينة حبيب الله

الترجمة والذكاء الاصطناعي


تحكي سكينة عن الترجمة الآلية (مثل الذكاء الاصطناعي)، وتقول: "إذا عُدنا بالزمن وأخبرنا صاحِبَ البريد، أن ثمة وسيلةً عجيبةً، تُرى ولا تُمس، أمامك ولا توجد في أي مكانٍ، هي ما سيحل محله، اسمها البريد الإلكتروني، ربما لضحكَ قليلاً، ثم امتطى فرسَه محملاً ببريدِه وزوادته متوجهاً إلى بلادٍ بعيدة، تغيرت الوسائل والقنوات، لكن لم يتوقف الناس منذ آلاف السنين عن إرسال الرسائل، سواء عبر المَرسُولِ أو عبرَ الإيميل، سيظل الناس يتكلمون، ويكتبون ويترجمون ويعيدون تشكيل اللغة مراراً، اللغةُ ليسَت منتجاً منتهياً، بل عمليةٌ مستمرة، لا تتوقف، وموكلة إلى البشر وحدهم، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي، سيساعِدُ المترجِم كثيراً، ما أخشاه حقاً، هو أن يفعل بنا ما فعله بنا الجي بي إس، منع عنا هبات التيه وحرَمنا من مُتع اكتشاف الدروب الخلفيةِ.
توصلت سكينة إلى هدنةٍ، على الأقل من طرفها، مع التكنولوجيا، فهي، كما تقول، لا تعتبِرها تهديداً، لأن الشعورَ بالتهديد والخوفِ مُعيق كبير لأي عمليةٍ إبداعية، ألجأ إليها حين تحتاجُ عيناً ثالثة تتفحص معي بعض المُعضِلاتِ، أما حينَ تقفُ الكلمةُ على طرفِ اللسانِ وتعانِد، فإن اقتراحات الذكاء الاصطناعي تدفعُ بها لتسقط على الورقة بسرعةٍ مدهشة.

 

الترجمةُ الأدبية مثل بستاني الحديقة تحمل مقصاً، لكنها تُشهره لتُشذب بعناية الجُمل والمعاني والصور، بما يخدِمُ الشجرة الكبرى والنص

لحظة البدء للعالم


تقول سكينة عن الاحتفال بيوم الترجمة العالمي، إنه احتفال بما يجمَعنا، بلحظةِ البدء للعالم، حيثُ الكلمة تبرز فيه أولاً، وتعمل مؤسسة الإمارات للآداب على إدخالِ المزيدِ من الهواء والشمس إلى الكتاب العربي، ومد جسور قوية له ليصل إلى القارئ العالمي، كما تُجلس على مائدة واحِدة الكاتب والمترجم العربي بنظيره من بقية العالم، بندية، قلما تتوفر في بقية مناطق العالم، تعلّق قائلة: "أعملُ منذ بضع سنواتٍ، ببطء وروية، على ترجمةِ نص لصديقي الذي تعرفتُ إليهِ أثناء مشاركتي ببرنامجِ الكتابة العالمي بآيوا، الكاتب النيبالي الموهوب، بوديساغار، رواية ”كارنالي بلوز“ تأخذ القارئ في رحلةٍ إلى مناطق عميقة من النيبال، وتفتح له نافذة على عالمٍ لم تحالفنا الترجماتُ الشحيحة جداً للأدب النبيالي، كي نتعرف إليه".