سواء كنتِ تسافرين كثيراً أو نادراً، فإن تجربة المطبات الهوائية تكاد تكون مشتركة بين معظم النساء في رحلاتهن الجوية. ربما تساءلتِ أثناء رحلة ما: هل هذا طبيعي؟ هل هناك خطر حقيقي؟ وماذا لو كانت هذه الاهتزازات بداية لعطل خطير؟ الحقيقة أن هذه الأسئلة ليست غريبة، بل هي انعكاس للحذر والرغبة في فهم ما يحدث للمسافرات في الجو. كثير من السيدات يشعرن بعدم الارتياح عند وقوع المطبات الهوائية، خاصة مع الأصوات المرافقة لها، أو حركة الجناح التي تبدو مثيرة للقلق. لكن، هل تعرفين ما هي هذه المطبات؟ ما الذي يسببها؟ ولماذا لا يمكن التنبؤ بها بدقة حتى اليوم؟ في هذا الموضوع، سنأخذك في رحلة علمية مبسطة وموجّهة لكِ كامرأة وراكبة واعية، لنتعرف معاً إلى المفاهيم الأساسية للمطبات الهوائية وكيف تتشكّل وما هي أنواعها؟
تعريف المطبات الهوائية

المطبات الهوائية هي دوامات هوائية فوضوية ومتقلبة، تتعرض للاضطراب بعد أن كانت في حالة هدوء، نتيجة لقوى مختلفة. إذا سبق لكِ أن شاهدتِ دخاناً يتصاعد في خط هادئ ثم يتكسر إلى دوامات غير منظمة بشكل متزايد، فقد شاهدتِ مظهراً من مظاهر المطبات الهوائية.
أسباب المطبات الهوائية
الأسباب الأكثر شيوعاً للمطبات الهوائية التي يواجهها المسافرون جواً تندرج عادةً تحت ثلاث فئات: الجبال، التيارات النفاثة والعواصف. تماماً كما تتكسر أمواج البحر عند الشاطئ، يشكّل الهواء أيضاً موجات عندما يصطدم بالجبال. فبينما يمر جزء من الهواء بسلاسة فوق الجبال ويتابع طريقه، تتكدس كتل هوائية أخرى على المنحدرات ولا تجد مخرجاً سوى الارتفاع نحو الأعلى. هذه الموجات الجبلية قد تمتد على شكل تموجات واسعة ولطيفة في الغلاف الجوي أو قد تتفتت إلى تيارات هوائية قوية يشعر بها الركاب على شكل مطبات هوائية. أما الهواء غير المنتظم المرتبط بالتيارات النفاثة وهي أحزمة متعرجة من الرياح القوية الأفقية التي تقع بالقرب من القطبين فينتج عن اختلافات في سرعات الرياح أثناء ابتعاد الطائرة عن المناطق ذات السرعة القصوى. هذا التباطؤ في الرياح يخلق مناطق تكون عرضة للمطبات الهوائية. ورغم أن من السهل فهم المطبات الهوائية الناتجة عن العواصف الرعدية، إلا أن اكتشافاً حديثاً نسبياً من قِبل الباحثين أظهر أن العواصف يمكن أن تُحدث اضطرابات في أجواء بعيدة عنها. النمو السريع للسحب الرعدية يدفع الهواء بعيداً، مما يخلق موجات في الغلاف الجوي قد تتحول إلى مطبات هوائية على بُعد مئات أو حتى آلاف الكيلومترات. كل هذه السيناريوهات يمكن أن تسبب ما يُعرف بـ المطبات الهوائية في الأجواء الصافية أو CAT وهي النوع الأقل قابلية للتنبؤ أو الملاحظة من الاضطرابات الجوية. وغالباً ما تكون السبب وراء الإصابات المتوسطة إلى الشديدة، لأنها قد تحدث فجأة من دون أن يكون لدى طاقم الطائرة وقت كافٍ لتحذير الركاب بربط أحزمة الأمان.
هل يمكن لتوقعات المطبات الهوائية التنبؤ بالرحلات الجوية المتقلبة؟

رغم أن توقعات الطقس وتقارير الطيارين تساعد في تجنّب المناطق المضطربة، إلا أنها أدوات غير دقيقة نسبياً. فنماذج الطقس لا تستطيع التنبؤ بالمطبات الهوائية على نطاقات صغيرة بحجم الطائرة، كما أن الطيارين غالباً ما يخطئون في تحديد مواقع المطبات بعشرات الأميال.
أدوات تنبؤ المطبات الهوائية
في الفترة الأخيرة ظهرت أدوات تنبؤ أكثر دقة تُعرف باسم التنبؤ اللحظي أو Nowcasting للمطبات الهوائية. هذه التقنية: عبارة عن خوارزمية مثبتة حالياً على نحو 1000 طائرة تجارية تقوم بتحليل بيانات من مستشعرات على متن الطائرة لتحديد حركة الطائرة في كل لحظة. وباستخدام بيانات مثل السرعة الأمامية، سرعة الرياح، ضغط الهواء، زاوية الميلان وعوامل أخرى، تُنتج الخوارزمية قياساً لمستوى الاضطراب الجوي المحلي ويتم إرسال هذه البيانات كل دقيقة إلى نظام وطني مركزي. وعند دمج هذه البيانات مع توقعات ونماذج الطقس الوطنية، تصبح التنبؤات الجوية مدعومة بحالة الأجواء في الوقت الفعلي، مما يساهم في تحسين دقة النماذج التنبؤية. شركات الطيران تستخدم هذه الأدوات التنبؤية إلى جانب الذكاء الاصطناعي لفحص الظروف الجوية على طول مسارات الطيران.
هل يمكن أن تسبب المطبات الهوائية أعطالاً في الطائرة؟

جزء من القلق المرتبط بالمطبات الهوائية نابع من الخوف من أن تتعرض الطائرة لعطل أو فشل هيكلي. وهذا رد فعل طبيعي، خاصة إذا سبق لكِ رؤية جناح الطائرة ينثني بشكل يبدو مستحيلاً. والحقيقة أن انثناء الجناح أمر جيد؛ فلو كان صلباً لدرجة أنه لا ينثني، لكانت الطائرة ثقيلة جداً بحيث لا تستطيع الطيران. إضافة إلى الاختبارات الفيزيائية في المختبرات، حيث تُخضع الطائرات كاملة لضغوط تفوق بكثير ما قد تتعرض له أثناء الطيران، إلا أن الحوسبة المتقدمة مكّنت المهندسين من محاكاة مجموعة أوسع من السيناريوهات الافتراضية. كما أن تقنيات المراقبة والصيانة تحسنت بشكل كبير؛ حيث تراقب المستشعرات على متن الطائرة الأجزاء المعرضة للإجهاد أو التآكل وتقوم بتنبيه الطاقم الفني لفحصها أو استبدالها عند الحاجة.
هل يمكن تعديل تصميم الطائرة للتخلص من تأثير المطبات الهوائية؟
هذا الاحتمال غير مرجّح في المستقبل القريب. لكن هناك مجالات بحثية تستكشف إمكانية استجابة الطائرة الفورية للهزّات المفاجئة، من خلال تغيير تدفق الهواء حول سطح الجناح نفسه. ومع ذلك، هناك تحذير من أن حل هذا النوع من المشكلات صعب جداً، خاصة مع الحفاظ على وزن الطائرة منخفضاً وتكلفتها وكفاءتها في استهلاك الوقود. لكن الدفع الكهربائي يمكن أن يكون أحد الحلول المستقبلية، إذ يسمح بتوزيع المحركات الكهربائية الصغيرة على أماكن مختلفة من جسم الطائرة بدلاً من حصرها أسفل الأجنحة. وهذا يتيح تصميمات مرنة قد تُسهم في تحسين الأداء. ورغم أن هذه التغييرات تركز أساساً على الكفاءة، إلا أن المطبات الهوائية تؤثر على أداء الطائرة واستهلاك الطاقة.
التغيرات المناخية والمطبات الهوائية
ستؤدي التغيرات المناخية إلى مضاعفة نشاط التيارات النفاثة فوق أمريكا الشمالية وشمال المحيط الهادئ وأوروبا بين عامي 2050 و2080. الطائرات التي يتم تصميمها اليوم ستظل تُستخدم في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الحالي، لذا يجب أن تكون قادرة على تحمّل الاضطرابات القادمة.
نصائح لتبقي آمنة أثناء المطبات الهوائية

كيف تتصرف عند كثرة المطبات الهوائية في الطائرة؟ حتى لو كنتِ مطّلعة على الأرصاد الجوية والهندسة، فهناك بعض الاستراتيجيات العملية للتعامل مع المطبات أثناء الرحلة:
- اختارِي الرحلات الصباحية: لأن المطبات الهوائية غالباً ما تكون أسوأ في وقت لاحق من اليوم.
- اجلسي في مقدمة الطائرة: المطبات تكون أسوأ في مؤخرة الطائرة، بينما الوضع في قمرة القيادة يكون مختلفاً.
- ابقِي مربوطة بحزام الأمان: حتى عند إطفاء إشارة ربط الأحزمة، لأن مجرد ربط الحزام بشكل فضفاض، يمكن أن يمنعك من الاصطدام بالمقاعد أو الخزائن العلوية.
- لا تتصرفي بشكل غير آمن: مثل تمرير الأطفال عبر الممر أو إعادة أكواب القهوة للمضيفين خلال المطبات.
- اخبري الطاقم إن كنت تعانين من قلق الطيران: سيبذلون جهداً إضافياً للاطمئنان عليك في حال حدوث اضطرابات.
- استخدمي التطبيقات المفيدة لفهم ما ينتظرك في السماء، مما قد يساعد على تقليل التوتر.
- إذا تعرّفتِ على الطقس وفهمتِ ماهية المطبات الهوائية وأين يمكن أن تحدث، ستشعرين بثقة أكبر بأنك ستكونين بخير.