حين تصلون إلى أبغض الحلال: لا تدخلوا أولادكم في دوّامة القلق

ينشر بالتعاون بين "سيدتي" و"مركز الدراسات النفسية في كلية Royal College of Psychiatrists البريطانية"

 

الطلاق تجربة صعبة ومرّة بالتأكيد لأنها تقلب كيان العائلة كلّها، ويمتدّ  تأثيرها إلى أولادك الذين يجدون أنفسهم في عالم جديد يعانون فيه من مشاعر الفقدان والخيبة والقلق، ويحتاجون إلى دعمك وتعاطفك وتطمينك لهواجسهم. ولكن، تذكّري أن الأيّام الأولى من الطلاق قد تحمل لك مفارقة غريبة، لأنك سوف تجدين نفسك أحوج منهم لمن يتعاطف معك ويواسيك ويخفّف عنك! لذا، فإنك ستكونين في هذا الوقت غير مفيدة لأولادك بالشكل الذي تتصوّرينه، رغم حرصك كباقي الامهات على توفير جوّ أسريّ صحيّ وآمن لهم، ورغبتك في إبعاد شبح الإجهاد النفسي والحزن عن نفوسهم.ولكن الوضع سيكون في البداية صعباً، لأن الأولاد سوف يشعرون بأنهم لم يفقدوا الأب فقط  بل أن الأم التي تعيش معهم قد تغيّرت أيضاً، ولم تعد كما كانت.

 

 سيدتي تقدّم لك وبالتعاون مع اختصاصيي علم النفس في كلية Royal College of Psychiatrists في لندن هذه الوصايا والنصائح التي تعينك على فهم خصوصية هذه التجربة وكيف يشعر أولادك إزاءها، وكيف تتصرّفين حين لا تسير العلاقة مع زوجك كما تريدين وحين تصلين أخيراً إلى أبغض الحلال، الإنفصال.

 

الطلاق أو الإتفاق بين الزوجين على الفراق والإنفصال حتى من دون طلاق رسميّ هو تجربة مرّة تؤثّر على نفسية كل امرأة، مهما كان وضعها الثقافي أو الاجتماعي، لأنه خسارة للحياة المشتركة مع الرجل الذي ارتبطت به ونهاية لفكرة العيش المستقبلي المشترك معه، خصوصاً إذا ما ارتبط بالخيانة أو العنف بجميع أشكاله أو اختيار العيش مع إنسان آخر. وتراهن غالبية النساء على الزمن الذي يعالج الجروح، وغالباً ما ينجحن في التأقلم مع الوضع الجديد يوماً بعد آخر، ولكن  يبقى المشوار طويلاً ومحمّلاً بالمشاعر المتناقضة التي توصلهن أحياناً إلى أوقات لا يعرفن فيها كيف ستسير الأمور معهن ومع أولادهن. وهنا، تأتي الحاجة إلى معونة ونجدة الآخرين لتخطّي هذه الأزمة التي تدوم أحياناً إلى فترات طويلة، قد تصل إلى بضع سنوات، قبل أن تستقرّ الأمور وتشفى الجراح وتهدأ النفوس.

في معظم حالات الطلاق، يبقى الأولاد مع الأم، فيما يخرج الأب من حياة الأسرة. وتشعر غالبية الأمهات بالوحدة واليأس، والمحظوظة منهن هي من تجد الدعم والمساعدة من العائلة والأصدقاء، ويأتي قبلها طبعاً الإيمان بالله والتوكّل عليه والركون إلى رحمته، علماً أن هذا الدعم هو الأكبر والأكثر تأثيراً في النفوس. وقد تجد بعض الأمهات في الإبن أو البنت الكبرى ملاذاً للأمان والثقة، وهذا سلاح ذو حدّين لأنه يضع الابن في موقف صعب ويحوّلك في عينيه من أم يحتاجها ويركن إليها في وقت الشدّة إلى إنسان بحاجة إلى الدعم. لذا، فكّري مرّتين قبل أن تلجئي إلى الأبناء والبكاء في أحضانهم.

 

تفهّمي مشاعر أولادك

حاولي أن تفهمي مشاعر أولادك وتأكّدي أنّهم حتى لو اقتنعوا بفكرة الطلاق كحلّ لمشكلات الأسرة والصراعات اليوميّة والألم المستمر، فإنهم في قرارة نفوسهم
لا يرتاحون لفكرة اختيار العيش مع أحد الوالدين وفقدان الآخر.

 

تفهّمي رغبتهم في البقاء على اتصال مع الأب ومع عائلة الأب، وخصوصاً الجدّ والجدة وربما أيضاً أبناء العم.

 

يجدر بك أن تطمئني أولادك وتعينيهم على التعايش مع هذه التغييرات الجذرية التي طرأت على حياتهم،  وتذكّري أن الطلاق قد يكون أحياناً أكثر صعوبة في الفهم بالنسبة إليهم. فقد تتفهّمين أنت وطليقك وجهة نظر كلّ منكما وتفكّرين بأن قرار الطلاق ربما يكون في صالح العائلة والأولاد، لكنهم قد لا يفهمون لماذا عليهم دون غيرهم أن يخسروا أحد الوالدين ويفقدوا الاستقرار، وربما يكون عليهم أيضاً ترك البيت القديم والجيران والأصدقاء والمدرسة وكثير من مفردات الحياة التي اعتادوا عليها.

 

تذكّري أن أي اتصال بين الأولاد والأب هو في صالحهم. وإذا كانت اللقاءات المنتظمة غير ممكنة، فإن الرسائل والصور وبطاقات التهنئة وهدايا عيد الميلاد هي بدائل مفيدة تساهم في الاستقرار النفسي والعاطفي للطفل. لذا، حاولي تشجيع هذا التواصل وعدم عرقلته لأنه يشعر الابن بأنه ما يزال موضع اهتمام والده وأنه غير منبوذ وأنه ما يزال مرغوباً فيه. بعض الأطفال يرفض فكرة التواصل مع الأب، وقد يجد فكرة الالتقاء به أمراً مرهقاً نفسياً، ربما بسبب الأذى أو الصدمة أو الغضب الذي سبّبه الأب في وقت من الأوقات قبل الطلاق. حاولي ألا تصطادي في الماء العكر ولا تستغلّي هذه المشاعر في زيادة الفرقة بين طليقك وأولادك. وفي هذا الإطار، ينصح اختصاصيو علم النفس بتطمين الطفل أو استشارة الاختصاصي النفسي اذا ما تطلّب الأمر من أجل الوصول إلى الطريقة السليمة في دعم الطفل نفسياً وإزالة مخاوفه من الأب، وتذكّري أن ابنك هو من يجب أن تهتمي به حتى لو على حساب مشاعرك الخاصّة.

 

دعيهم يفرحون بوالدهم

إذا ما جرى الاتفاق بينك وبين طليقك على اللقاء بالأولاد، فعليك أن تسهّلي الأمور وتشجّعي الزوج السابق على الالتزام بالمواعيد لأن التخلّف عنها سوف يصيب الابن بأذى نفسي كبير. إختصاصيو علم النفس ينصحونك أيضاً بمراعاة ما يلي:

 

قد تكون لقاءات الأولاد بالأب أمراً ممتعاً ومسليّاً بالنسبة إليهم، وقد يقضون معه أوقاتاً جميلة يتحدثون عنها فيما بعد بفخر واعتزاز، وقد يشعرك هذا الأمر بالغبن وعدم الانصاف أو حتى الغيرة أو الحسد. فأنت من تتحمّل المسؤوليّات اليوميّة من طهو وتنظيف وتسوّق وتربية الأولاد وأخذهم إلى المدرسة والإشراف على الواجبات المدرسية، فيما يأتي هو «على الجاهز» كي يقضي معهم وقتاً مسليّاً ويأسر قلوبهم ويذهب.
لا تكوني أنانيةً وافرحي لفرح الأولاد، وكوني أمّاً حقيقيةً ناضجةً تنظر إلى الأمور بشكل أكثر عمقاً وموضوعية، وتأكّدي أن هذه الأمور أساسيّة لنموّهم النفسي السليم.

 

لا تشكّكي في قدرة الأب على التعامل الصحيح مع الأولاد

 

قد تكون اتصالات الأب بأولاده غير منتظمة، وقد تشعرين بأن هذا الأمر يؤثّر على روتينك اليومي ويعتدي على خصوصيّاتك. حاولي أن تفهمي طليقك هذا الأمر بهدوء وبطريقة غير استفزازية، كي تتوصّلا معاً إلى حلول لهذه المشكلة لأن الصراخ والتعنيف ومنع الأطفال من التواصل مع الأب لا يجدي.

 

لا تشكّكي في قدرة الأب على التعامل الصحيح مع الأولاد أو تلمّحي إلى قصوره في الحفاظ على سلامتهم أو تردّدك في ائتمانه عليهم، لأن هذا الأمر قد يشعر الأولاد بالاستياء والغضب الداخلي والتعاطف معه على حسابك. لا تكثري من الاسئلة حول الأماكن التي ذهبوا اليها أو نوع الطعام الذي تناولوه أو الأحاديث التي دارت بينهم. أتركي للأولاد حرية إشراكك بالأمر إذا شاؤوا ذلك، واحترمي خصوصيّة علاقتهم بوالدهم وتذكّري أنّه والدهم في نهاية الامر وأنه يحبهم ولا يفعل ما يؤذيهم أو يسيء اليهم. اذا كنت غير مرتاحة الى تصرّفاته خلال اللقاء، حاولي أن تلفتي نظره بطريقة مؤدّبـــــــة وحــازمة في الوقــت نفسـه ولا تدخــلي مـعه فـي حــــوارات ســــــــــاخنة، خصوصاً أمام الاولاد.

 

أبعدوا الأولاد عن مشكلاتكم 

قد لا يكون الطلاق نهاية لمعارك الزوجين، وقد يستمر الغضب بينهما ومعه سوء الفهم والشتم. ينصحك اختصاصيو علم النفس بالتفكير بمصلحة الاولاد أولاً وأن تراعي ما يلي:

 

تذكّري أنك وزوجك ما تزالان والدين حتى لو كنتما لا تعيشان معاً.

 

أبقي الأولاد بعيداً عن معاركك وأحقادك ومشاعرك السلبية إزاء طليقك.

 

قاومي إغراء استعمال أوقات اللقاء بين الأب والأبناء كوسيلة للانتقام، ولا تجعلي مزاجك يتحكّم في تحديد المواعيد أو إلغائها، ولا تجعلي طفلك يحبط من هذه التغييرات في المواعيد.

 

إن مزاج طفلك ينسجم ويتحرّك مع مزاجك ووفقاً لمشاعرك. لذا، يجدر بك أن تكوني صادقةً حول الرسائل النفسية التي تنقلينها الى طفلك. على سبيل المثال، إذا كنت تشعرين بأنّك غير مقتنعة أو غير سعيدة بلقاء الاب بالطفل، فإن طفلك سوف يشعر بأنه غير سعيد وحرّ في الذهاب مع والده. وبذا، فإنه لن يستفيد نفسياً من هذا التواصل.

 

قد يوقعك الطلاق في مصاعب مادية وأزمات حياتيّة تجعلك فريسة لسرعة الهيجان والقلق والعصبية وإلقاء اللوم على طليقك فيما وصلت إليه. قد تجدين أن إخفاء هذه المشاعر عن الطفل أمراً صعباً، ولكن، حاولي على قدر ما تستطيعين، كي تجنّبيه المرارة والقلق.

 

راهني على الزمن 

تتمنّى غالبية الأولاد لو أن والديهم يعيشان معاً، ونراهم يحاولون أحياناً أن يتصرّفوا بطرق بسيطة وساذجة، معتقدين أن ما يفعلوه قد يكون مفيداً في إعادة الحياة إلى أيّامها السابقة. وفي هذا الإطار، إحترمي محاولات أبنائك واظهري لهم شيئاً من الامتنان وادخلي معهم في حوارات توصلهم الى التسليم بفكرة الطلاق. وعموماً، فإن أولاد العائلات المطلّقة غالباً ما يكبرون وينضجون مبكراً ويصبحون قادرين على مواجهة التجارب الصعبة ويتعلّمون من الأم كيف تعمل جاهدةً للتأقلم مع الوضع الجديد. إذا واجه الأبناء مشكلات نفسية في البداية، فهذا لا يعني بالضرورة أن الأمور ستسير معهم بشكل سيئ دائماً، وإنما يعني في غالبية الأحيان أنهم يجاهدون كي يتأقلموا مع الحياة الجديدة وأنهم سينجحون في نهاية الأمر. إن فقدان الأب بسبب الطلاق لا يشبه فقدانه بسبب الموت لأن الوالد سيكون موجوداً وإن كان غائباً، وهذا أمر أكثر قسوةً وإيلاماً على الطفل الذي يكون مشوّش الذهن وغاضباً من الحياة. وعموماً، أنت لست محتاجة الى إخبار طفلك عن كل تفاصيل الطلاق وأسباب انتهاء العلاقة بينك وبين والده، ولكن من الهام أن يعرف ما هو مستقبله العائلي ومتى سيرى والده وما إذا كان عليه أن ينتقل إلى سكن آخر أو مدرسة أخرى. ربما تشعرين أحياناً أنّه يحق لك إقناع طفلك بوجهة نظرك ازاء الطلاق وأخذه إلى جانبك ضد والده، وقد تنجحين لفترة من الزمن، ولكن تذكّري أن هذا الأمر ليس في صالح الصغير على المدى البعيد، لأنّه سوف يشعر في قرارة نفسه بالذنب تجاه الأب وعدم الإخلاص له، ما يعقّد وضعه النفسي ويقلّل من فرص تهدئة المشاعر والوصول الى الاستقرار العاطفي المطلوب.