رحلة المعرفة أصبحت أسهل، أذكى، وأقرب إليكِ من أي وقت مضى بفضل الذكاء الاصطناعي. في الماضي، كان الوصول إلى المعرفة يتطلب مجهوداً كبيراً، كنا نبحث عنها بين أرفف المكتبات، ونقلب صفحات الكتب لساعات طويلة، نتنقل من مرجع إلى آخر بحثاً عن إجابة واحدة.
كانت رحلتنا مع التعلم تقليدية، محدودة بالأماكن والمصادر المتاحة، تخضع لجدول دراسي وإيقاع تعليمي لا يراعي اختلاف الأفراد. لم تكن هناك خيارات كثيرة، ولم يكن هناك مجال للتخصيص أو المرونة في الأسلوب.
إعداد: إيمان محمد
الذكاء الاصطناعي والتعلم الذاتي
للحديث عن سبل التعلم الذاتي في عصر الذكاء الاصطناعي، التقت "سيدتي" مع سهى موسى، متخصصة في التكنولوجيا التعليمية ومدربة وعي ذاتي، والتي استهلت حديثها قائلة: "نحن في قلب ثورة معرفية أعادت تعريف شكل التعلم وأدواته. أصبح التعليم شخصياً، فورياً، ومتاحاً للجميع". وتضيف: "لم تعد المكتبة على بعد شارع أو مدينة، بل أصبحت في جيبك، تحملها معك أينما ذهبت". وتشدد: "المعرفة اليوم تأتينا بدلاً من أن نذهب إليها، وتتكيف معنا بدلاً من أن نتكيف نحن معها. وهنا يظهر الذكاء الاصطناعي كأحد أبرز العوامل التي تقود هذا التحول النوعي".

كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي للتعلم الذاتي
ترى المدربة سهى أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية متقدمة، بل هو عقل رقمي قادر على التعلم معك ومنك. إنه يعيد تشكيل الطريقة التي نكتسب بها المعرفة، بحيث تصبح التجربة التعليمية مرنة، ومخصصة، وفعالة. وتوضح الطرق الخاصة التي يمكن من خلالها استغلال الذكاء الاصطناعي بغرض التعلم وتشمل:
التجارب الفردية بدلاً من التعلم الموحد
تؤكد سهى أن الذكاء الاصطناعي يغير القواعد التقليدية للتعلم. فبدلاً من الالتزام بمسار موحّد لجميع الطلاب، يقدّم محتوى مصمماً خصيصاً للفرد، بناءً على أسلوبه في التعلّم، مستواه الحالي، واهتماماته الشخصية. "هل تفضل التعلّم عبر الفيديو؟ ستحصل عليه. هل تتعلم بشكل أفضل من خلال التمارين التفاعلية؟ سيتم توفيرها لك"، تقول سهى، مضيفة: "هذه المرونة الفريدة تجعل الذكاء الاصطناعي شريكاً ذكياً، لا مجرد وسيلة، حيث يقدم تجربة تعليمية تعكس شخصية المتعلم وتتكيف معه في كل مرحلة".
شريك يعزز الفهم والتطور الذاتي
الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على نقل المعلومة، بل يعمل كأداة تحليل وتقييم. يمكنه مراقبة تطورك، ملاحظة نقاط القوة والضعف، وتقديم تغذية راجعة فورية تساعدك على تحسين الأداء. تقول كوتش سهى "هو لا يوفر وقتك فحسب، بل يساعدك على التعلّم بعمق. يتعامل معك كفرد، لا كرقم في نظام تعليمي تقليدي". وبحسبها، فإن "الذكاء الاصطناعي يُسهم في خلق بيئة تعلم ديناميكية ومستمرة، يُبنى فيها كل درس جديد على ما سبقه، استناداً إلى تفاعلك ونتائجك الفعلية".
التعلم الذاتي يبدأ من وعيك بنفسك
تشرح سهى أن "كل أدوات الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن تكون فعالة حقاً، ما لم يكن المتعلم مدركاً لنفسه وأهدافه. التقنية وحدها لا تكفي. يجب أن تسأل نفسك: ما الذي يحفزني؟ ما هي أهدافي؟ كيف أتعامل مع المعرفة؟"، تقول مدربة الوعي الذاتي. فوعيك بذاتك هو حجر الأساس الذي يُبنى عليه أي تعلم حقيقي. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يرشدك، لكن عليك أن تعرف إلى أين تريد أن تذهب.

أنت القائد والذكاء الاصطناعي أداتك الذكية
في قلب كل هذا التطور، تُذكّر سهى بحقيقة جوهرية: الذكاء الاصطناعي لا يحل مكانك، بل يُعظم من إمكانياتك. وتضيف "المعرفة الحقيقية لا تُستورد، بل تُبنى. وأنت وحدك تملك البصمة التي لا يمكن لأي خوارزمية أن تكرّرها". وهنا، تدعو إلى التعامل مع الذكاء الاصطناعي باعتباره أداة للتمكين، لا للاتكال. فكل تفاعل مع هذه التكنولوجيا يجب أن يصبّ في تعزيز استقلالية المتعلم، وتحفيزه على اتخاذ القرار وبناء رؤيته الخاصة.
التكنولوجيا تُعيد تعريف المعرفة
تختم سهى حديثها بصورة ملهمة، وتقول: "مكتبتك لم تعد مبنىً من الطوب والحجر. هي امتداد لعقلك، محمولة في جيبك، متاحة في كل وقت. الذكاء الاصطناعي هو بوابتك، أما القرار فلك وحدك". ففي كل لحظة، هناك فرصة جديدة للتعلم، والتطور، وإعادة تشكيل مستقبلك المعرفي. الذكاء الاصطناعي لا يحدك، بل يمنحك مساحة لتكون من يقود لا من يُقاد.
نصائح لاستغلال الذكاء الاصطناعي
ومن حديث كوتش سهى، يمكن حصر مجموعة من النصائح الفعالة لتطوير سبل التعلم بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي:
- حدد أسلوبك المفضل في التعلّم (فيديوهات، تمارين، قراءة، تفاعل مباشر).
- استخدم أدوات الذكاء الاصطناعي التي توفر تحليلاً لتقدمك وتقييماً لأدائك.
- لا تتعلم لمجرد الحفظ، بل اسعَ إلى الفهم العميق وربط المعلومات بحياتك.
- اعرف نفسك جيداً: ما الذي يشعل شغفك؟ وما هي أهدافك الحقيقية؟
- استخدم التقنية كأداة ووسيلة، لكن لا تجعلها تقود قراراتك.
- تذكر دائماً: أنت من يبني المسار، والذكاء الاصطناعي يدعمك فيه.
اقرئي أيضاً كيف تبنين هويتكِ الشخصية في بداية العشرينات؟ تجربة واقعية