mena-gmtdmp

السفر إنفاق على روحك

أبرار آل عثمان
أبرار آل عثمان
أبرار آل عثمان

أكتبُ لكم من دبي، إذ أقضي فيها أيَّاماً قليلةً للعمل، لكنْ شعوري بالسفرِ وحده كافٍ، ولابدَّ أن أخصِّصَ يوماً واحداً على الأقلِّ لي بعد أيَّامٍ من الارتباطاتِ التي تكون أخفَّ، وأجملَ في السفرِ لما له من أثرٍ في نفسي، ولدى الجميع حسبَ اعتقادي.

التجربةُ، تحملُ معها كثيراً من الأفكارِ، والتجاربِ، والحريَّةِ، وكثيراً من الأشياءِ التي تزرعُ داخلك شعوراً بالحماسِ، والراحةِ في نفسك. تبتعدُ عن واقعك بضغوطه ومشكلاته بأكملها، وحتى الآلامُ تكون أخفَّ.

السفرُ، يُجدِّد طاقتَك، وروحَك، وحتى روتينَك المملَّ أحياناً، وكأنَّك ذهبت إلى عالمٍ آخرَ، وهو كذلك!

عالمُ السفرِ، تلتقي فيه أشخاصاً جدداً بأفكارهم الغريبةِ في بعض الأوقاتِ، ومعتقداتهم، وأديانهم، وطوائفهم، وأشكالهم أيضاً. يُعلِّمك ذلك تقبُّلَ الآخرين في كلِّ مرَّةٍ، ترى فيها ازدحامهم حولك في المكانِ نفسه، وتعاملهم معك. تلتقي حضاراتٍ عريقةً، تُعلِّمك تاريخَ دولٍ، وشخصيَّاتٍ، تتعجَّبُ كيف عاشوا، وتتفكَّرُ في حياتهم السابقة. تواجهك ظروفٌ عكسَ خططك، تُعلِّمك الصبرَ، والرضا عنها. تستمتعُ في رحلتك، وتُمتِّعُ عينَيك بمناظرَ مبهرةٍ، تُعلِّمك عظمةَ الخالق، سبحانه وتعالى. تبحرُ في عالمه، وتستشعرُ وِسعَ هذه الدنيا، ليكون في سفرك عبادةٌ أيضاً. تشتاقُ لعائلتك، وبيتك، ويُعلِّمك ذلك معنى الامتنانِ، والشكرِ على ما تعيشُ من أمانٍ في مسكنٍ، تعودُ إليه مطمئناً.

والأهمُّ، تتعرَّفُ في السفرِ على ذاتك، فتجدُ أنك قادرٌ على أمورٍ، لم تكن تعلمُ بأنها بداخلك. تجدُ نفسك تمشي دون تذمُّرٍ، وتعملُ دون مللٍ. تكتشفُ قدراتك المخبَّأةَ، وأيضاً تتعرَّفُ على مَن يرافقك حقَّ المعرفة. وبالطبع، لن أستطيع حصرَ جمالِ ومتعةِ هذا العالمِ بكلِّ ما به.

ثم تعودُ محمَّلاً بذكرياتٍ، تملأ قلبك في كلِّ لحظةٍ بالحبِّ، والفرحِ، وصورٍ، تُعيد لك شعورَ اللحظة. تعودُ محمَّلاً بأفكارٍ جديدةٍ، تُضيفُ لحياتك نظرةً مختلفةً، وتفتحُ لك أبواباً، لم تكن تراها.

ودائماً أقولُ: "الإنفاقُ في السفرِ، هو إنفاقٌ على صحَّتك وروحك وذاتك".