في أوَّلِ زيارةٍ لها إلى العاصمةِ المصريَّة، حضرت الأميرةُ طرفة بنت فهد آل سعود فعاليَّاتِ أسبوعِ القاهرة للتصميم، إذ شاركت في حلقةٍ نقاشيَّةٍ عن إعادةِ تعريفِ علاقتنا بالمباني، وتقديرِ القيمةِ العاطفيَّةِ والنفسيَّة للعاديَّةِ منها عند سكَّان تلك المناطق. وعلى هامشِ الزيارةِ والندوة، كان لـ «سيدتي» حوارٌ مع الأميرةِ طرفة، وصفت فيه القصصَ بـ «خطِّ الدفاعِ الأوَّلِ ضد ضياعِ الهويَّة، والجسرِ الذي يربطُ كلَّ الأجيالِ ببعضها»، فهي بحكيها قصصَ الأجدادِ، تسعى وتُسخِّر وقتها لتعريفِ جيلها والأجيالِ الأصغر بتراثهم الثقافي والمعماري والفنِّي بكلِّ أشكاله.
الأميرة طرفة بنت فهد آل سعود

كيف بدأ شغفكِ وحبُّكِ للفنِّ، لتعملي تالياً فنَّانةً بصريَّةً؟
في الحقيقةِ، وقعتُ في حبِّ الفنِّ بكلِّ زواياه، وليس الرسمَ فقط. الفنُّ، هو طريقةُ تفكيرٍ في حلِّ المشكلات، والتعبيرِ عنها بشكلٍ خلَّاقٍ ومبدعٍ، وهو يُعلِّمك وزنَ الأمور، وتالياً تحدِّي خيالك في إيصالِ قِصَّتك ورسالتك.
خلال أسبوعِ القاهرة للتصميم، شاركتِ في ورشةٍ بعنوان Creative Rethinking of spaces، ما الذي نحتاجُ لأن نُغيِّره في نظرتنا للأماكن؟
لكلّ مكانٍ خصوصيتُه وهويتُه. تاريخياً، لم يكنْ أجدادُنا مرتبطين بالمباني كمادةٍ، بل بالذاكرةِ والعلاقاتِ الإنسانيةِ المرتبطةِ بها. اليوم، أصبحَ من المهمِّ أن نحافظَ على ذاكرةِ هذه الأماكنِ، لأنّها جزءٌ من هويتِنا ومن الإرثِ الذي نمرّرُه للأجيالِ. لذا في الجزءِ الخاصِّ بي من الندوة، ركَّزتُ على بعض المباني المعاصرةِ التي حرصَ السكَّانُ على عدم هدمها، وكيف حاولَ المعماري الحفاظَ على الذكرى المرتبطةِ بهذه المباني التي كانت مراكزَ لجمعيَّةٍ ما، أو مباني خدماتيَّةً.
هل هناك شيءٌ مألوفٌ شاهدتِه في شوارعِ القاهرة، يُشبه السعوديَّة؟
بالطبع. كنت أشيرُ لصديقاتي لبعض المباني، وأقولُ لهنَّ هذه المباني، تُشبه وسطَ الرياض، فهذه المنطقةُ في العاصمةِ السعوديَّة، تمَّ بناؤها منتصفَ الخمسينيَّاتِ وفي الستينيَّاتِ من القرنِ الماضي، وأغلبُ مَن بنوها، كانوا مهندسين مصريين، وعليه شعرتُ مباشرةً بالألفةِ فور مروري بمبانٍ، تُشبه ذوقَهم ورؤيتهم في بناءِ وسطِ الرياض.
هل هناك تجربةٌ عالميَّةٌ ألهمتكِ في مسألةِ حفظ التراث خلال تجوُّلكِ حول العالمِ لدراسةِ الفنِّ والتصميم؟
لا شكَّ أننا نتعلَّمُ من الآخرين كلَّ ما هو جيِّدٌ، لكنَّني أرى أننا نُقدِّم نماذجَ رائعةً أيضاً في حفظِ هويَّتنا من ناحيةِ التصميم في كلِّ أشكاله. في الأزياءِ مثلاً، بتُّ أرتدي قطعاً من توقيعِ مصمِّمين سعوديين، يُقدِّمون أزياءً تراثيَّةً بطريقةٍ عمليَّةٍ وعصريَّةٍ ومتنوِّعةٍ. صحيحٌ أننا تعلَّمنا الكثير من الغرب، لكنْ في مسألةِ حفظِ التراث، أرى أن نتائجنا الحاليَّةَ مبهرةٌ. أمَّا عن البلدانِ التي لفتني حفظُ شعبها التراثَ في مبانيهم، فأذكرُ اليونان، واليابان. هناك لديهم طريقةٌ بسيطةٌ في استخدامِ عناصرِ التراثِ داخل المباني الحديثة، وترى الإحالاتِ إلى التراثِ حاضرةً، لكنْ بشكلٍ بسيطٍ وعصري وهادئ.
يمكنك أيضًا الاطلاع على لقاء سابق مع المصممة السعودية هنيدة صيرفي
«كل تصميم يحمل بصمة هويتنا ويصون جوهرنا للأجيال»

يواجه كلُّ فنَّانٍ تحدِّي مواكبةِ التوجُّهاتِ العالميَّة في مقابلِ النظرِ إلى البيئةِ المحليَّةِ والتعبيرِ عنها، كيف تتصالحين مع هذه الحيرة؟
هذا تحدٍّ، يجبُ على كلِّ فنانٍ أن يحسمه في داخله. عليه أن يكون منتبهاً لموضوعِ تصميمه، ليكون مخرجه النهائي متوازناً بين الحاضرِ، والماضي، والمستقبل، وأن يكون خلَّاقاً، لكنْ في الوقتِ نفسه حسَّاساً لبيئته ومكانته فيها، ومُحترِماً لثقافته.
نرى اهتمامكِ بتعريفِ جيلكِ والأجيالِ الأصغرِ بالدرعيَّةِ وجمالها، كيف تُلاحقين هذا الشغف؟
عندما بدأتُ عملي في الدرعيةِ، شعرتُ أنّه من واجبي «مشاركةَ هذه القصصِ» مع الآخرين، لأنّها كنوزٌ قادرةٌ على ربطِ الناسِ بمكانِهم وتاريخِهم.
ما القِصَّةُ التي تتمنِّين أن يتعرَّفَ عليها الجميع؟
قِصَّةُ وادي حنيفة، فهي الأساسُ، إذ نشأت بعدها الأجيالُ التاليةُ من القصص. هي من أروعِ القصصِ التي يمكنك الاطِّلاعُ عليها. هناك أيضاً المخطوطاتُ، وكيف كانت تُكتَبُ بلغتهم اليوميَّة، وهي مرتبطةٌ بالدينِ، والعاداتِ، والتقاليد، وعند سماعها وقراءتها، تتخيَّل حياةَ أهلك بشكلٍ غير مسبوقٍ. أنا حقاً أستمتعُ في كلِّ مرَّةٍ تتمَّ تلاوتُها أمامي.
ما الذي تدرسينه في الوقتِ الجاري؟
أعملُ على تطويرِ فهمٍ أعمق للتاريخِ المرتبطِ بالمكانِ، لأنّ ذلك يؤثرُ في طريقةِ تعاملي معه. كما أعتبرُ التصميمَ جزءاً مهمّاً من العمليّةِ الإبداعيّةِ، لذلك أحرصُ على الإلمامِ به، كونه يثري بشكلٍ مباشرٍ التجربةِ الإنسانيةِ التي نسعى لبنائِها في المساحاتِ.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط





