في الحديث مع المهندسة اللبنانية تانيا خوري، والمؤسسة لشركة Odd Designs، يبدو الشغف بالهندسة والتصميم واضحاً؛ فهي تستلهم من الأماكن التي تقع المشاريع فيها، ومن العملاء، ومن أطباعهم، مع اهتمامات ثقافية سرعان ما تبرز خلال المحادثة معها، وهي إضافة إلى عملها، جامعة للوحات، ومتذوقة للفنون بأنواعها. تؤمن تانيا خوري بأن المساحات يجب أن تعكس هويتنا، مزيجاً جميلاً من الذكريات والتطلعات والعيوب. تقول: "سواءً كنتُ أُصمم منزلاً، أو منظراً طبيعياً، أو أي ركن خاص؛ أهدف إلى خلق بيئات ذات صدى عميق وتروي قصصاً فريدة"، وترى في الغرابة جمال وشخصية ومكان تسكنه القصص. وهي من الداعمين لطلاب الهندسة، والمتخرجين الجدد، وتستقبلهم في شركتها للتدريب، وتساعدهم في مشاريع التخرج، كما تشارك في ورش عمل ومعارض ديزاين عالمية ومحاضرات. في الحوار الآتي نصه، لقاء "سيدتي"، مع المهندسة تانيا خوري.
"سأكون مهندسة"

أنتِ مُصممة عمارة داخلية، ومُصممة مناظر طبيعية، ومُصممة ديكور، لعدد من المشاريع السكنية والتجارية، كما في قطاع الضيافة أيضاً؛ ما الدوافع التي جاءت بك إلى هذا العالم؟ وفي أي دول تمتد مشاريعك؟
منذ عمر عشرة أعوام، كنت أقول إني أريد أن أصبح مهندسة؛ لكن، في ذلك الوقت لم أحدد أي مجال هندسي سأدخله. سأكون مهندسة، كنت أقول لكل من يسألني. وعند دخول الجامعة، هكذا صار، فنلت شهادة البكالوريوس في الهندسة الداخلية، ثم شهادة الماسترز، وفي أثناء العمل بعد التخرج مباشرة، درست حتى أنال شهادة ماسترز ثانية في تخصص هندسة المناظر الطبيعية والتصميم المدني. لناحية مشاريعي، هي ممتدة في الإمارات ولبنان، كما عملت على تصميم عدد من أماكن الإقامة المؤقتة القابلة للاستئجار "معروفة بــ airbnb، اختصاراً"، وذلك في أوروبا "بلجيكا، والبرتغال، وفرنسا، واليونان". شغفي بعملي يثبت لي أن الهندسة هي عالمي، وأني اخترت المجال الذي يعنيني.
قد يهمك الاطلاع أيضاً على: المصممان الفرنسيان سيمون ميمون وميريل موتيكا: نعشق العمل على ديكورات الشقق الصغيرة
الفن والتصميم

لاحظتُ من خلال الاطلاع على بعض صور مشاريعك أن الفن لا يغيب عنها؛ إلى أي حد تعتقدين أن الفن والتصميم يتقاربان ويؤثران في بعضهما بعضاً؟
لا يغيب الفنّ عن مشاريعي لأسباب عدة؛ فأنا كنت أرسم، منذ طفولتي، كما أزور متاحف ومعارض فنية، وحتى في الجامعة أخذت بعض الدروس في الرسم، وفي أسفاري كنت أزور معارض لفنانين تشكيليين. وفي الإمارات، دخلت عالم اقتناء اللوحات، وتعرّفت إلى فنّانين كثيرين وقيِّمين على معارض، نتيجة بعض المعارف. أضيفي إلى ذلك، لا أختار اللوحات حسب طراز المنزل، فهذا ليس فنّاً، بل على الفنّ أن "يلتقطك"، كما لا أختار بنفسي اي لوحة لأي مشروع، بل أدفع بالعملاء إلى زيارة معارض فنية لتلقي النصيحة. سمعتُ مرة من قيم فني مقولة أعجبتني مفادها أن المساحة الداخلية، مهما كانت طبيعتها أو طرازها "تنحني" أمام الفن.
قد يهمك الاطلاع أيضاً على: اقتناء اللوحات للمبتدئين Art Collectors

مشاريع في أوروبا
في سجل أعمالك تصاميم داخلية لمشاريع Airbnb في أوروبا؛ هل هناك معايير تأخذينها في الاعتبار قبل الاشتغال على هذا النوع من المنازل، خصوصاً أن الهدف من الإقامة فيها هو قضاء العطلات؟
عند الاشتغال على هذا النوع من المشاريع، لا بُدَّ أن أعرف ما إذا كان المالك ينوي تأجير المكان لمدد قصيرة أو طويلة، فإذا كان لمدد طويلة؛ يمكن الاستثمار أكثر في مواد التصميم، وأيضاً هناك سؤال عن المستأجرين؛ إذ يمكن تأجير المكان لكبار السن حصراً، ما يتطلب أخذ أمور عدة في الاعتبار، أو عائلات أو أصدقاء أو طلاب جامعيين أو حتى كل الفئات. في كل الأحوال، لا بُدَّ من اختيار مواد متينة، بعيدة عن تلك سريعة العطب، وأخذ موقع المشروع في الاعتبار "إذا كان مجاوراً لبحر مثلاً، أو يقع في منطقة باردة"، مع اختيار لوحة ألوان حيادية، لكن غير فاتحة، وأثاث ذي أقمشة لا تتبقع بسهولة، كما لا أزين بالشموع والنباتات الداخلية، إلا إذا كان هناك صيانة دورية للأخيرة، وأوزع نسخاً عن اللوحات "ليس لوحات أصلية". الهدف هو استثمار المالك في مشروع يدر عليه الربح، وأيضاً جعل المستأجر يشعر وكأنه في منزله، مع الطابعين الترحيبي والمريح، والالتفات إلى كل تفصيل، إضافة إلى العملية، حيث كل ما يحتاج إليه سيراه متاحاً.
رغبات العملاء

كيف تصفين أسلوبك؟
أطوّع أسلوبي حسب رغبات العملاء، وأحوّل أفكارهم إلى واقع، وإذا كانوا لا يعرفون ماذا يريدون، أوجههم، وأطلعهم على "ستايلات" مختلفة وأفسح لهم المجال للاختيار بينها، كما أدمج أحياناً بين الطرز إذا كان لكل من الزوج والزوجة تفضيلات، أو أصمم جزءاً من المنزل حسب رأي أحدهما، وأجعل القسم الأكبر حسب الآخر. لكن، في كل الأحوال، لا أنفّذ ما لا أراه مجدياً لناحية التكلفة أو غير مناسب.
قد يهمك الاطلاع أيضاً على: الطرازان الصناعي والـ "آرت ديكو" في شقة بيروتية
الفنتج

ما رأيك في استرجاع الماضي، ولا سيما قطعاً أو مواد أو أشكالاً منه، في إطار تنفيذ المشاريع المودرن والمعاصرة؟

في الوقت الراهن، الفنتج هو موضة، بدفع من وعي بيئي، إضافة إلى الآرت ديكو الدارج هذا العام، ولا سيما ناحية الألوان الخاصة بالطراز المذكور، كما تعيد الشركات العالمية إصدار قطع قديمة. أرى أن براعة المهندس الداخلي تكمن في جعل المساحة معاصرة وخالدة، مع التطعيم بقطع قديمة.
المتعة
خارج المشاريع والعمل، ما اهتماماتك؟
أجمع اللوحات وأسافر كثيراً، وأقرأ، لكن أنقطع ثم أعاود الكرة، وأستمع إلى الموسيقى، وكنت أتلقى دروساً على آلة البيانو في سن صغيرة. كل ما يتصل بالثقافة يجذبني، من مهرجانات ومعارض ومتاحف... أحب أن أجد المتعة في كل ما أقوم به، حتى في العمل.
أحب أن أجد المتعة في كل ما أقوم به، حتى في العمل.
مبادئ الاستدامة
كم يدوم تصميم المنزل قبل إعادة الاشتغال عليه مجدداً؟ السبب من طرح السؤال هو أن موضة التصميم الداخلي، كما الديكور، أصبحت سريعة الوتيرة. ما رأيك؟
أنا مجازة بشهادة LEED" Leadership in Energy and Environmental Design اختصاراً، هي شهادة القيادة في تصميم المباني والطاقة والبيئة"؛ ما يجعلني ألتزم بمعايير الاستدامة والبيئة، في عملي، مع نشر الوعي بمبادئ الاستدامة. لذلك، أشجع العملاء على الاستثمار في مواد تعمر طويلاً، وأصمم بصورة تجعل العميل لا يمل منزله أو مشروعه سريعاً، مع التطعيم بـقطع تزيين قابلة للاستبدال والتغيير، كما آخذ طبيعة العائلة في الاعتبار، ولا سيما في وجود الأطفال، عند اختيار المواد حتى تدوم.
بدائل المواد
ما موقفك من المواد المُقلدة، من بدائل الرخام والخشب وغيرها؛ هل تحبين الاشتغال بها؟ وما أسباب اللجوء إليها غير تكاليفها القليلة؟
الموارد الطبيعية في نقص متزايد؛ لذلك أستخدمها بحدود، وأقصر حضورها على على مطارح معينة، في المشاريع، بعيداً عن أي إسراف، مع مراعاة مصادر توريد هذه المواد، على أن تكون موثوقة ومراعية للشروط البيئية. لناحية المواد المقلدة، هناك مصادر تؤمنها بجودة عالية، فأستخدمها. السبب من اللجوء إليها، هو توافرها بكثرة، وتكلفتها.
عالم الفنتج
ماذا يعجبك من موضة 2025 لناحيتي تصاميم المنازل والمواد؟
أحب عالم الفنتج، وفي العام الجاري الآرت ديكو دارج، وقد استمتعت كثيراً خلال الدورة الأخيرة من أسبوع ميلانو للتصميم، حيث كانت معروضات الشركات، متأثرة بالطراز. أحياناً، إذا كان صاحب/صاحبة المشروع، محباً لموضة الديكور، أعكس ذلك في منزله، بطرق عدة.
جذوري في لبنان
هل لبنان موطنك الأم يلهمك؟ وماذا عن مصادر الإلهام الأخرى؟
لبنان جذوري؛ لذلك أحاول لا أبعد كثيراً عنه، كما أحب الاشتغال مع فريق العمل والموردين فيه، وأحرص على دعم مجتمع التصميم فيه. لبنان غني بثقافاته، ومفتوح على الإبداع وطبيعة لبنان ملهمة. مرت أقوام كثيرة على بلادنا وتركت ثقافاتها؛ ما أثر في الجو العام. من جهة ثانية، أنا مدفوعة نحو الأشخاص الطيبين، ولا سيما المتحمسين إلى الديزاين، الذين يقومون بكل الأمور بحب، وهذا ملهم في المشاريع، كما مواقع الأخيرة.
مشاريع قيد العمل
ما المشاريع التي تشتغلين عليها حتى نهاية العام الجاري "2025"؟
مشاريع سكنية في لبنان ودبي، ومشروع Airbnb في أثينا، إضافة إلى تجديد جزء من فندق في الإمارات.
بطاقة تعريفية
تانيا خوري، هي المؤسسة والمصممة الرئيسية في شركة Odd Designs، المتخصصة في التصميم الداخلي متعدد المقاييس وتخطيط المناظر الطبيعية، مع رؤيةٍ تحتفي بالهوية والعاطفة والجمال غير المتوقع. كان مسار خوري العملي اتخذ منعطفاً تحولياً عندما انتقلت إلى دبي، المدينة الديناميكية وسريعة التطور، كما تصفها، التي فتحت لها آفاقاً جديدة، ليس على الصعيد المهني فحسب، بل على الصعيدين الإبداعي والشخصي. هناك، تقول إنها محاطة بمجتمعٍ نابضٍ بالحياة ومتنوع، استقبلها بحرارةٍ وحماسة. وهذا المشهد الجديد جعلها تنظر إلى التصميم من منظورٍ أوسع وأغنى، كما جعل التعدد الثقافي في المنطقة عنصراً أساسياً في ممارساتها المهنية. في سجل المهندسة أيضاً ، قيادة ورش عمل في مجال التصميم مع Baituti لصالح Maxalto وGallerie Lafayette وUrban Nest وغيرها، وصولاً إلى إجراء المقابلات وتقديم أعمالها من قِبل منصاتٍ إقليميةٍ أصبحت جزءاً من عائلتها الإبداعية المتنامية باستمرار.