في عرضه العالمي الأول، يشارك فيلم "أعجوبة الحياة" في مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة، ضمن فئة الأفلام التجريبية القصيرة. فهو فيلم شخصي وعاطفي، يتقاطع فيه الخاص والهادئ بالمنكسر، ترويه مخرجته صابرين خوري التي اختارت أن تواجه عبر الكاميرا، أكثر لحظات حياتها خصوصية، في ظل واقع مشبع بالعجز. موقع "سيدتي" أجرى معاها مقابلةً لكي نتعرف منها إلى دوافعها، لغتها السينمائية، وشهادتها الصادقة عن الحمل، الغربة، والسينما كأداة للبوح.
بدايةً، كيف تصفين مشاركتك في مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة؟
مشاركتي في مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة عبارة عن لحظة عزيزة وعميقة بالنسبة لي، بيروت مدينة قريبة إلى قلبي، والمهرجان يشكِّل مساحة حقيقية تحتفي بأصوات النساء وتجاربهنّ بصدق وجرأة، أن يُعرض الفيلم لأول مرة أمام جمهور عربي، وضمن مهرجان يضم صانعات أفلام يروين من وجعهنّ وأملهنّ، منحني شعوراً بالانتماء، شعرت أنني لست وحدي، وأن هذا الفيلم وجد مكاناً يحتضنه.
وفي الوقت ذاته، كان شعوراً مرّاً وحلواً في آنٍ واحد، ففيلمي وصل إلى لبنان، أما أنا كفلسطينية، فلم أتمكَّن من ذلك، وربما في هذا التباين بالذات تتجلَّى قوة السينما في قدرتها على تجاوز الحدود، وأن تصل حيث لا نستطيع.
الفيلم يسلط الضوء على لحظة شديدة الخصوصية والهدوء: امرأة على وشك الولادة، ما الذي جذبكِ إلى هذه اللحظة تحديداً كخلفية درامية لفيلمك؟
في سبتمبر 2023، اكتشفت أنني حامل، كان حملاً مخططاً له، استقبلته بفرح وامتنان، كنت متحمسة لهذه الرحلة الجديدة، لمرحلة الأمومة بكل ما تحمله من تحولات، لكن سرعان ما تداخل الفرح مع ألم جسدي ونفسي، ومع أسئلة وجودية لم أكن مستعدة لها.
غالباً ما تُقدَّم تجربة الحمل والولادة في صور نمطية، كأنها مسار واحد مليء بالفرح فقط، لكن تجربتي كانت أكثر تعقيداً، عندما صنعت هذا الفيلم، كان بمثابة محاولة لفهم ما مررتُ به خلال فترة الحمل، التي لم تكن كما يُتوقع، مجرد فترة من الفرح والسعادة. بل كانت مليئة بالتقلبات النفسية، القلق، تحوّلات في الجسد والهوية، وخوف من المجهول. كان الألم الجسدي والنفسي حقيقياً وثقيلاً، وكان شعور العجز يرافقني في كل خطوة. وُلِد هذا الفيلم من رحم تلك المشاعر الحادة والمربكة.
هناك حس داخلي قوي بالعزلة في الفيلم، رغم أن البطلة على وشك أن تصبح أماً. كيف تعاملتِ مع هذا التناقض أثناء بناء الشخصيّة بصرياً ودرامياً؟
في هذا الفيلم، كنتُ أرغب في استكشاف العزلة الداخلية التي قد يعيشها الإنسان، استخدمتُ عبارات مثل: "رحلة أمومتي تجري بلغة أجنبية، غريبة عن لغة أمي.. روحي في المنفى، وجسدي تخلَّى عني، ولغتي خانتني"، للتعبير عن شعوري بالخوف والاغتراب، أؤمن أن العزلة شعورٌ بشري طبيعي، نختبره جميعاً، كلٌّ على طريقته. وفي هذا الفيلم، حاولت أن أعبِّر عن هذا الشعور من زوايا مختلفة: من خلال الجسد، اللغة، والمكان، البيئة البصرية لعبت دوراً محوريّاً في تجسيد هذه المشاعر، إذ اخترتُ أماكن مغلقة وإضاءة خافتة لتكون امتداداً للحالة النفسية التي أمرُّ بها. ولأن القصة شخصية، صوَّرنا معظم المشاهد داخل منزلنا. أردت أن أُظهر التناقض بين كوني في مكان آمن، وشعوري الداخلي بعدم الراحة والانفصال. ولكي أُبرز هذا التوتر، استعنت بعناصر من البيئة الخارجية – كالبرد والرياح – لتُعبِّر عن الغربة، حتى داخل المكان الذي من المفترض أن يمنحني الدفء.
ركَّزت أيضاً على جسدي، وتعمدتُ النظر إلى الكاميرا في لحظات معينة، كأنني أحاول الحديث مباشرة إلى المُشاهد، أردت لهم أن يكونوا شهوداً على رحلتي. اعتمدت لقطات ثابتة، ولأمنح مساحة للتأمل. أما الأبيض والأسود، فاخترته لأدع الألوان جانباً، وأُركِّز على المشاعر الداخلية. واستخدمتُ نسبة العرض 3:4 لأُضيق إطار العالم من حول الشخصية، ولأُبرز شعورها بالضيق والعزلة. كنتُ فقط أحاول أن أُشارك تجربة حقيقية، بكل ما فيها من مشاعر ملخبطة، ربما كانت في النهاية مواجهةً صادقةً مع ذاتي.
اتضح من التعريف الخاص بقصة الفيلم، بأن اللغة البصرية في الفيلم كانت هادئةً ومكثفةً في آنٍ معاً. كيف قررتِ أن يكون حضور الكاميرا بهذا القرب والحميمية من الشخصية؟
قررت أن تكون الكاميرا قريبة من الشخصية لأنني أردت أن يشعر المشاهد بأنه لا يراقب من بعيد، بل يعيش التجربة مع الشخصية، بل أحياناً داخلها. كان مهماً بالنسبة لي أن أنقل مشاعر التوتر، التعب، والحنين من دون حواجز.
أردت أن تكون الكاميرا مثل صديقة قديمة تعرفني جيداً، لا تحكم عليَّ، بل فقط تنظر وتشارك الصمت والتعب والانكسار. هذا القرب ساعدني أيضاً على التركيز على التفاصيل الصغيرة: نظرة، نفس، حركة يد.. كل هذه العناصر تصبح أكثر ثقلاً عندما تُرى من مسافة قريبة، وتُمنح وقتاً كافياً لتتنفس.
برأيك، هل يمكن لتجربة الحمل أن تكون مساحة لاكتشاف الذات ومواجهتها، أكثر من كونها مجرد تجربة جسدية؟
من تجربتي الشخصية، لا تقتصر تجربة الحمل على التغيِّرات الجسدية فقط، بل كانت مساحة حقيقية لمواجهة الذات واكتشاف ذات جديدة بالنسبة لي، كان الحمل لحظة توقُّف قسري لم أعد أستطيع الركض أو الهروب من مشاعري. وجدت نفسي مضطرة لأن أصغي إلى ما يحدث بداخلي، وأن أواجهه كما هو، دون زينة أو تهرُّب. أردت أن أكون إنسانةً أفضل، ليس فقط من أجل نفسي، بل من أجل طفلي أيضاً. وفجأة، شعرت بحاجة قوية لمواجهة جروحي القديمة بجدِّية أكبر، ولخلق مساحة حقيقية للشفاء.
وهذا ما حاولت أن أعبِّر عنه في الفيلم: ليس فقط صورة لامرأة حامل، بل لامرأة تمرُّ بتحوُّل داخلي عميق، بصمتٍ، قد لا يكون دائماً واضحاً، لكنه صادق.
استخدمتِ في الفيلم الكثير من اللحظات الصامتة والمؤثرة. هل ترين أن الصمت يمكن أن ينقل مشاعر أكثر عمقاً من الحوار أحياناً؟
نعم، في رأيي الشخصي، الصمت يمكن أن يكون أكثر قوةً من الكلمات في بعض الأحيان. في الفيلم، حاولت أن أترك المساحة للمشاهدين والمشاهدات للتأمل وليشعروا بأنفسهم بكل ما كان يحدث. الصمت ليس فقط غياباً للكلام، بل هو أداة تعبيرية قوية. في اللحظات الصامتة، يكون الشخص أمام نفسه، وقد لا يكون هناك ما يُقال، لكن الأفعال، النظرات، وحتى صمت الجسد يمكن أن تنقل مشاعر أعمق بكثير مما قد يُقال في الحوار.
ما الأثر الذي تتمنين أن يخرج به المشاهد بعد انتهاء الفيلم؟ وهل هناك شعور أو فكرة كنتِ حريصةً على أن تبقى معه بعد المشاهدة؟
بعد انتهاء الفيلم، أتمنى أن يشعر المشاهدون والمشاهدات أنهم قد خاضوا تجربة إنسانية نسائية عميقة، وأنهم كانوا شهداء على رحلة صادقة ومعقدة.
هل كان هناك مشهد معين قريب جداً، إلى قلبك خلال تصوير أو أثناء كتابة الفيلم؟ ولماذا؟
كل لحظة، كلمة ونفس في الفيلم كانوا مهمين بالنسبة لي وقريبين لروحي.
يمكنكم قراءة... في مهرجان بيروت: هند صبري تُهدي جائزتها لكل امرأة تحدّت الصعاب
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام سيدتي».
وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك سيدتي».
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «سيدتي فن».