mena-gmtdmp

الشيخ مشاري لـ"سيدتي": لكل مبتهل أسلوب خاص لكن المقامات واحدة

في ظل الزخم الإعلامي نجد صوتا عذبا يلتف حوله ملايين الشباب من المحيط للخليج، في كل أطراف العالم الإسلامي، وهو ليس مطربا مشهورا، وإنما قارئ لكتاب الله عز وجل، يملأ القلوب خشوعا بتلاوته وأدعيته وابتهالاته التي تقف أمام كل ما تمتلئ به مجتمعاتنا من انحرافات. هو شخصية تتميز بصفاء العقيدة، وعقل واع لقضايا العصر في إطار مواجهة العولمة مستخدما التكنولوجيا والفضائيات الحديثة لنشر دين الله بصورة مميزة ومتفردة، وبأسلوب محترف يواكب العصر، ويحافظ على الأصالة والتراث الديني، هو الشيخ مشاري بن راشد العفاسي.

 التقت «سيدتي» الشيخ مشاري؛ أثناء استعداده لتكريمه بالإسكندرية في أحد الملتقيات الدينية، للتعرف على صاحب الموهبة الإسلامية الذي التف حول صوته الكثير من الشباب العربي.

 

 

 

في البداية نود أن نعرف سبب التفاف الكثير من الشباب العربي حول صوتك وتلاوتك ومناجاتك وأدعيتك.

 أحمد الله وأشكره على هذه النعمة، فالله سبحانه وتعالى هو الموفق، وهو الذي يؤلف القلوب والأرواح، ولعلها الموهبة التي منحني الله إياها،  فعندما أتيت لمصر من فترة قريبة، وصليت بهم في أحد المساجد لاحظت امتلاء المسجد بما يزيد على عشرين ألفا من المصلين، وكان استقبال الناس لي رائعا جدا، وهذا ليس حنكة مني، ولكنه نعمة من الله أنعم عليّ بها.

هل أنت من شباب القراء الذين يفضلون القراءة المرتلة أم المجودة؟

قدمت التلاوة المجودة من خلال رسائل الموبايل، ولم أقدم شريطا كاملا؛ لأن التجويد يحتاج إلى وقت طويل، بينما الترتيل يقبل عليه الناس لضيق الوقت، حيث يسهل على الناس سماع الكثير من الآيات في وقت ليس طويلا، فيمكنك ترتيل سورة البقرة كاملة على شريط واحد، في حين أن الشريط المجوَّد قد لا يستوعب صفحتين من سورة البقرة.

وكما يقولون: نحن في عصر السرعة الذي لا يتيح للكثيرين الوقت الكافي لسماع الكثير من الآيات.

 

 إمام الحرم

حدثنا عن دور الأسرة في حياتك؟

نشأت في بيئة أحمد الله أنها صالحة، فمنذ صغري وأنا متعلق بحب القرآن وخصوصاً بعض السور مثل سورة الرحمن وغيرها، وكان الوالد والوالدة يحثانني على ذلك، ووجدت البيت كله يحب القرآن، وكنت أشاهد أقاربي يواظبون على قراءة القرآن والاستماع لأصوات كثير من القراء، وكنا نجلس لمتابعة نقل الصلاة من المسجد الحرام حيث كنت أتابع كيفية قراءة الشيخ عبدالله الخليفي إمام الحرم السابق؛ لأنني من المتعلقين بهذا الصوت.

 

الرحلة مع القرآن

متى بدأت رحلتك مع القرآن الكريم، ومن شجعك على السير في هذا الاتجاه؟

لا شك أن الأسرة لها دور في هذا التشجيع في إتاحة المجال، كذلك الصحبة الصالحة والشباب في المساجد يتبارون في الحفظ، ويتنافسون على حفظ كتاب الله عز وجل، فهذا كان يحفظ وذاك يسبق، فكان هناك نشاط كبير في حفظ القرآن الكريم في الكويت.

وما دور الأسرة في توجيه الشباب للاتجاه السليم في الحياة؟

الإنسان عنده مصادر كثيرة لتلقي المعلومة، فالبيئة والصحبة الصالحة والأسرة والمدرسة والتلفزيون والإعلام كلها مصادر للتلقي تؤثر ولا شك في سلوك الإنسان، وتغير من شخصيته إما إلى الأحسن أو إلى الأسوأ،  فالإنسان إذا اختار هذه المصادر بعناية يصل إلى بر الأمان، ولا شك أن الشخص يساهم في ضبط مستوى أخلاقه وسلوكه ذاتيا، والأسرة من أوائل هذه المصادر التي ترشد الإنسان، وتوجهه وهي لا تأتي بالاختيار، فإذا لم يسمع الإنسان من أسرته فلابد أن يكون هو مصدر ثقافة الأسرة، فيرفع من مستواها الثقافي والتربوي والإيماني؛ حتى يكون مجتمع الأسرة مجتمعا حضاريا إيمانيا متماسكا له حكاية يسعد بها في حياته.

من اكتشف صوتك وكيف استطعت تنميته وتطوير قدراتك؟

بداية كنت أعيش بالكويت والمشايخ المعتمدون بالقرآن فيه قليلون، فاجتهدت اجتهادا شخصيا من خلال سماع الأشرطة القرآنية والسي دي، فكنت أستمع بفضل الله –سبحانه وتعالى- وتوفيقه لي إلى عدد كبير من القراء كالقارئ الشيخ علي الجابر والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ محمد أيوب والشيخ المنشاوي والشيخ محمود الحصري، وقد تعلمت منهم الكثير بفضل الله سبحانه وتعالى، كذلك الاستمرار في حفظ القرآن وتلاوته أسهم في تحسين وترقيق صوتي، وكل ذلك نابع من رغبة ذاتية واهتمام بالتلاوة، وكنت أحب أن أقلد بعض الشيوخ، وبالذات الشيخ علي الجابر، وبعض أئمة الحرم الآخرين. وبالنسبة لاكتشاف صوتي فكان اهتماما شخصيا مني، فقد صليت إماما سنة 1413هـ صلاة التراويح بأحد المساجد، وكانت أول صلاة لي واستراح الناس لقراءتي وصوتي، وبعدها داومت على صلاة التراويح والقيام بمساجد الكويت إلى الآن.

 

الإنشاد الديني

 متى اكتشفت أن صوتك يجذب الكثير من المستمعين؟

هذا فضل من الله عز وجل ونعمة، فالإنسان يجتهد والباقي على الله عز وجل، والله عز وجل يقول: {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد}، فالنتائج على الله عز وجل، فالإنسان يجتهد، ويعلم الله أني والله لم أخطط لشهرة، ولا أحب الأضواء، ولكنها تأتيني من عند الله بقدره، فحتى قناة العفاسي كانت مجرد خدمات للموبايل أنشأناها في الكويت ثم توسعت وتحولت إلى قناة، وكانت كليبات أوديو تحولت لكليبات فيديو فهي موبايل فضائي. وهذا يساعد في نشر ديننا الإسلامي الحنيف.

* ظهرت لك بعض الأشرطة الجديدة الخاصة بالقصائد الدينية والتلاوة.. فهل درست الموسيقى، وكيف تعلمت المقامات الإسلامية؟ 

الإنشاد الديني شيء أصيل في ديننا الحنيف، يعلمه كثير من الصحابة فكانوا يستخدمونه في حياتهم اليومية أثناء بنائهم المسجد، وأثناء حفرهم الخندق يتناشدون به، والإنسان يقول ويقرأ ويجتهد ويدعو بما يسمع من ثقافة نغمية إن جاز التعبير لذلك، ويقولون إن السوق متشابك، وهذا شيء طبيعي جدا، فالناس يؤثر بعضهم في بعض، وكل عصر له ثقافته اللحنية، وتبقى فروقات من حيث الإحساس في الأداء تبعا لكل قارئ، وكل مبتهل له أسلوب خاص، ولكن المقامات واحدة لا تتغير، ولكن الإحساس وطريقة الابتهال هي التي تختلف.

* لكن قصائدك الأخيرة وتنويعاتك النغمية في أدائها تشير إلى قارئ متمكن من الإيقاعات الموسيقية؟

 عندي بعض العلم بأمور المقامات الموسيقية لكني لم أدرسها، ولا علاقة لي بالموسيقى، إنما أتغنى بالقرآن، وهذا من السنة المشرفة، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»، والأحاديث التي تحث على تحسين الصوت بالقرآن كثيرة، ومن خلال التدريب والاستماع الجيد تمكنت من تطويع صوتي؛ ليكون لديّ طريقة مختلفة في التلاوة.

ماذا تقول عن تكريمك الأخير في الإسكندرية، وهل تعتقد أن هذا التكريم قد تأخر قليلا؟

الإنسان يبتغي بأعماله الصالحة رضا الله عز وجل، ولكن إن حدث تكريم من الناس وشكر فلله الحمد، ولقد سعدت كثيرا بإخواننا في مصر وحبهم وحسن ظنهم بي، ويعد هذا شاهدا على المحبة، وأنا ممن يعشقون مصر، ومشايخي كلهم الذين علموني القرآن من المملكة العربية السعودية، ومن مصر بعد ذلك حينما أتيت ودرست القرآن، ومنهم الشيخ أحمد المعصراوي حفظه الله، والشيخ عبد الرافع رضوان حفظه الله في المدينة والشرقاوي من مصر والشيخ إبراهيم السمنودي، وكلهم قرأت عليهم القرآن كاملا، وأجازوني ماعدا الشيخ السمنودي رحمه الله فقد قرأت عليه الفاتحة فقط وأجازني والحمد لله من قبل ومن بعد.

من أحب القراء والمنشدين وأقربهم إلى قلبك؟

المنشدون العرب كثيرون جدا، ومن الجيل القديم الشيخ النقشبندي والشيخ طه الفشني، ونصر الدين طوبار، فالإنسان يحاول أن يسخر طاقته للاجتهاد من أجل هذا الدين الحنيف، ودائما يحتاج الناس للكلام الطيب الذي من شأنه إعلاء الدين.