mena-gmtdmp

كيف تؤثر العلاقة بين الوالدين في تشكيل شخصية الطفل؟ إليك 5 حقائق 

صورة لأسرة سعيدة متفاهمة
أسرة متفاهمة.. وطفل يشعر بالحب والأمان وسط الوالدين
يعيش الآباء اليوم عالماً يمتلئ بالتحديات التربوية والضغوط اليومية داخل وخارج البيت، ما يجعلهم يغفلون عن حقيقة خطيرة ليست بعيدة عنهم، تسكن بينهم وهم أبطالها؛ حيث أثبتت آلاف الدراسات الدولية أن الأطفال الذين ينشأون في بيئات أسرية مليئة بالتوتر والصراعات؛ أكثر عرضة بمعدل الضعف للإصابة بمشاكل سلوكية، واضطرابات القلق والاكتئاب.
وهذه النتيجة الصادمة تتكرر، ما يدعونا لوقفة تأمل: كيف تؤثر العلاقة بين الوالدين في تشكيل شخصية الطفل؟ والتي تصنع أو تهدم المستقبل النفسي والعقلي للأطفال. اللقاء مع الدكتور حاتم سعفان، أستاذ التربية والطب النفسي للأطفال، الذي يحمل في هذا التقرير رسالة واضحة؛ تشير إلى أن التربية تبدأ من العلاقة بين الأبوين، ليبقى الخيار بأيدي الآباء؛ إن أرادوا أن يكونوا مصدر استقرار وأمان وأمل للطفل، أو مصدر توتر وقلق وخيبة، بدءاً من مرحلة الرضاعة وحتى سن المراهقة.

ما بين الآباء هو ما يبقى في أطفالهم

علاقة طيبة تربط الأم وطفلتها
العلاقة بين الوالدين ليست فقط ركيزة لبناء أسرة متماسكة، بل هي مرآة تنعكس مباشرة في شخصية الطفل وسلوكياته ومستقبله النفسي؛ حيث إن كل لحظة انسجام أو صراع بين الوالدين؛ تترك أثراً لا يُرى بالعين المجردة، لكنه يعيش طويلاً في قلب وعقل الطفل ويترجمه تصرفاته.

مواقف تحدث داخل منزلك وتؤدي إلى اضطراب نفسية طفلك هل تودين التعرف إليها؟

5 محاور تحكي مدى تأثر الأبناء بسلوك الآباء:

نموذج الآباء: حجر الأساس في بناء الثقة والهوية للطفل
العلاقة بالوالد تحدد رؤية الطفل لنفسه والعالم من حوله
يؤكد علماء النفس أن الطفل يولد صفحة بيضاء تماماً، وأن تجاربه الأولى مع والديه تلعب جزءاً حاسماً في تشكيل تعلقه بالآخرين، وتمثل أساساً مهماً في بناء شخصيته، حيث يبني الطفل ما يُسمّى بـ"النموذج الداخلي للعمل"، والذي يحدد من خلاله كيف يرى نفسه، والعالم، والآخرين.
إذا كانت العلاقة بين الوالدين يسودها الاحترام، الاستقرار، والدعم المتبادل؛ فإن هذا ينعكس في تعاملهم مع الطفل، فيمده بالأمان، وهذا الإحساس يغرس في الطفل ثقة داخلية تُرافقه مدى الحياة، وتؤثر لاحقاً في اختياراته، تفاعلاته، وحتى نظرته لذاته.
في المقابل، الخلافات الدائمة بين الوالدين؛ تخلق بيئة مشوشة تؤدي إلى ارتباط قلق أو متجنّب، ما يُربك تكوين شخصية الطفل، ويعرقل استقراره العاطفي.
العلاقة بين الوالدين.. تأثير يمتد إلى الطفل
أم غاضبة تصيح ما ينعكس على أطفالها
من الأخطاء الشائعة الاعتقاد بأن ما يحدث بين الآباء لا يصل إلى الطفل ما دام لا يُوجّه له مباشرة، بينما تؤكد الدراسات النفسية عكس ذلك تماماً؛ فما يحدث بين الآباء -سواء كان دفئاً أو تعاوناً أو توتراً وصراعاً- لا يبقى في إطار العلاقة الزوجية، بل يمتد تلقائياً إلى علاقة كل طرف بالطفل.
يسمّي علماء النفس هذا المفهوم بـ"تأثير الانسكاب" (Spillover Effect) فعندما يشعر الأب مثلاً بالإحباط نتيجة نقاش حاد مع الأم؛ فإنه قد يتفاعل لاحقاً مع الطفل بنفاد صبر أو انفعال غير مبرر، وهذا بدوره يخلق لدى الطفل حالة من الحيرة والارتباك، فيصبح سلوكه غير متزن من دون أن يفهم السبب الحقيقي وراء ذلك.
لذا، فإن جودة العلاقة الزوجية ليست مجرد شأن خاص، بل هي أساسٌ لتوازن الطفل النفسي وسلوكه اليومي.
الحساسية الأبوية.. وإشارات الطفل
ضرورة مراعاة إشارات الطفل
الحساسية الأبوية تعني قدرة الأم أو الأب على التقاط الإشارات العاطفية للطفل، والرد عليها بشكل مناسب في الوقت المناسب، هذه المهارة لا تُولد بالفطرة وحدها، بل تحتاج إلى وعي وتدريب وهدوء نفسي.
في البيوت التي يسودها الانسجام، يتمتع الآباء بقدرة أكبر على ملاحظة تغيّر نبرة صوت الطفل، قلقه، حزنه أو فرحه، وبالتالي يتفاعل مع هذه المشاعر بتفهّم واحتواء.
ونقول: هذه الاستجابة المتوازنة تُسهم في بناء طفل قادر على التعبير عن مشاعره وذاته، وإدارة انفعالاته، والثقة فيمن حوله.
أما في البيئات المتوترة، فغالباً ما يُصبح الأهل أقل انتباهاً أو أكثر قسوة في ردود أفعالهم، ما يؤدي إلى نتائج عكسية؛ تظهر لاحقاً في المدرسة أو العلاقات الاجتماعية للابن.
الأب والأم كفريق.. سرّ النمو العاطفي السليم
من المهم أن يتم التعاون ويتحقق مفهوم "الوالدية التشاركية"؛ بمعنى أن يتصرف الأبوان كفريق متماسك؛ يتفقان على المبادئ الأساسية للتربية، ويتقاسمان المسؤوليات بدلاً من تبادل الاتهامات أو العمل بشكل منفصل.
عندما يرى الطفل والديْه يواجهان التحديات بشكل موحّد، ويتفاهمان بدلاً من التنافس؛ يتعلّم هو نفسه مهارة حل المشكلات، الحوار، والمرونة النفسية، وهذه الصفات تُعد حجر الأساس في النجاح الاجتماعي والمهني لاحقاً.
لكن عندما يلاحظ الطفل صراعاً مستمراً بين الأبوين، حتى وإن لم يكن صراعاً عنيفاً؛ يبدأ بتكوين صورة مشوشة عن معنى العلاقات، وغالباً ما يعاني من ولاءات منقسمة واضطرابات داخلية.
دفء الأم يُحوّل الطفل إلى إنسان مُبدع ومتعاطف
أظهرت دراسة بريطانية طويلة الأمد على توائم متطابقة؛ أن الأطفال الذين حصلوا على "دفء عاطفي" أعلى من الأم؛ عبر اللمس، النظرات، الكلمات الداعمة؛ كانوا أكثر تعاطفاً وتعاوناً عند بلوغهم سن الـ18 عاماً، بجانب امتلاكهم لروح الإبداع والانفتاح، مقارنة بالتوائم الذين تلقوا مستوى أقل من هذا الدفء.
هذا الفرق لم يكن وراثياً، بل كان بيئياً، مما يؤكد أهمية العلاقة العاطفية في الطفولة المبكرة، كما أن هذا الدفء لا يقتصر على الأمهات فقط، بل يمكن أن يقدمه الأب أيضاً، لكن تظل الأم في المجتمعات العربية غالباً هي الأقرب من الطفل في سنواته الأولى، ما يُعطي لدورها خصوصية كبيرة.
إن الطفل الذي يشعر بأنه محبوب، مقبول، وغير مشروط، ينمو ليصبح إنساناً أكثر تفاؤلاً وثقة، وهو ما ينعكس في كل مراحل حياته.
* ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.