وسادتها خالية تختفي تحتها روايات
الرومانسية، وصندوق زينتها ممتلئ عن آخره بزجاجات طلاء الأظافر، وفيتامينات لتقوية
الأظافر، ناهيك عن مئة نوع من الكريمات لليد، والوجه، وحَبِّ الشباب، ويا لفرحة
أمها بها، أجندة تليفونات كذلك، وعدة أشرطة لنجم مغمور.. وكلما اكتشفت شيئًا
جديدًا في غرفتها، أحسست أن قلبي سيسقط من بين ضلوعي، ويهرول بعيدًا عني، ألهذه
الدرجة اختلس الزمن من بين يدي العمر، لأرى طفلة الأمس القريب تتحول بين ليلة
وضُحاها إلى سيدة يافعة، وهي مازالت بعد ابنة الرابعة عشرة، هل البلادة أصلها
امرأة أم ماذا؟ أأنتبه الآن أولاً لهذه المراهقة التي نضجت، رغم أنه كان عليّ أن
أعي علامات مراهقتها منذ البداية، وهي تُظهر لي يوميًّا علامات العداء، كلما حاولت
أن أقدم لها النصيحة في اختيار صداقاتها، وارتداء ملابس محتشمة تليق بحداثة سنّها،
فلا تسمع منها إلا كلمات تصلح لتكون عناوين لأفلام بوليوود الهند، مثل آخر جمل
أطربت بها أذني انت: دعيني أعِش في سلام!، خلِّصيني من سجنك!
لقد تماديت في إعطائها أكثر مما تستحق من ثقتي، وعدت إلى أغراضها مرة أخرى أبحث، وأنقِّب عن سرٍّ تكون قد أخفته عني، لتسقط بين يدي حبوب جدّ ضئيلة بلون بنفسجي، ماذا أرى؟ أليست هذه حبوب لمنع الحمل! يا ابنة...!، ولم أكمل ذلك النعت المنحرف لأسقطه عليها.. إنني أمام جريمة قتل للدفاع عن الشرف يا ناس، سأشرب من دمها، سأقطعها أجزاء، وأعبئها في أكياس، وأرمي بها في أقرب قمامة، ولم يفارق حرف السين لساني.. سأفعل.. سأضرب.. سآخذ بثأر كل تلك السنين التي أمضيتها شغّالة عند الناس، لأوفر لها الحياة الكريمة بعد وفاة والدها، سأسلخ جلدك عن عظامك يا رفيف.. سأجعلك عبرة لكل عابر سبيل، وانهمرت أبكي، فلا يسعني موقع، ولا تريحني أريكة، ولا يرتاح لي بال، هذا هو الانحراف بعينه، ستفلت من بين يدي هذه المراهقة، الحل هو سفك دمها! وسمعت مفتاحها يلعب بقفل الباب، وتأهبت للانقضاض عليها كأسد قابل أخيرًا بعد مسافات طويلة أول فريسة، لم أشعر بنفسي إلا وأنا أسحبها بكل قوتي من ملابسها، والله الطفلة أصبحت أقوى مني، فقط محاولة صغيرة منها للإفلات من قبضة يدي كانت كافية لتسقطني أرضًا، ولم أجد إلا لساني قويًّا لأرميها بكل النعوت، حواجبها المقطبة، ونظراتها الحادة جعلتني أعتدل في جلستي على الأرض من رهبتي، لتبادرني على الفور: «لماذا تنفخين أوداجك هكذا، كلّميني بلا أوامر، صوتك منفّر يا أمي..»، ماذا قلت يا رفيف؟ صوتي، ما بال صوتي ورنته، لم أنتبه يومًا له، وأجّلت الأمر في حكاية صوتي هذه، حتى أنهي جريمتي مع هذه: «ما هذا يا رفيف، أحبوب لمنع الحمل؟». . «أتريدين أن أمشي بين البنات وأنا بشنب يا أمي، ويظهر لي عضلات، ويصلعّ شعر رأسي!»، «بشنب! ما تقصدين؟»، «أنا أحمل بين جيناتي هرمونات رجل، وعليَّ أن ألتزم بتناول حبوب منع الحمل، وهذا بأمر من الطبيب»، وخرست الكلمات بجوفي، يا كبدي أرفروفتي كنت سأناديها يا رفروف، وتاء التأنيث كانت لن يكون لها جزء في حياتي، وتذكرت الآن خناقاتها وهي صغيرة، ورغبتها بلعب كرة القدم، وعدم اهتمامها بتعلم الغسيل، ومساعدتي في البيت، لكن أشياءها كلها أنثوية، والروايات الغرامية، أم هي وسيلة لتضليل الجميع بمنْ فيهم أنا؟ «ماذا بخصوص أشيائك الأنثوية هناك في الدرج؟»، «يا أمي أنا أنثى، لكن لديّ خلل هرموني بسيط، وأفعل ما تفعله جلّ صديقاتي في مثل سني»، «الخلاصة أنك تعيشين بشخصيتين في شخصية واحدة، أفهمت صح؟»، فأومأت برأسها وانصرفت، وأنا مازلت جالسة على الأرض، ومن يومها ألتفت لكل فتاة في الشارع لأرى هل ينبت لها شنب أم لا!
وقصدت جارنا الطبيب عسى أجد عنده الحل، فكان جوابه: الرجل يفرز هرمونات الأنوثة، والمرأة عكسه، أي هرمونات الرجولة، وهذا جدّ مهم للاثنين معًا للوقاية من بعض الأمراض، كالسرطان، وفي أحيان كثيرة يكون أحد الهرمونات بنسبة عالية في المرأة فتلقب بالمرأة الرجل، والعكس صحيح، لا تخافي على ابنتك ستكون حياتها عادية مع إعطائها بعض الهرمونات، وتدعيمها نفسيًّا، وما على شريكها مستقبلاً إلا أن يتقبل فقط ذلك، كان هذا جواب البيه الدكتور، الذي شخبط بعقلي كل شيء، ولم أجد شيئًا آخر أواسي به نفسي سوى أن أقنعها بقانون الطبيعة لصانع له حكمة جلَّ جلاله، نحن خُلقنا من ضلع الرجل، وطبيعي أن ننهب شيئًا، ولو ضئيلاً، من هرموناته الذكورية.