mena-gmtdmp

إحذري من نكث عهودك لطفلك


أجمع خبراء علم النفس والتربية على أنّ وعد الطفل بتحقيق غاية كان يتوق إليها يعتبر من أنجح وسائل التشجيع التي تصل بأدائه إلى أفضل النتائج، إلا أنّ تبخّر الوعود عندما يحين موعد الوفاء بها أمر يؤثّر عليه سلباً.

ما هي مترتّبات وعد الطفل بما لا يمكن تحقيقه؟ سؤال حملته «سيدتي» إلى الإختصاصية في الإرشاد التربوي في
«معهد التربية الحديثة» بالرياض سارة عبد الله الزين.

 

يقوم الوالدان بالتلويح إلى صغيرهما بأمر يرغب فيه، على غرار اصطحابه في نزهة أو شراء لعبة يرغب فيها، بهدف دفعه إلى بذل جهد مضاعف ليفعل ما هو مطلوب منه على أكمل وجه. ولكن بعد طول عناء، يستعدّ لجني الثمار فيقابل بالمماطلة أو الرفض، لتتحطّم آماله ويخيب ظنّه في من وعده وتهتزّ ثقته فيه! ومع تكرار الوعود التي لا تتحقّق، تفتر حماسة الطفل تجاه الوعود برمّتها، ولا يبالي بها مهما كانت مغرية، وقد يطالب بـ «الدفع مقدّماً» أي الوفاء بالوعد قبل أن يؤدّي ما طلب منه، ما يؤشّر إلى أنّ ثقته بوالديه قد انعدمت، ليصبح التحكّم في سلوكه أمراً في غاية الصعوبة.

 

 

يجب مراعاة سنّ الطفل عند وعده بأمر معيّن

 

 

فضيلة...

تنبّه الإختصاصية الزين إلى ضرورة وعي الوالدين بأنّ الوفاء بالوعد فضيلة يجب غرسها في نفس الطفل منذ نعومة أظفاره، فالوفاء دليل الصدق والأمانة، وهو خلق الأنبياء، وله دور واضح في بناء شخصية محبوبة في المجتمع يثق فيها الجميع، إذ ليس من الشهامة التهرّب من الوعد مهما كلّف الأمر.

وبصورة عامّة، تعتبر الأم الأكثر إطلاقاً للوعود لصغيرها، وقد يتعذّر عليها أحياناً الوفاء بها بحكم مشاغلها اليومية، كما أنها تلجأ أحياناً إلى الوعود من أجل خداع الطفل والتهرّب من إلحاحه أو لاستدراجه لإنجاز أمر ما.

ولكن، تجدر الإشارة إلى أن الطفل ومع بلوغه عامه الثالث يمتلك قدرة التمييز ما إذا كانت أمّه تعده بأمر ما للهروب من موقف معيّن، فتنطبع في ذهنه صورة سيّئة للغاية عن معنى الوفاء، وبالتالي يشبّ الصغير بفكرة مفادها أنّ قطع الوعد وإعطاء الأمل للآخرين يعني الخروج من الأزمة وليس الإلتزام والوفاء أبداً. ويتحوّل الأمر إلى حجب علامات المروءة، في المستقبل، ليمثّل الوعد مجرّد كلام قد يضطرّ إليه وقت الشدّة، ولن يفكّر في الوفاء به حتى إذا كان الثمن بسيطاً جداً، وسيعتبر النكث بالعهد تصرّفاً عادياً غير مشين! ويمكن الإستنتاج أن هذا الطفل قد يصبح نموذجاً في الكذب وربما الخيانة إذا لزم الأمر!

ولذا، يترتّب على الوالدين إدراك أهمية هذه الخصلة منذ الصغر، والتشديد على أهمية الوفاء بالعهود بين الآباء والأمهات أنفسهم، خصوصاً أمام الأبناء حتى يتنامى لديهم معنى الوفاء والإلتزام بالوعد بشكل أكبر.

 

وسيلة لضبط السلوك

عندما يقنع الصغير أنّ أباه أو أمّه ستنفّذ ما تعده به، فإنّه سيبذل قصارى جهده حتى يحظى بما وُعد به، علماً أن التوعّد (الإنذار بالعقاب) يندرج ضمن هذا المفهوم ويصبح أكثر ردعاً. ويجب مراعاة سن الطفل عند منحه وعداً ما، فعلى سبيل المثال إن الطفل خلال المرحلة الممتدّة من عمر سنتين وحتى الأربع سنوات لا يطيق صبراً حتى يحصل على ما وعد به وتكفيه أشياء بسيطة، كقطعة من الحلوى. لذا، يفضّل الوفاء معه بالوعد بشكل فوري. أمّا الطفل في سن دخول المدرسة، فيمكنه الصبر لبعض الوقت ولا تعدّ الأشياء البسيطة مرضية له. وبالطبع، تكبر هذه العهود مع طفل العاشرة.

وتشي هذه الأمور بضرورة مخاطبة الطفل وفقاً لرغباته وتطوّرها، حتى يمكن استخدام الوعد والوعيد كوسائل فعّالة لضبط سلوكه والتحكّم في تصرّفاته.

 

 

يلعب الوفاء بالوعد دوراً رئيساً في بناء شخصيّة الطفل

 

 

خطوات هامّة

 

تفيد هذه الخطوات في تفادي الوقوع في محظور عدم الوفاء بالوعد مع الطفل، وهي:

 يجدر بالأم والأب تقليص وعودهما للطفل قدر الإمكان، على أن يقتصر الأمر على تلك التي يمكن الإيفاء بها بسهولة.

 عندما تعدين طفلك بأمر ما نتيجة لعمل تطلبينه منه، ويؤدّي هذا الأخير على أكمل وجه بدون تقصير، فأنت مدينة له بالوفاء.

 إن لم تستطيعي الوفاء بوعدك لطفلك لأسباب خارجة عن إرادتك، تحدّثي معه في الأمر واعتذري له مهما كان عمره، لتلافي أن يتسبّب فقده لمكافأته  في فقد الثقة فيك أيضاً.

 إعلمي أنّ طفلك يتمتّع بخيال واسع، فوعده بنزهة على سبيل المثال، يجعله يتخيّل كيف سيستمتع بوقته ويحلم بالأصدقاء والألعاب التي ستجمعه بهم، ويظلّ متشوّقاً ومستعدّاً إلى حين الموعد المرتقب. لذا، تخيّلي مدى خيبة الأمل التي يحملها عدم وفائك بوعدك له.

 إعلمي أنّ الطفل يعتمد على والديه اعتماداً كلياً لتحقيق أحلامه وآماله ورغباته، فحتى يُجدي وعدك معه نفعاً إحرصي على وعده بشيء كان عبّر لك عن رغبته فيه، فستجدينه أكثر حماسةً عند الأداء.  

 إحرصي على التوازن بين ما تطلبين من طفلك القيام به وبين ما تقدّمينه له من وعود، فلا يصحّ أن تعديه بشراء كومبيوتر جديد إذا قام بترتيب غرفته، وذلك حتى لا يشكّ في مصداقيتك.

 إحذري من عدم الوفاء بالوعد بحجّة النسيان أو الإستخفاف لصغر سن الموعود، فتكرار نكث العهد سينمّي في نفس الطفل عدم الثقة فيك، وستكونين بالنسبة له قدوة فـي الكذب والنفاق!

 يمكنك أن تستغلّي الأمور التي تكونين موقنة من تحقيقها وتعدين بها طفلك، كأن تقولي له: «إن أنهيت واجباتك بسرعة، سوف أذهب معك لزيارة الجدة»، وأنت بالفعل قد رتّبت معها موعداً للزيارة.

 رسّخي مبدأ الوفاء بالوعد بين أبنائك وبينك، وشجّعي هذه الفضيلة في ما بينهم، وعلّميهم ألا يقطعوا وعداً وهم غير قادرين على الوفاء به، وعاقبي من يعد منهم أخاه أو أخته ويخلف وعده معه، حتى يسود جو عائلي مشبع بالوفاء بين الجميع، فيشبّوا وتشبّ معهم هذه الخصلة الحميدة.