هل الكوميديا بمفردها قادرة على جذب جمهور السينما؟، مسألة بسيطة احتاج صنّاع السينما المصرية لخمس سنوات كاملة بحثا عن حل فني لها، بعيداً عن خلطات السينما التجارية المستهلكة، ليخرج لنا في النهاية فيلم "سيكو siko" الذي يتصدر قائمة الإيرادات منذ انطلاق عرضه في موسم عيد الفطر الماضي، محققاً إيرادات بلغت 14.5 مليون ريال في السعودية، وفي مصر بلغت إيراداته 186 مليون جنيه.
الفيلم المصنف كوميدياً، لا يخلص لهذا التصنيف بقدر إخلاصه لتقديم عمل سينمائي متماسك درامياً وأخلاقياً، فهو يخاطب جيل الشباب بقدر ما يخاطب بقية أفراد العائلة، دون التورط في كوميديا الإفيهات التي خرجت على يد نجوم مسرح مصر، ولم تعد رغم جهود أيقونات كوميدية مثل محمد سعد ومحمد هنيدي، كما تخلص الفيلم من الابتذال المعتاد في أفلام الكوميديا التي شهدتها السينما المصرية طوال السنوات الأخيرة، فلن تجد رقصة مقحمة ولا مشاهد مسيئة للحياء، ولا مواقف درامية غير مقبولة لتبرير الضحك، وإنما يستند الفيلم على "الوصفة الأصلية للضحك" القائمة على كوميديا الموقف النابعة من التناقض الحاد داخل طبقات المجتمعات، مع خلفية إنسانية صادقة تطرح هموم الناس وآلامهم على طريقة شر البلية ما يضحك.
الوصفة الأصلية للضحك
للمخرج عمر المهندس حفيد أستاذ الكوميديا فؤاد المهندس، تجربة سابقة في العودة إلى أصول الضحك عبر مسلسل "بالطو" للنجم عصام عمر، الذي أعاد للدراما المصرية كوميديا الموقف الاجتماعية بعد غياب طويل لصالح كوميديا الإفيهات، ويمكن القول بأن فيلم "سيكو siko" هو الخطوة الثانية بالمشروع نفسه، ولهذا ليس غريباً أن يستعين المخرج بنجمه الأول عصام عمر، ولكن المدهش كان الاستعانة معه بالنجم طه دسوقي، والأكثر إدهاشا هو الحرص على إعادة الاعتبار لنجوم الصف الثاني، وأغلبهم من الشباب الذين قدموا على مدار الفيلم جرعة من الكوميديا الراقية مستندة على موهبة لا تخطئها عين.

ولأن الكوميديا وحدها _حتى ولو كانت كوميديا موقف_ لم تعد قادرة على جذب الجمهور، قام البناء الدرامي للفيلم على عصب رئيس وهو الكشف عن التضاد بين طبقات المجتمع، وتحولات كل فرد مع تغير مسار الأحداث، فمن مشاهد تبدو جادة جداً تنطلق الضحكة مثل المشهد الأول ليحيى (عصام عمر) أثناء مقابلة للتقديم على العمل، فبالتوازي مع ردوده الرصينة والدبلوماسية للفوز بفرصة التعيين، تبدو في الخلفية شخصيته الحقيقية كنقيض لكل ما يدعيه من براعة واتقان وتكيف مع بيئة العمل.
كما حرص صناع الفيلم على السخرية من ظواهر اقتصادية ومجتمعية تؤثر بشدة على حياة الجميع في مصر، ففي البداية يسخر من الصعود الهيستيري لسعر صرف الدولار أمام الجنيه بشكل غير مباشر كما يطرح قضية أجور الشباب وقدرتها على الصمود أمام تحديات الحياة، كما يسخر من كوميديا مسرح مصر وبخاصة أداء علي ربيع المفتعل.
الوصفة الخاصة بالفيلم تضمنت أيضاً استخدام مشاهد الفلاش باك بطريقة ساحرة لتقديم شخصيات الفيلم الرئيسية بطريقة بسيطة لا تخلو من الضحك وتؤسس أيضاً لمناطق كوميديا جديدة في بقية الفيلم، مثل طريقة تقديم شخصية سليم (طه دسوقي) والكشف عن علاقته بخطيبته، أو طريقة تقديم اللقاء الأول بين أبنيْ العمِّ يحيى وسليم في مكتب المحامي، وفي الخلفية مشاهد كاشفة عن التفسخ الاجتماعي داخل الأسر المصرية مؤخراً.
سيكو siko هل أعاد تقديم فيلم العار؟
المدخل الثالث للكوميديا كان التماس الواضح مع واحد من أفضل أفلام السينما المصرية وأكثرها شهرة (العار)، حيث يفاجأ الثنائي يحيى وسليم أن عمهما ترك لهما إرثاً يقدر بـ15 مليون جنيه، ويكتشفان لاحقاً أنه مخزون من الممنوعات عليهما المجازفة ببيعه من أجل تحقيق حلم الثروة، وهي العقدة الدرامية ذاتها لفيلم العار، عندما غامر تاجر الأعشاب الكبير بثروته كلها في تجارة غير مشروعة، وتوفِّيَ تاركاً ولديه الطبيب ووكيل نيابة أمام اختبار التمسك بالمبادئ مع إعلان الإفلاس، أم خيانة مبادئهما من أجل الثروة، والفارق بين العملين أن فيلم العار بطبيعته التراجيدية انتهى بخسارة الجميع كل شيء، بينما الطابع الكوميدي لفيلم سيكو siko خفف كثيراً من خسائر أبطاله واكتفى بعقاب البطلين بسنوات سجن قصيرة يعقبها العثور على الإرث الحقيقي ويبلغ 15 مليون جنيه.
أيضاً فكرة استخدام مركبات الدليفري بشكل غير نمطي تم استغلالها سابقاً في الفيلم الكوميدي "نادي الرجال السري" للنجم كريم عبد العزيز، وهناك تماس أيضاً مع الفيلم نفسه في استغلال التطبيقات الحديثة للتغطية على الجريمة، ولكن عمر المهندس نجح في تقديم الفكرة داخل تطبيق سيكو siko بشكل أثار الكثير من الضحك، وبالوقت نفسه لفت الأنظار لخطورة هذه التطبيقات اجتماعياً، وبخاصة الألعاب التي باتت تحمل رسائل مشفرة بين الشباب لا يعرف عنها الآباء شيئاً، وتصعب ملاحقتها قانوناً.
المدخل الرابع للضحك كان صدام الطبقات داخل الجيل الواحد، وهو لا يقتصر على شخصية يحيى الشعبي الفهلوي بمواجهة ابن عمه سليم المتحضر المسالم، ولكن يمتد لشخصية بائع الممنوعات تاكسي، ويجسدها علي صبحي الذي يقدم شخصية المجرم المنتمي للأحياء العشوائية التي لا تجد في الجريمة نشاطاً مسيئاً وإنما مجرد فرصة للربح، وتتوسع مساحة الصدام مع اتساع أفراد عصابة سيكو siko ومواجهة مافيا الممنوعات في مصر.
الأداء التراجيدي المتميز جداً للثنائي عصام عمر وطه دسوقي، مقارنة ببقية نجوم الكوميديا المصرية، منح الفيلم لمسة إنسانية قادرة على مخاطبة الأجيال الأكبر عمراً، وخرج بالعمل من دائرة الضحك من أجل الضحك، فعلى مدار شريط الفيلم يمكنك الاشتباك مع قضايا الشباب والأسر المصرية بجدية دون الوقوع في الميلودراما، وهو ملمح بارز من سينما أحمد حلمي، يعيد عمر المهندس تقديمه بطريقة عصرية يصعب وصفها بالكوميديا السوداء فقط، ويكفي مشهد انفصال سليم عن خطيبته للكشف عن موهبة الثنائي طه دسوقي وديانا هشام التمثيلية.
يمكنك قراءة: عصام عمر: المشاركة في مهرجان فينيسيا إنجاز لقاء خاص لـ«سيدتي»
عودة البريق لنجوم الصف الثاني
يعد الصف الثاني أو الممثلون المساعدون أحد أهم عناصر سينما الكوميديا الأصيلة، وعرفت السينما المصرية في عصرها الذهبي قائمة لا تعد ولا تحصى من نجوم الصف الثاني وبخاصة في الكوميديا مثل زينات صدقي وعبد السلام النابلسي وعبد المنعم إبراهيم وحسن فايق، وهو ما يتكرر في فيلم سيكو siko، فاعتمد المخرج على اختيار نجوم الصف الثاني من خارج الصندوق، فيعود محمود عزب إلى السينما بعد غياب طويل ليقدم شخصية أبو غالي تاجر الممنوعات بطريقة مختلفة تماماً عن النمط السائد في السينما المصرية مؤخراً، والرهان كالعادة على كوميديا الموقف دون أي ابتذال، بينما يتخلص باسم سمرة من شخصية المجرم ليقدم داخل الفيلم صورة جادة لضابط رفيع برتبة لواء بقسم مكافحة المخدرات، كما تم اختيار أحمد عبد الحميد لتقديم شخصية تاجر الممنوعات وهو أبرز نجوم الصف الثاني إضافة لصانع المحتوى مؤمن الحناوي بشخصية رجل الأمن، والوحيد الذي جاء خارج نطاق التميز كان النجم خالد الصاوي الذي قدم شخصية حاتم حرفوش تاجر الممنوعات الكبير بأداء الصاوي نفسه في أعماله الأخيرة.
هل ما سبق يكفي لنجاح أي فيلم؟ الحقيقة أن كوميديا الموقف القائمة على قضية إنسانية لا تخسر أبداً في شباك التذاكر، ولكن بالوقت نفسه لا يمكن ضمان أن تحقق في كل مرة 200 مليون جنيه صافى إيرادات، لأن شباك التذاكر يتأثر بعوامل كثيرة أبرزها الملل، فواحد من أسباب نجاح سيكو siko أنه البطولة الأولى لطه دسوقي مع عصام عمر سينمائياً، والتجربة الأولى للمخرج عمر المهندس سينمائياً، وخلو موسم عيد الفطر من أي تجربة سينمائية قادرة على المنافسة، وبقاء الفيلم لفترة طويلة في دور العرض السينمائي منفرداً، بعد تأجيل طرح بقية الأفلام لموسم صيف 2025، والتحدي الحقيقي لصناع الفيلم سيكون تقديم تجربة ثانية بالمواصفات ذاتها.
أبطال وصناع فيلم سيكو siko
فيلم "سيكو siko" من تأليف محمد الدباح، وإخراج عمر المهندس، ويشارك في بطولته عصام عمر، وطه دسوقي، وعلي صبحي، وتارا عماد، وديانا هشام، وأحمد عبد الحميد، ومحمود صادق حدوتة، ويظهر خلال أحداثه ضيوف شرف بينهم باسم سمرة، وخالد الصاوي، فيما تدور أحداثه حول شخصيتين يقدمهما عصام عمر، وطه دسوقي، حيث يجسد الأول دور شاب يعمل في شركة شحن، فيما يظهر الثاني بشخصية Gamer، يتورط كلاهما بمشكلة تقودهما لمنعطفات خطيرة ويحاولان الخروج منها بأقل الخسائر.
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام سيدتي».
وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك سيدتي».
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «سيدتي فن».