سبق ان طَرح هذا
السؤال المفكر اللبناني "عمر فاخوري" في ثلاثينات القرن الماضي. ولا
يزال يمكن طرحه في أيامنا الحاضرة.
***
ولكن، عن أيَّة امرأة نتحدث؟... وفي أيّ مجال؟ وهل نتكلم عن المرأة الشرقية أم عن الغربية؟...
أتساءل إن كان جائزاً طرح أسئلة كهذه اليوم، وبعدما خرجت المرأة إلى العمل في شتى المجالات، وتقف على قدم المساواة مع الرجل.
ولكن أين؟
***
صحيح ان المرأة الغربية نجحت في نيل المساواة مع الرجل، في السياسة كما في مجالات العمل؛ حتى لاحظنا، في السنوات الأخيرة، كيف أنها باتت في مراكز القرار في بعض البلدان الأوروبية؛ وتُحكم قبضتها على مراكز كانت في الماضي حكراً على الرجل.
وعندما ألقي نظرة من نافذة داري، على القصر المجاور، تُدهشني نسبةُ السيدات المسؤولات بين زوّار القصر؛ وهنّ سفيرات أو وزراء خارجية أو حتى يرئسن حكومات بلادهن.
ثم ألتفتُ غصباً عني، الى الداخل، للمقارنة؛ فأُبصرُ كيف أننا لا نزال نسعى للوصول الى تلك المراتب؛ لأن مراكزَ القرار لا تزال في أيدي الرجال؛ حتى اذا وُجدت امرأة واحدة بين هذه الغالبية من الرجال، تكون أشبه "بتشكيلة" للزينة لا للفعل. وتبقى غيرَ قادرة على ترك بصمتها، أو إحداث أيّ تغيير.
***
لكن ما يؤلمني أكثر من هذا التراجع والتقصير في إثباتِ الحضور، هو قعودُ المرأة عن المطالبة بحقّها؛ وكأنها انسحبتْ أو تقاعدتْ، أو مضت في إجازة.
***
أقول ذلك وفي البال وجوهٌ لرائدات النهضة النسائية منذ ما يزيدُ على مائة عام؛ وفي عهود الحرمان، عندما كانت المرأة ما تزال غير مؤهَّلة لولوج مراكز العلم والعمل لعدم توفُّر كفاءاتها.
وكان وضْعُها ذاك يُشكِّلُ تحدّياً، جعلها تنهض لا كفرد وحسب، بل كجماعة. وبدأت تعقد اللقاءات، وتؤلِّف الإتحادات النسائية التي تقوى على العمل الجماعي.
وملاحظتي هذه تنطلق من دراستي لتاريخ النهضة النسائية، والإرادة القويّة التي دفعتهنّ الى دخول مناطق كانت مقفلة دونهنّ في السابق.
***
وفي ذلك الزمان الأوّل، كانت الأيادي تتشابك والهمم. ويتعدّى الإتحادُ النسائي حدودَ الوطن الواحد، ليتآلفَ مع معظم البلدان العربية؛ حتى ان نهضةَ ذلك الزمان تجاوزتْ حدود البلاد العربية لتطرحَ القضية على مستوى الشرق، في موازاةِ ما كان يُعرف بالمسألة الشرقية.
***
انما ذلك كله حدث في زمان مضى؛ ولم تعدْ هناك المجالس النسائية الساهرة على رعاية حقوق المرأة، فهي حاضرة بقوّة الإستمرار، ولم يعد صوتُها قوياً أو مسموعاً.
وهناك من يبرّر هذا التراجع بسبب انهماك المرأة العصرية في شؤونها الفردية، وانصرافها الى ممارسة عملها في شتى المجالات، من طبّ وهندسة وحقوق أو علوم؛ ممّا جعل وقتَها يضيق، فلا يسمح لها بحضور الاجتماعات وعقد اللقاءات؛ كما أصبح انتماؤُها للنقابة الخاصّة بمهنتها، بدل المجالس الاجتماعية أو النسائية.
***
في خلال الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان، لاحظتُ إقبال المرأة على المشاركة بكثافة، إنما بقيت في ممارستها تلك، تابعةً واتكالية، بدلَ ان تكون رائدة أو مستقلّة. كما ان نسبةَ المرشحات كانت ضئيلة وخجولة؛ حتى اذا ربحتْ إحداهن، فان انتصارها كان بقوّةِ الحزب الذي تنتمي إليه.
***
ولكن ما بالي أعاودُ إثارةَ موضوع لم أعد متحمّسة له، إذ بتُّ أعتقد ان المرأةَ القادرةَ على الخدمةِ من خلالِ عملها أو مهنتِها تتفوّقُ على من حقّقت الوصول الى كرسي النيابة في مجلس الأمّة بدفع من خارج طاقاتِها ومعطياتها؛ وبالتالي فان نجاحَها لا يُغيّر من اتكالها وجمودِها.
***
وان المرأة التي تسعى الى تربية أولادِها تربيةَ صالحة، هي أفضلُ من سيّدة بلغتْ ندوة الشعب بالوراثة في إثرِ وفاة زوج أو وليّ أمر، لتجلس في كرسي لا يتناسب مع شخصيتها. ولذلك تلوذُ بالصمت في معظم المواقف، مما يجعلُ حُضُورَها أشبه بتشكيلة للزينة تملأُ المكان بالمنظر، ويبقى الفعلُ غائباً.