مع نهايةِ موسمِ الحج، آن لي أن أتتبَّع بإيجازٍ قِصَّةَ الأمن الوارف الذي تنعمُ به هذه البلاد، وما مرَّ عليها عبر العصور، فمنذ أن أذن أبو الأنبياء إبراهيم، عليه السلام، والناسُ تأتي إلى بيتِ الله الحرام، وتؤدي مناسكها بأمنٍ وأمانٍ.
لكنْ، المتتبِّعُ للحرمِ المكِّي الشريف، وقصصِ وصولِ الحجَّاج إليه، يلمسُ تبايناً في حركةِ الوصولِ والعودةِ إلى الأهلِ بعد موسمِ الحج. هذه القصصُ، تجتمعُ في أن الأمن لم يستتب للحجَّاجِ إلا بعد عهدِ الملك عبدالعزيز، رحمه الله، الذي أمَّن طرقَ الحج، ووضعَ كلَّ الإمكاناتِ في خدمةِ الحرمين الشريفين، وبدأت هذه العنايةُ بالتوسعاتِ، وتهيئةِ أجواءِ العبادةِ والطوافِ والسعي بأمانٍ.
توسعاتٌ كثيرةٌ، وتطوُّراتٌ هائلةٌ، شهدتها هذه الخدمات، إذ تمكَّن الملك عبدالعزيز من إيصالِ الكهرباءِ والماءِ في زمنٍ، لم يُوجد في الجزيرةِ كلّها أي حياةٍ.
ومع تزايدِ أعدادِ الحجاج، عملَ الملوكُ، رحمهم الله، حتى العهدِ الزاهرِ عهدِ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين محمد بن سلمان، حفظهما الله، على جعلِ الحجِّ رحلةً آمنةٍ، تؤدَّى في أيامٍ معدوداتٍ، كما أشار إلى ذلك القرآنُ الكريم، ليعودَ الحاجُ بعدها سالماً غانماً ومغفوراً ذنبه بإذن الله.
وترافقُ ذلك خدمةٌ متميِّزةٌ على الصعدِ كافة، فهناك منشأةُ الجمراتِ، والطريقُ المنطلقُ من عرفات، وتشجيرُ الأماكنِ المقدَّسة، وتوفيرُ الطاقةِ الكهربائيَّةِ العالية، وضخُّ المياه المحلَّاةِ من الشعيبة، وإنشاءُ مدنِ حجَّاجٍ في منافذِ السعوديَّة، وتأمينُ أسطولٍ إسعافي ومنظومةٍ صحيَّةٍ خبيرةٍ، يقومُ عليها أطبَّاءُ أكفَّاء، إضافةً إلى مستشفياتٍ، أقيمت في كلِّ مكانٍ، هذا إلى جانبِ إجراءِ عمليَّاتٍ للحجَّاجِ وقتَ الأزماتِ وفقَ منظومةِ المستشفياتِ المتنقِّلة.
قصصٌ مثل هذه، يرويها الإعلاميون، والكُتَّاب، ومنها ما لا يخطرُ في بالٍ، لكنَّ اللافتَ فيها الحضورُ الأمني الذي يرافقُ حركةَ الحجَّاجِ منذ لحظةِ وصولهم، وحتى مغادرتهم بكفاءةٍ عاليةٍ، ومع ما يزيدُ عن 200 ألف عنصرٍ في آخر الإحصاءات، يومَ أن قامَ برعايةِ الاستعراضِ الأمني أمامَ وسائلِ الإعلام صاحبُ السموِّ الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، وزيرُ الداخليَّة، في ميدانِ الاستعراضِ السنوي، ليكونوا جاهزين أمامَ مَن تسوِّل لهم أنفسهم الإضرارَ بالحجَّاج، إذ تأخذُ المملكةُ العربيَّةُ السعوديَّةُ على عاتقها ضمانَ أمنِ الحجيج بحولِ الله وعونه، والأمنُ بالنسبةِ لها خطٌّ أحمرُ، لا يُسمَح بالمساسِ به، أو بأي ذرَّةٍ من ترابِ هذا الوطنِ الطاهر.
جزى الله حكومةَ المملكة وقيادتها كلَّ خيرٍ، ووفَّق كلَّ مسؤولٍ لأداءِ خدمةِ هذا الضيفِ الذي وفدَ إلى البلدِ الأمين بأفضلِ شكلٍ. يقولُ الله تعالى: "أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ". أما وقد بدأت وفودُ الرحمن، تغادرُ هذا الوطنَ الآمن، فلابدَّ من تسجيلِ كلماتِ الشكرِ لكلِّ يدٍ قدَّمت خيراً لأي حاجٍ، وكلِّ مخلصٍ لبلده، وأخصُّ بالذكرِ هنا المنظومةَ الأمنيَّةَ، ورجالَ الصحَّةِ والهلالِ الأحمر. حفظ الله بلادنا من كلِّ مكروهٍ، وتقبَّل من الحجَّاجِ حجَّهم، وأعادهم سالمين إلى أهلهم وأوطانهم.
والله الموفِّق.