الخوف مُعلم شاطر في الإقناع، لكن علمه كله خداع، فلا تخافي لو بتِّ وحدك في البيت بعد أن شاهدت فيلمًا مرعبًا في الليل الأخير؛ لأن ما تخافينه ما هو إلا وهم، ما هو إلا صورة من صورة: صورة في عقلك من صورة في التلفاز، وربما قد سهر المخرج والمصور والممثلون يضحكون وهم يصورون هذا المشهد.
لا تخافي إذن واضحكي. اضحكي على نفسك، وعلى صنعة الرعب كلها.. ماكياج الوجه، والموسيقى التي توحي باقتراب الخطر، وتذكري يوم كان أخوك الأكبر منك يختبئ لك في بئر السلم ليخضك وأنت طالعة.
«بخ!». إننا حين نخاف ونحن كبار لا يختلف الأمر كثيرًا عن تلك الخضة الطفولية. لقد علمنا أهلنا أن نخاف، ولعبنا لعبة الخوف حتى صارت جَدًا مفزعًا.
«احترس وأنت تعبر الطريق» قالت أمي.
«لا تحدقي في عين الشمس» قالت أمها.
«لا تُحدثي غريبًا أو تردي عليه، حتى لو سألك عن الساعة أو استوقفك؛ ليعرف إن كان هذا شارع «السحاب»، وعن رقم العمارة التي فيها الأستاذ «مطر»...» مثلاً مثلاً.
«لا تقفي في الشباك، فالهواء بارد. لا تنزلي البحر، فالبحر غدار، لا تبتسمي لكي لا يفسر الشبان هذا على هواهم ويظنوك فتاة سهلة المنال».
«اقتربي كي أنفخ في عينيك، فإني أرى فيها نجمة أو شوكة دخلتها الآن».
«لا تنظري يمينًا، أو يسارًا وأنت تمشين، وحذارِ أن تنظري للسماء، فتقعي. انظري إلى قفا الماشي أمامك، والأفضل أن تكون «الماشية»، فإن رؤية القفا قد تؤدي إلى رؤية الوجه، ورؤية الوجه قد تؤدي إلى التهلكة».
«خافي. خافي يا ابنتي فمن خاف سلم. والجبن سيد الأخلاق».
هل يعلم آباؤنا أن الجبن يدمر الروح؟ وأن سيد الأخلاق هذا يجعل صاحبه عبدًا لكل الناس، وعبدًا لخوفه قبل كل شيء؟ فمن يبدأ بالخوف وهو يعبر الطريق، ينتهي بالخوف وهو يمشي أن «تكعبله» النملة، ويخاف من القطة، ويرتعب من الفأر إذا لعّب له شواربه، أو لم يلعّبها.
دعينا نحاول على الأقل أن نتخلص من تراث الخوف في داخلنا، من حكايات الجدة عن العفاريت، وكل ما ترسب وترسخ في الطفولة من خوف حقيقي من أشياء وهمية.
ولكن كيف؟ لست أدري بالضبط، ولكن لنحاول ألا نخاف. لنقل لأنفسنا: «أنا ذاهبة إلى الفراش الآن ولن أخاف أن أنام وحدي في الليل بعد أن شاهدت ذلك الفيلم المضحك. نعم، هو مضحك –قولي لنفسك هذا- تذكري أنه مجرد موسيقى موترة للأعصاب تتخللها مجموعة من «الخضات»، لا تختلف كثيرًا عما كان أخوك يفعله معك في الطفولة.
إنه مجرد لعب أطفال.
وأنا أقول لنفسي: سأعبر الطريق، وأسبح في البحر وأصعد الجبل.





