سُمية بنت الخياط أم عمار بن ياسر أول شهيدة في الإسلام

بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالة ربه إلى العالمين، رجالاً ونساءً؛ ليُضيء مشارق الأرض ومغاربها، وليتمم مكارم الأخلاق، وكما شَرُف الكثير من الرجال بصحبته، وطاعته واتباع سُنته، شرُفت نساء كثيرات كذلك بهذه الصحبة المباركة، والتففن حول المائدة النبوية؛ لتنهلن من علمه وتستضئن بنوره صلى الله عليه وسلم، فظهرت منهن الفقيهات والمقاتلات والطبيبات، والداعيات، والرافعات راية الإسلام في بداياته، وكانت لهن عند رسول الله المكانة العالية والإشادة، وكان لكل منهن شأن معه، وفي هذه الزاوية نلتقي هؤلاء النسوة اللاتي شرفن بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وتحدث عنهن بل وكرمهن.

 

 

 

قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة».

هي أول شهيدة في الإسلام، وسابع سبعة ممن اعتنقوا الإسلام بمكة بعد السيدة خديجة رضي الله عنها، وأبي بكر الصديق، وبلال بن رباح، وصهيب الرومي، وخباب بن الأرت، وعمار بن ياسر ابنها.

وسُمية هي أولى السيدات اللاتي سجلن اسمهن في سجل الشهداء، فقد بذلت روحها؛ لإعلاء كلمة الله عز وجل، وكانت أول شهيدة في الإسلام، وهي من المبايعات الأوليات الصابرات الخيِّرات، اللاتي احتملن الأذى في سبيل الله، ولنصرة دينه.

من هي سمية؟

سُمية الفتاة قد لا تختلف كثيرا عن سمية الشهيدة، ففي زمن العبودية والرق كانت سمية بنت الخياط أمة، أي عبدة لدى أحد سادات العرب، الذي كان يُدعى «أبا حذيفة بن المغيرة»، وعلى الرغم من العبودية التي كانت تقيد سمية الفتاة، إلا أن أخلاقها وحياءها ظلا يزينانها كبنات الملوك، وعُرف عنها جمال الخلق، وحسن الخلق، والإخلاص في العمل والتفاني.

زواجها: تزوجت سُمية بياسر بن عامر العربي القحطاني، الذي كان حليفا لأبي حذيفة الذي كان يملك الثروة والعبيد، ومنهم «سُمية»، التي رُشحت للزواج وزكّاها لسرعة الزواج حُسن خُلقها وجمال روحها، تزوجت بياسر الذي عُرف هو الآخر بحسن خُلقه وخَلقه.

رُزقت سُمية مولودها الأول الذي أسمته «عمار»، والذي سيصبح له شأن عظيم في الإسلام، وكان هذا المولود ذا فأل حسن على أمه؛ فقد أعتقها أبو حذيفة، وتحررت وبدأت الأسرة الصغيرة تكبر، ورزق الله سمية وياسر الزوجين المتحابين مولودهما الثاني «عبد الله»، وما لبثت الدعوة الإسلامية أن بزغ نورها، حتى بدأت الأسرة المتحابة تتلقى نور دين الله الجديد وهديه.

طريق الرشاد: غير أن الأمر لم يكن سهلاً كما نتصور، ولم يكن للمرء حرية الاختيار، فقد رأى كبار القوم أن الدين الجديد يساوي بين العبد والحر، ولا يفرق بين الأسود والأبيض ويدعو إلى الحرية، والعدل، والإخاء، فثارت ثورتهم وهاجت عقولهم، ولم يفكروا إلا في شيء واحد اعتقدوا أنه المخرج الوحيد لمأزقهم؛ ألا وهو التعذيب!

فكانت قريش تقاوم الإيمان بالعذاب، وكان المؤمنون يقاومون العذاب بالتضحية، وكانت السيدة سمية -رضي الله عنها- واحدة من هؤلاء الذين اصطفاهم المولى القدير عز وجل؛ لتدخل وأسرتها جميعا في الاختبار الصعب؛ وهو إما الكفر وإما العذاب.

وبدأ الكفار يستخدمون أبشع أنواع العذاب وأقساها على المسلمين، حتى يثنوهم عن دينهم، وكان من وسائلهم الكي والتجويع والضرب حتى الموت، وكان لسُمية بنت الخياط وأسرتها الحظ الوافر من التعذيب.

فما لبث الشاب الصغير الضعيف البنية «عمار بن ياسر» أن خارت قواه من شدة التعذيب، ولما اشتد عليه التعذيب لم يعد يتحمل، ونطق بما أراده المشركون، لكن قلبه ظل على الإيمان.

إيمان عمار بن سمية: لما رآه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال له: ما وراءك؟

قال: شرّ يا رسول الله، ما تركوني حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير.

فقال له رسول الرحمة: كيف تجد قلبك؟

فأجابه عمار: أجده مطمئنا بالإيمان يا رسول الله.

فقال له رسول الله: فإن عادوا فعد؛ أي إن عادوا إلى التعذيب مرة أخرى فلا حرج عليك طالما أن قلبك مطمئن بالإيمان.

وفي الوقت ذاته ظل المشركون يمارسون أقسى أنواع العذاب، ويصحبون عذابهم بعبارات التهكم والسخرية من الدين الجديد، ولكن تأبى الأم، التي تعرف أن أجلها قد اقترب، أن تتفوه بعبارة واحدة تنال من الله ورسوله، وكذلك الأمر مع زوجها الصامد ياسر.

موعد في الجنة: ومع اشتداد العذاب بهذه الأسرة الكريمة المهينة في الأرض، الغالية عند الله في السماء، تأتي البشارة على لسان النبي الكريم، فيمرّ بهم وهم يعذبون تحت قيظ الشمس الحارقة، ويقول العبارة الشهيرة التي ستبقى على مر التاريخ: «صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة».

ولما عاود المشركون تعذيب عمار بن ياسر مرة أخرى، يمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المرة بعد المرة ويقول: «صبراً أبا اليقظان، اللهم لا تعذب أحدا من آل عمار بالنار».

الاستشهاد في سبيل الله:

وما لبث العذاب أن اشتد وفاق الحد على المؤمنة الصالحة الضعيفة البنية القوية الإيمان «سُمية بنت الخياط»، والتي لقبت بأم عمار، حتى تأتي اللحظة الحاسمة، ويطلب منها معذبوها -ومنهم «أبو جهل»- أن تُشرك بالله عز وجل وتسب الإسلام ومن بُعث به، لكن سُمية -رضي الله عنها- ظلت ثابتة على قولها الذي لم تتركه؛ حتى لاقت ربها: «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، فما لبث أن طعنها معذبوها طعنة قاضية استشهدت على أثرها بعد عدة أيام من الآلام والتعذيب، وما لبث زوجها الحبيب أن أسلم روحه الطاهرة بعدها بدقائق، فقد هانت عليه نفسه بعد أن رأى زوجته الحبيبة تستشهد أمامه.

وعندما وصل الخبر إلى ابنهما البار «عمار» احتسبهما عند الله سبحانه وتعالى، وكبح جماح ألمه، فقد علم أن جزاءهما الجنة، لما بشره به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

جزاء القاتل: لم ينسَ عمار، ولا أحد من المسلمين، أبا جهل قاتل أمه سمية، وما هو إلا دهر يسير، حتى أخذ الله سبحانه وتعالى بثأر قاتل أمه سمية، رضي الله عنها وأرضاها، فما لبث أن جاءت موقعة بدر، وجاءت اللحظة الحاسمة وسمع عمار صيحة عالية تشق غبار المعركة: «قتل الله قاتل أمك، قتل الله قاتل أمك».

فاخترقت هذه العبارة الأسماع؛ لتصل إلى الوجدان الذي لا ينسى لأول شهيدة في الإسلام، التي لم تذهب دماؤها الطاهرة هباءً، بل قتل الله قاتلها.

تفاصيل أوسع تابعوها في العدد 1565 من مجلة سيدتي المتوفر في الأسواق.