د. علي جمعة مفتي مصر لـ «سيدتي»

يدّعي الغرب أن الإسلام ظلم المرأة، فما تعليق فضيلتكم؟

جاء الإسلام وحرر المرأة بالمعنى الصحيح للحرية، وعندما أفاقت أوروبا من عصور الظلام، التي كانت تعيش فيها، نادت بتحرير المرأة، واختلقت صراعًا بين الرجل والمرأة، وأصبحت العلاقة بين ركني المجتمع قائمة على التجاذب والجدل، وهي تسعى من وراء ذلك إلى شغل الأمة عن قضاياها الحقيقية، ومواكبة مسيرة التقدم الحضارية.

إن الإسلام عندما نظر إلى العلاقة بين الرجل والمرأة اعتبر في المقام الأول وحدة الخلق، وأن المرأة والرجل شيء واحد، وأن كليهما مخلوقان مكرمان، فساوى في علاقتهما بالله عز وجل وفي أصل العبودية له وحده، وجعل مقياس التفضيل هو التقوى والصلاح، كما ساوى في التكاليف الشرعية والثواب والعقاب، كذلك ساوى في علاقتهما ببعضهما البعض، وذلك في حق الوجود والحقوق والواجبات، وهذه المساواة هي أساس التكامل المنشود بين الرجل والمرأة، فلو اكتشف كل طرف حقيقة أن المزية بين الجنسين ليست بالأفضلية بل باختلاف الوظائف والخصائص الذي لا يعد انتقاصًا لنوع أو تمييزًا لآخر، فإن هذا سيؤدي إلى زيادة الأواصر بين الأسرة الواحدة، التي هي نواة المجتمع؛ وصولاً إلى بناء الأمة القوية. ولقد شاهدنا عبر تاريخ المسلمين مشاركة المرأة وتأثيرها ومكانتها في الإسلام؛ فرأيناها حاكمة وقاضية ومجاهدة وعالمة ومفتية، ورأينا مساهمتها الفاعلة في بناء المجتمع الإسلامي القوي.

 

شهادة المرأة

يدعي البعض أن الشرع انتقص من مكانة المرأة عندما جعل شهادتها نصف شهادة الرجل، فكيف ترد على هؤلاء؟

مصدر هذه الشبهة يرجع إلى ما فهم بعض العلماء من قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}، حيث ظنوا أن هذه الآية موجهة للقاضي، مما نتج عنه خلط بين «الشهادة» و«الإشهاد»، وهو الذي تتحدث عنه هذه الآية الكريمة، فالشهادة التي يعتمد عليها القضاء في اكتشاف العدل المؤسس على البينة واستخلاصه من ثنايا دعاوى الخصوم لا تتخذ من الذكورة أو الأنوثة معيارًا لصدقها أو كذبها، ومن ثم قبولها أو رفضها، وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضي لصدق الشهادة، بصرف النظر عن جنس الشاهد، ذكرًا كان أم أنثى، وبصرف النظر عن عدد الشهود.

فللقاضي إذا اطمأن ضميره إلى ظهور البينة أن يعتمد شهادة رجلين، أو امرأتين، أو رجل وامرأة، أو رجل وامرأتين، أو امرأة ورجلين، أو رجل واحد، أو امرأة واحدة، ولا أثر للذكورة أو الأنوثة في الشهادة التي يحكم القضاء بناءً على ما تقدمه له من البينات.

أما الآية فإنها تتحدث عن أمر آخر غير «الشهادة» أمام القضاء، حيث تتحدث عن «الإشهاد» الذي يقوم به صاحب الدَّيْن؛ ليكون واثقًا تمامًا من الحفاظ على دَيْنه، وليس عن «الشهادة» التي يعتمد عليها القاضي في حكمه بين المتنازعين، فهذه الآية موجهة لصاحب الحق والدَّيْن، وليس إلى القاضي الحاكم في النزاع، بل إن هذه الآية لا تتوجه إلى كل صاحب دَيْن، ولا تشترط ما اشترطت من مستويات الإشهاد، وعدد الشهود في كل حالات الدَّيْن، وإنما توجهت بالنصح والإرشاد فقط إلى دائن خاص، وفي حالات خاصة من الديون لها ملابسات خاصة نصت عليها الآية.

وبعد إزالة الشبهة عن الآية المذكورة يجب على من لم يقف على حكمة البارئ سبحانه وتعالى أن يعلم بعض الحقائق في قضية الشهادة، وهي أن تقبل شهادة المرأة وحدها في هلال رمضان شأنها شأن الرجل، وأن تستوي شهادتها بشهادة الرجل في الملاعنة، وتقبل شهادة النساء وحدهن، منفردات عن الرجال، في الأمور الخاصة التي لا يطَّلع عليها إلا النساء، بل تقدم شهادتهن فيها على الرجل، كما تقبل شهادة المرأة الواحدة، بالإضافة إلى أن المرأة امتازت على الرجل في سماع شهادتها وحدها، دون الرجل، فيما هو أخطر من الشهادة على تلك الأمور الهينة، وذلك في شهادتها على الولادة، وما يلحقها من نسب وإرث.

 

معاملة الزوج

في رأيكم ما هو الأسلوب الأمثل في معاملة الرجل لزوجته؟

الشريعة الإسلامية تحرص كل الحرص على أن تكون علاقة الرجل بزوجته قائمة على الاحترام والمودة؛ لأنهما من نفس واحدة، لقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}. وقد أوصى النبي، صلى الله عليه وسلم، بالنساء فقال: «استوصوا بالنساء خيرًا» كما أنه، صلى الله عليه وسلم، كان في مهنة أهله -أي يساعدهم في شؤون البيت- فكان يرقع ثوبه ويخصف نعله، فيجب على الزوج أن يعرف فضل زوجته عليه، ويخفف من متاعبها فتزداد المحبة والمودة والرحمة بينهما.

 

ظاهرة العنف الأسري

انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة العنف الأسري، فكيف السبيل للقضاء عليها؟

جميع النصوص الشرعية تعمق في وجداننا قيمة ومفهوم صلة الأرحام، والعفو الذي هو أفضل وسيلة لتحقيق الرفق والود والمحبة والتعاون، وبها نقضي على ظاهرة العنف في الأسرة، والتي تعد مخالفة بكل المقاييس للدين الإسلامي، فتوتر الحياة والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تحيط بالإنسان من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى سوء الخلق والعنف، وبالتالي تفكك الأسرة.

وعلاج هذه الظاهرة يبدأ من عملية التربية، التي يجب أن تتكامل مقوماتها وعواملها من البيت والمدرسة ووسائل الإعلام، وتكوين ثقافة عامة في المجتمع تقيه هذه الظاهرة السلبية، وتدفع به نحو الاستقرار والهدوء، وهذا يحتاج إلى مزيد من الاهتمام، وهناك ظواهر كانت موجودة منذ أربعة عقود، حوربت وحوصرت بكل الوسائل حتى لم نعد نسمع عنها بصورة فجة كما كانت، وتراجعت كثيرًا بسبب المجهودات التي بذلت فيها، منها ظاهرة الغش الجماعي، وظاهرة العنف الطلابي خاصة بين البنات، وظاهرة الاعتداء الجماعي على المباني الدراسية أو على الأساتذة، وهي أمور لم تعد بهذه الحدة التي كانت عليها، وفي سبيلها للانتهاء التام، إن لم تكن قد انتهت بالفعل.

 

خير أمة

من وجهة نظرك كيف يمكن بناء المجتمع المتماسك الذي يجعلنا خير أمة؟

لقد ترك لنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كنزين، هما: كتاب الله، وسنته الشريفة، فقد قال: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي». وقد حفظ الله تعالى الكتاب من التحريف، وكذلك السنة نقلت إلينا خالية من التحريف بعدما قام العلماء المسلمون بوضع ما يصل إلى عشرين علمًا للحفاظ عليها، ولكي تتطور مجتمعاتنا علينا أن نحول ما تركه لنا صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة إلى برامج عمل يومية، وإلى سلوك يعيشه الفرد منا في حياته، فنلجأ إلى الأسوة الحسنة المتمثلة في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، وهم خير سلف لنا، ولقد وضع لنا الرسول الكريم قواعد بناء الحضارة من خلال العلم والتعلم والتكافل الاجتماعي والانتماء الوطني، وبناء الإنسان بتنمية شاملة، ولو أرسينا هذه القواعد في مجتمعنا وحولناها إلى برامج عمل نعيش فيها ونفعلها في حياتنا لأصبح هذا المجتمع من خيرة المجتمعات في أمور الدنيا والآخرة.

 

كيف يمكن التقريب بين المذاهب؟

الخلافات بينها سياسية وليست عقائدية؛ لأن الأصول واحدة، فالجميع يشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، والفوارق بين المذاهب المختلفة، حتى بين المذاهب السنية نفسها، في الفروع وليست في الأصول، وأنا أدعو كافة المذاهب أن يتجاوزوا خلافاتهم ويرجعوا إلى الوحدة والاتحاد، وهذا يقع على عاتق النخبة التي عليها أن تعمل على تغيير الثقافة السائدة عن طريق إيجاد آليات تستطيع بها مخاطبة جماهيرها، وإحداث التوازن بين المذاهب الإسلامية المختلفة، وأنا واثق أنها قادرة على ذلك.