وعدني زوجي
سيدتي أنا سيدة متزوجة، على مشارف الأربعين، وأم لثلاثة أبناء، والرابع في الطريق.
أنا خليجية، وزوجي خليجي، ولكن من بلد آخر. تعرفنا عن طريق الصدفة، ثم أتى لخطبتي. وكان شرط الزواج أن يكون الاستقرار في بلدي بعد حصوله على التقاعد. زوجي يكبرني بعشر سنوات.
انتقلت للحياة معه في بلده، وبالطبع كانت السنوات الأولى صعبة جدًّا، أنجبت فيها أطفال، ثم بدأت في التحضير لرسالة الماجستير وبعدها الدكتوراه، وكان الهدف منها الحصول على وظيفة أفضل في بلدي بعد أن نستقر هناك. الآن وقد مضى على زواجنا عشر سنوات، وقاربت رسالة الدكتوراه على الانتهاء، طلبت من زوجي أن يفي بالوعد.
وهنا بدأت المشكلة؛ فقد اكتشفت أنه يرى من الأفضل أن نستقر في بلده؛ حفاظًا على مستقبله ومستقبل الأطفال، وأخبرني أنه إذا أردت الرجوع إلى بلدي مع الأطفال فلن يمنعني، فهذا اختياري، ولكنه لا يعلم إذا كان سيأتي معنا أم لا.
تناقشنا بهدوء في الموضوع، وسألته عن الوعد الذي قطعه أمام أهلي، وعدم مشاركتي بالأمر طوال هذه السنين، ولكن لم نصل إلى نتيجة، فأخبرته بتأجيل الموضوع إلى ما بعد الولادة؛ حيث إنني أعلم أن تفكيري مشوش، ولا أستطيع الوصول إلى قرار في الوقت الحالي.
ما يؤلمني هو إحساسي بالخديعة، خاصة أنه ليس بالإنسان المخادع من عشرتي معه، بل إنه صادق وصريح إلى أبعد الحدود. أتألم؛ لأن والدتي تنتظر رجوعي بفارغ الصبر. أتألم؛ لأنني أشعر بأن والدي يحتاج رعايتي؛ لأنني البنت الوحيدة مع وجود أخ أصغر مني.
لا أنكر أنني وجدت في زوجي كل ما كنت أتمناه، وكانت المشكلة فقط أننا من بلدين مختلفين، مع فوارق البيئة والشخصية.
الاختيار الآن بين أمي وأبي اللذيْن منحاني كل شيء لأصل إلى ما أنا عليه، وبين زوجي وأبنائي. أخبرته بأنني اخترته في البداية؛ لإحساسي بأنه الشريك المناسب لأبني معه عش الزوجية، ولكن الاختيار الآن أصعب لكبر سن والديَّ، وحاجتهما إلى الرعاية، وفي الوقت نفسه لا أريد أن أحرم أطفالي من الجو الأسري.
أعلم أنني مندفعة بمشاعري، ولكن هذه طبيعتي، وقد حاولت جاهدة طوال السنين أن أكون عقلانية. هل يمكنني الوثوق بأي وعد يقطعه بعد اليوم؟! في انتظار الرد.
زوجة في محن
عزيزتي أولاً أشكرك على ثقتك برأيي، وثانيًا أتمنى لك سلامة الوضع، وثالثًا فإن برّ الوالدين هدف سام، ولكن ماذا عن حق هذا الزوج عليك؟
حينما قطع على نفسه عهدًا بالاستقرار في بلدك بعد تقاعده، كان في ذلك الوقت مدفوعًا بالرغبة في الارتباط بك، وخيّل إليه أن ما تطلبين سيكون هيّنًا عليه بعد التقاعد، ولكن من خلال معرفتي بما يحدث للناس بعد التقاعد، وليس أقله الإحساس بفقدان السبب في الوجود، فما بالك بفقدان كل ما هو مألوف، وفقدان صحبة المعارف والأقارب والأصدقاء، والوجود في بلد آخر. إنّ ما يجعل زوجك يبدو مترددًا هو الخوف من أن ينهض من نومه يومًا فيجد أن البساط قد سُحب من تحت قدميه.
ليس هذا دفاعًا عن شخص وعد ولم يفِ، وإنما هو دعوة لكِ؛ لكي تفكري في الأمر من كافة جوانبه.
زوجك لم يقف في طريق إكمال دراستك، ولم يرد في رسالتك ما يدل على أن الزواج لم يكن زواجًا ناجحًا، وهو والد أبنائك، ووالد الطفل الذي تحملينه، وقد اخترته بنفسك وجازفت بقبول الحياة معه، رغم اختلاف الوطن والعادات. ألا يستحق كل ذلك أن تحافظي على كيان الأسرة التي بنيتماها معًا؟
لكي تكوني بارة بوالديك يمكنك الاتفاق مع زوجك بأن تزوريهما مع أولادك كل إجازة مدرسية، وأن يرافقك زوجك في إحدى الزيارات لو سمحت ظروفه.
التكنولوجيا الحديثة جعلت التواصل أمرًا شديد السهولة، حين أكون في رحلة عمل طويلة أتواصل مع ابنتي، التي هي أهم شخص في حياتي، عن طريق الـ سكاي بي، أراها وتراني، ونتحدث طويلاً بالمجان، ومع أبناء أختي المتوفاة أتكلم بالهاتف كل أسبوع. أجامل في المناسبات، ولا يمر عيد إلا وأكون البادئة بالتواصل. صِلي رحمك بالأدوات المتاحة لك، ولو حتى بشيء من مالك، ولكن أن تبخسي زوجك حقه، فهذا لا يرضي الله أبدًا.
ستقولين إنك ضحيت وتركت وطنك وقبلت الحياة معه في وطن كان غريبًا عليك، فأقول إن حياة المرأة عامرة دائمًا بما كلفها به الله من رعاية البيت ورعاية الأولاد، ثم إن وطن المرأة الحقيقي هو زوجها وأولادها. قلت في رسالتك إن أمك تنتظر عودتك بفارغ الصبر، وهذا طبيعي، ولكن لا تنسي أنها عاشت مكرمة طوال السنوات الماضية وأنت بعيدة عنها، وهذه سنة الحياة، فنحن لا نمتلك أولادنا، وحين تتزوج ابنتي، التي هي ابنتي الوحيدة، أيضًا سأكون أسعد النساء؛ لأنها سوف تسعد بالزواج. أنا مؤمنة بأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وحين تبتعد ابنة عن أمها يلهم الله هذه الأم القوة التي تعينها على التكيف مع ابتعاد ابنتها عنها.
النقطة الأخيرة التي يجب أن أنبهك لها هي مصلحة أولادك، أطفالك مازالوا صغارًا، وهم حقًّا محتاجون لوجود الوالدين، ومحتاجون لاستقرار إحساسهم بالهوية والانتماء لوطن.
لو انتقلوا للعيش معك في وطنك، إكرامًا لوالديك وبعيدًا عن والدهم، سوف تضطرب مشاعرهم الخاصة بالانتماء لوطن ولهوية، خصوصًا في غياب أسباب منطقية للانتقال. الصحيح في بالهم هو أنك أمهم وزوجك أبوهم، ومكانكم جميعًا حيث أنتم الآن في حالة انسجام واستقرار، ولن يكون تفسير أسباب الانتقال، لو قررت الانتقال، مفهومًا عندهم، قد لا يعبرون عن اضطرابهم فورًا، ولا عن حالة الغضب من تدمير البنية المستقرة لحياتهم، ولكن ذلك كله قد يظهر فيما بعد، وينعكس على سلوكهم وعلاقتهم معك.
لا أريد أن أرسم صورة قاتمة، ولكن بما أنك سألتِ نصيحتي، فمن واجبي أن أنبهك لكافة الاحتمالات، وفي النهاية أنت إنسانة واعية ومثقفة، وقادرة على حسم الموقف واختيار ما ترينه مناسبًا. أتمنى لك التوفيق.
الواجب والعاطفة
سيدتي مشكلتي بدأت قبل عام تقريبًا. أنا متزوجة، ولي ابنة في السابعة من العمر. في مثل هذا الوقت من العام الماضي تعرضنا لحادث أصيبت فيه أمي وأخي الصغير وابنتي،
كما أصبت برضوض وجراح، لكنها أقل ضررًا من إصابة أمي وأخي، تركت ابنتي في رعاية عمتها، وذهبت أنا لرعاية أمي؛ لأنني ابنتها الوحيدة، وتركت أخي في رعاية شقيقنا الأكبر، وحين خرج من العناية المركزة رافقته، وأمضيت قرابة أسبوع لم أرَ فيه زوجي وابنتي. واضطر زوجي لطلب إجازة من عمله حتى يرعى ابنتنا في غيابي، وحتى يوفر على ابنتنا رؤية جدتها وخالها وهما في حالة سيئة، وحتى يخفف عليَّ عبء الظروف.
كنت كل يوم أذهب إلى بيت أمي من الصباح؛ لأنظف البيت وأطبخ وأرتب. ولأن زوجها بخيل فهو لا يريد أن يأتي بخادمة طالما أن هناك خادمة جاهزة كل يوم تأتي، وفي العصر أرجع لبيتي لأجهز الأكل لزوجي. كنت لا أنام إلا ساعات قليلة، وأعمل في بيتين، وأمي همها كيف أستقبل ضيوفها، وأذهب إلى الخياط لآتيها بملابسها الجديدة، وتتضرر لأني أعود إلى بيتي بعد الفراغ من مهامي في بيتها. لم تكن تعلم أنني أعاني، ولكنني مدفوعة برغبتي بأن أقوم بواجبي نحوها. وآخر ما قالته لي: ليتك جلست يوم الحادث مكان أخيك حتى لا يصاب كما حدث، فأجبتها بأنه كان من الممكن أن أكون في عداد الأموات، ولأصبحت ابنتي بلا أم، وقلت لها إنني بحاجة إلى طبيب، فقالت لي: اذهبي إلى طبيب نفسي ليزيدك جنونًا. وحين أدركت أنها لا تهتم بأمري أصبحت قاسية عليها، وهذا ما أتعبني.
ذهبت إلى طبيب نفسي فلم ينصت إلى شكواي، ثم كتب لي العلاج. ذهبت لغيره وعوملت بنفس الأسلوب. ولكني بحاجة إلى استشارة تريحني من دموعي الحبيسة.
أم أحلام
عزيزتي لقد مرّ عام على الحادث، وأعتقد أن حالة والدتك تحسنت كثيرًا، والدليل هو أنها تستقبل الضيوف، وتعد الثياب عند الخياط، وترسلك لتسلمها.
لقد أمرنا الله بألا نقول للوالدين «أُفٍّ» ولا ننهرهما، وأن نقول لهما قولاً كريمًا. ثم إن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها. وقد قمت بواجبك كاملاً حتى الآن، ولكن أن تخدميها كرهًا فلابد أن ينعكس ذلك على سلوكك، وعلى صحتك، وعلى علاقتك ببيتك وبابنتك، وبزوجك الذي أكرمك.
ما أقترحه عليك هو أن تعتذري لزوج أمك عن الزيارات اليومية وخدمة البيت؛ نظرًا لأوامر الطبيب، ونظرًا لحق زوجك عليك. قولي له إنك ستكونين على أتم استعداد للمجيء في حالة الطوارئ أو لأمر مهم، وإن عليه استقدام خادمة إن شاء.
تواصلي مع أمك بالهاتف يوميًّا، وحتى إن أساءت إليك بالقول، فنبهيها بأن الحادث كان قضاءً وقدرًا، وأنك لم تتسببي فيه، وأنك بذلت أقصى ما يمكن بذله لمساندتها بعد الحادث، وهي أولاً وأخيرًا أمك التي تتمنين رضاها.
أما مسألة الطب النفسي في بلادنا فهي مازالت غير مفهومة تمامًا، والاتجاه السائد هو وصف العلاج بالأدوية دون الاهتمام بالإنصات إلى شكوى المريض. إنها سمة من سمات الثقافة الاستهلاكية التي أصبحنا جميعًا ضحاياها. الوقت من ذهب، وكتابة روشتة دواء أسرع بكثير من قضاء ساعة أو نصف الساعة في الاستماع إلى المريض.
لا أعتقد أنك مريضة نفسيًّا، أعتقد أنك مرهقة نفسيًّا وبدنيًّا، وغاضبة، وتشعرين بأن ما قمت به لم يلقَ تقديرًا.
أرجوك أن تفصحي عن نواياك لزوجك؛ حتى تشعري بأنك لست وحدك، فتنتابك مشاعر متضاربة تولّد عندك صراعًا نفسيًّا. إذا وافق زوجك على النصيحة التي اقترحتها عليك فلا تترددي في العمل بها.
لست بحاجة إلى أدوية، ولست بحاجة إلى طبيب، أنت بحاجة إلى إجازة تقضينها مع زوجك وابنتك بعيدًا عن مسرح الأحداث. اذهبي معه إلى رحلة عائلية في إجازة ابنتك، وأقيموا في مكان جميل على البحر مثلاً، فسوف تشعرين بتحسن كبير، وتستردين الأرضية التي فقدتها؛ وأعني بذلك الإحساس بالاستقرار والاكتمال قبل وقوع الحادث.