د.محمود عزب مستشار شيخ الأزهر:

للديانات غنى روحي وأخلاقي قوي وفاعل في المجتمعات على اختلافها، ويمكن أن يقودها إلى تحقيق التفاهم والعمل المشترك؛ للوصول إلى عالم تتحقق فيه العدالة وينعم بالسلام والأمان، والدين الإسلامي خاصة له بنية أخلاقية تدعو لنشر قيم التسامح والحوار مع الآخر؛ ما يعطي الحياة المشتركة صبغة إنسانية كونية.

مؤخرًا التقت «سيدتي» الشيخ الدكتور محمود عزب الأستاذ بالمعهد الوطني للغات والحضارات الإسلامية ‏«بجامعة السوربون‏»، والأستاذ بجامعة الأزهر ومستشار الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر لشؤون الحوار، في ندوة تناولت دور الأديان في الدعوة للسلام العالمي، وتحدث فضيلته عن أهمية حوار الأديان في نشر قيم التسامح والحوار، ونبذ العنف وأجرينا معه الحوار التالي...

ما أسباب تدهور لغة الخطاب الديني؟

الخطاب الديني المتشدد الذي ظهر في المجتمع المصري منذ فترة وابتعد عن الوسطية، والمفهوم الصحيح للإيمان والمواطنة وحب الله المرتبط بحب الوطن هو السبب في ظهور مشاكل صغيرة ظهرت وتركت دون حل جذري وصريح وتحليلي مما خلق تراكمًا لمشاكل كثيرة.

وهل تجد فوضى الخطاب الديني تخطت معاملاتنا في المنطقة؛ لتقفز إلى العالم الخارجي؟

انتشرت فوضى الخطاب الديني في العالم، خاصة مع انتشار الفضائيات، والتي لا يمكننا إنكار تأثيرها على المواطن، وللأسف ففي ظل حقيقة القرية الكونية بات ما يحدث من دعوات مجنونة في أي مكان كدعوة حرق القرآن الأخيرة تصل إلى العالم وتملأ النفوس غضاضة، ولا يستطيع الشرقي المسلم أن يقف متسامحًا بمثالية وطهرانية غير مسبوقة في مواجهة هذا الاستعلاء وتلك الغطرسة من قبل الآخرين.

مكاسب مادية

تنامت ظاهرة الدعاة المتشددين والذين يهتمون بالإسلام كشكل وليس كجوهر.. هل يمثل هؤلاء شكلاً سلبيًا يدحض الحوار مع الآخر، ويتشدد فيما لا يحق له التشدد فيه؟

هؤلاء الدعاة حولوا الدعوة الإسلامية إلى تجارة ووسيلة؛ لتحقيق مكاسب مادية مهملين الجوانب الأصولية في الفكر الإسلامي المستقيم المبتعد عن المظاهر، فهم يركزون على الأثر المظهري دون التطرق إلى تعليم العقول، وإبراز هؤلاء الذين يحصرون الإسلام في مظاهر لا تغني ولا تسمن من جوع، والعالم اليوم خاصة الغرب ينتظر من المسلمين تقديم فكر تاريخي بصورة واقعية، لكن للأسف فإن البضاعة تأتيهم رديئة في صورة دعاة وأئمة لا يعرفون أصول ومناهج الإسلام الحديثة، فقط يتحدثون عن إسلام العصور الوسطى، وكأن الإسلام لا يتفاعل مع التطورات الحديثة في العصر الراهن.

نحن والغرب.. من منّا المسؤول عن تنامي ظاهرة الخوف من الإسلام؟

يوجد سوء تفاهم متبادل سببه بعض أفعال بعض المسلمين، والغرب مسؤول أيضًا عنها، وهناك موجة في العالم كله من التخويف من الإسلام صنعتها أوروبا وشاركناها في ذلك، فلقد صنعت أوروبا الخوف من الإسلام بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، حيث كان لابد أن يوجد الآخر المواجه لأوروبا، فقيل إنه سيكون الإسلام، وذلك في الوقت الذي نشأت فيه حركات تطرف، وقالت أوروبا من وقتها: هذا هو الإسلام، وما ساعد على ذلك هو سكوت المسلمين وكأنه حقيقة،

وكيف ترى السبل للتعامل مع تلك المعضلة؟

يجب أن نفهم الآخرين بلغتهم ومنطقهم وثقافتهم؛ حتى يفهمونا بثقافتنا ومنطقنا، وأن نفرق بين الإعلام والدولة، حيث يعيش إعلام الغرب حالة من الفوضى تجاه التعرف الحقيقي بالإسلام، بينما في الجامعات الغربية هناك نقد علمي موضوعي صحيح للإسلام والمسلمين، ويجب استغلال الجاليات الإسلامية في أوروبا والغرب لتصحيح صورة الإسلام؛ لأن الجاليات الإسلامية في أوروبا أحسن فهمًا وتعبيرًا عن الإسلام للعالم الأوروبي من العالم الإسلامي؛ لأنهم على أرض الواقع، فيجب عليهم إظهار الإسلام بصورته الحقيقية كدين يقبل الآخر، ولا يصطدم معه، وأن يضربوا من أنفسهم مثالاً كعنوان إيجابي عن الإسلام ومبادئه

الدين الإلهي

كيف تنظر لاختلافات الأديان؟ وهل هذه الاختلافات دعوة للفرقة؟

يقول: الإسلام هو الحلقة الأخيرة في منظومة «الدين الإلهي» الذي بشر به كل الأنبياء والمرسلين من آدم عليه السلام وحتى محمد، عليه الصلاة والسلام، والبحث في القرآن يثبت أن ما جاء به «محمد» -عليه الصلاة والسلام- من عقائد جوهرية وأخلاق أساسية ودعوة إلى العبادة هي نفس ما جاء به نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى، وغيرهم من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام جميعًا، فالدين مضمون ثابت في كل رسالة لا يتعدد ولا يختلف، وذلك لأنه يتعلق بحقائق الوجود الكلية الثابتة التي لا تتغير، بينما تختلف الشريعة، وتتعدد بين رسالة ورسالة أخرى من رسالات السماء.

ما معنى الحوار بين الأديان، وما أهمية نشر هذا الحوار؟

الحوار بين الديانات هو اللقاءات بين أهل الديانات السماوية من أجل العمل على نشر الأمن والسلم في العالم، والبحث عن أساليب نبذ العنف والحرب ومكافحة الفقر وحماية البيئة وصيانة كرامة الإنسان، وتقوم العديد من المؤسسات الدينية في العالم كله بالعمل على نشر هذه الثقافة في كافة أرجاء المعمورة.

وما المبادئ التي يقوم عليها الحوار بين الأديان؟

يعتمد حوار الأديان على جملة من الشروط والمبادئ منها: الإيمان بمبادئ الدين وأهدافه، العلم الواسع بقضايا الدين والدنيا، الاستقلال في التفكير، الرغبة في الوصول إلى الحق والاعتراف به، مبادئ الحوار بين الديانات، الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، نبذ العنف والتعصب وكراهية الآخر، اعتماد العقل والبرهنة والإقناع، الدعوة إلى نقط التلاقي والتعايش.

ويتم الحوار بين الأديان بثلاثة أساليب: حوارات فردية، حوارات جماعية، حوارات بالمراسلة.

محاور متعددة

لقد قمتم مؤخرًا بإنشاء مركز عالمي للحوار بالأزهر.. فما هي أهداف هذا المركز؟

الحوار الذي يقوم به المركز العالمي متعدد المحاور؛ محور خارجي مع أتباع الأديان السماوية الأخرى، وهو من أجل البحث عن القواسم المشتركة، والوصول إلى السلام الإنساني المنشود انطلاقًا من ثوابت وتعاليم الإسلام، ومحور داخلي ذاتي في الداخل الإسلامي مع الآخر المسلم المختلف معنا في المذهب لا العقيدة مثل الشيعة وغيرهم، ومحور رابع وهو الحوار مع الآخر المختلف معنا في الدين داخل الأوطان الإسلامية لتحقيق التعايش السلمي في العالم العربي والإسلامي، ولن يقتصر المركز في حواره مع أتباع الأديان السماوية فقط بل إنه لا مانع لدينا من الحوار مع العلمانيين وغير الدينيين لتحييدهم وقرع حججهم وعدم إثارة الفتنة في الداخل الإسلامي، ولن نسمح بحدوث الفوضوية في الحوار خاصة مع الآخر، ولن نسمح لأحد أن يملي علينا شروطًا في الحوار، وإذا لم يقم هذا الحوار على الندية والتكافؤ فلا حاجة لنا به.

حدثنا عن كيفية تعامل العالم الإسلامي مع الديانات العالمية الأخرى، وكيف يتعايش معها؟

 العالم الإسلامي استوعب جميع أديان العالم المعروفة، حيث التقى في محيطه الغربي بالأديان الإبراهيمية: اليهودية والمسيحية، والتقى في محيطه الشرقي بالهندوسية والبوذية، وقدم للتاريخ نماذج مضيئة للترابط الإنساني الذي ينبع من الأخوة الإنسانية الممزوجة بأخوة الإيمان، وروى الدكتور محمود عزب تجربته الشخصية في صعيد مصر؛ فقال «عشنا كمسلمين قرونًا جنبًا إلى جنب مع إخواننا المسيحيين»، فنبي الإسلام يصدق إخوانه الأنبياء، ويؤمن بهم، ويتمم ما بدأوه من دعوة الناس إلى الله، والشيء نفسه يقال على القرآن الكريم، حيث إنه يصدق الكتب السماوية في صورتها الأولى التي لم تبتعد فيها عن منبعها الإلهي.

أصول قرآنية

كيف كان المسلمون الأوائل ملتزمين بالحوار بين الأديان؟ وهل هناك صور لهذا الالتزام يمكننا الاقتداء بها؟

إن استعراض تاريخ الحضارة الإسلامية يبرهن على التزام هذه الحضارة بالأصول القرآنية، مع الأديان والحضارات والشعوب التي انفتحت عليها، وهو ما يظهر في تاريخ الإسلام وسماحته مع «المسيحية» رسالة ورسولاً وأتباعًا، ومع اليهودية، كما أن القرآن يشير في أكثر من موضع إلى ضوابط عامة وأحكام كلية في نصوص صريحة يتبين منها موقفه من سائر الأديان، وهو الموقف ذاته من اليهودية والمسيحية: سماحة واحترامًا وشعورًا بالأخوة.

وكيف تتفاعل الأديان الأخرى مع دعوة الحوار بين الأديان؟

الأديان حين تخلو من التوظيفات الرديئة فإنها تشيع المحبة والسماحة في نفوس المصلين، أينما كانوا، وكيفما كانت عقائدهم وأديانهم، وكمثال على ذلك قصة نصارى نجران؛ الوفد المسيحي الذي قطع آلاف الأميال على ظهور المطايا ليحاور نبي الإسلام بطريقة شديدة الرقي والاحترام، ومحاولة فهم الآخر واستيعاب اختلافه.